شفق نيوز/ بتصويت النواب، وبهندسة خارجية واضحة، انتخب
البرلمان اللبناني الرئيس ال14 للجمهورية اللبنانية مجددا من قيادة الجيش وصولا
الى قصر بعبدا الرئاسي.
العماد جوزف عون، الذي تولى قيادة الجيش منذ العام 2017، انتخب
في جولة التصويت الثانية لمجلس النواب وحصل على 99 صوتا من اصل 128، لكنها ليست
المرة الاولى التي يدخل فيها قائد للجيش الى المنصب الاول للطائفة المارونية في
النظام السياسي اللبناني، ولهذا فان جلسة الانتخابات التي تابعها بشكل شخصي عدد
كبير من السفراء والدبلوماسيين الاجانب والعرب، ما يعكس الاهمية التي توليها دولهم
لملء الفراغ الرئاسي المستمر منذ نحو عامين.
ولهذا، يبدو أن الرئيس الجديد للبنان، وهو من
مواليد العام 1964، سيكون ملزما بان يأخذ بعين الاعتبار مباعث قلق واهتمامات الدول
الاقليمية والدولية التي عملت منذ شهور من اجل تسوية الازمة السياسية المتسعصية في
لبنان، والتي تركت القصر الرئاسي لا ساكن له بعد مغادرة الرئيس السابق ميشيل عون
وانتهاء ولايته.
وليس خبرا استثنائيا بالنسبة الى اللبنانيين ان يتولى
قائد للجيش رئاسة الجمهورية اذ سبقه اليها كل من فؤاد خوري، واميل لحود وميشيل
سليمان بالاضافة الى ميشيل عون، ولهذا فان رئيس الجمهورية الجديد الذي يتقن
اللغتين الانجليزية والفرنسية، والتحق بالسلك العسكري من بداية الثمانينات في
القرن الماضي، وصعد بترتبه العسكرية مرارا، امام اختبار استثنائي بنظر السياسيين
والمواطنين العاديين.
وقد تمثل صورته وهو يعتلي المنبر اليوم ليلقي خطابه الاول
باعتباره الرئيس الجديد للبلاد، الامتحان الاول له وهو يرتدي السترة المدنية بدلا
من زيه العسكري المرقط، ذلك ان الخدمة العسكرية تختلف تماما عن الخدمة المدنية
الرئاسية للناس والبلاد.
والرئيس جوزيف عون من مواليد منطقة سن الفيل في قضاء
المتن، لكنه في الأصل من بلدة العيشية في الجنوب اللبناني، وحاصل على الإجازة في
العلوم السياسية، وإجازة في العلوم العسكرية، بالاضافة الى نيله العديد من الاوسمة
العسكرية بينها وسام الحرب ثلاث مرات، ووسام الجرحى مرتين، ووسام الوحدة الوطنية،
ووسام فجر الجنوب، بالاضافة الى وسام الاستحقاق اللبناني من الدرجة الثالثة
والثانية ثم الأولى، ووسام الأرز الوطني من رتبة فارس، ووسام مكافحة الإرهاب.
"الصفحة الجديدة من تاريخ لبنان" كما وصفها
الرئيس الجديد في خطابه الاول، حاول فيه رسم ملامح السياسات التي يعتزم انتهاجها،
وحملت رسائل للخارج والداخل على السواء في محاولة طمأنة الجميع او رسم الخطوط
العريضة لالوليات رئاسة الجمهورية التي يدرك العماد جوزف عون انها اساسا في ايدي
رئاسة الحكومة المدعومة من البرلمان.
ولعل من ابرز الرسائل التي وجهها جوزف عون التأكيد على حق
الدولة في احتكار حمل السلاح، وعمل الجيش على ضبط الحدود جنوبا وشرقا وسيتم
ترسيمها (اشارة الى اسرائيل وسوريا)، والدعوة الى مناقشة سياسة دفاعية متكاملة بما
يمكن الدولة من إزالة الاحتلال الإسرائيلي ورد عدوانه، واقامة أفضل العلاقات مع
الدول العربية الشقيقة، والتمسك بمبدأ عدم توطين الأخوة الفلسطينيين حفاظا على حق
العودة، بالاضافة الى قوله انه "لدينا فرصة تاريخية لبناء حوار جدي مع الدولة
السورية لمناقشة كافة المسائل العالقة بيننا لا سيما احترام سيادة واستقرار
البلدين".
وفي الرسائل الى الداخل اللبناني وفيما بدا اشارة الى
الرغبة بالتقارب مع حزب الله والطائفة الشيعية عموما، كان من ابرز ما قاله التعهد
باعادة اعمار ما دمره العدو الإسرائيلي في الجنوب والضاحية والبقاع وفي كل أنحاء
لبنان، والتأكيد على ان شهداء لبنان هم روح عزيمتنا وأسرانا هم أمانة في أعناقنا،
الى جانب قوله انه "إذا انكسر أحدنا انكسرنا كلنا"، وذلك في اشارة الى
عدم تقبله لفكرة يتم الترويج لها بين بعض السياسيين والاعلاميين بان الطائفة
الشيعية كسرت ولم يعد لها كلمة حاسمة في القضايا السياسية والامنية وخلافه.
وداخليا أيضاً، تحدث الرئيس عون، عن عدم التهاون في حماية
أموال المودعين، والاعتراف بأزمة حكم يفترض فيها تغيير الأداء السياسي والاقتصادي،
ومنع التدخل في القضاء وبانه لا حصانات لمجرم أو فاسد ولا وجود للمافيات ولتهريب
المخدرات وتبييض الأموال، والتمسك بالاقتصاد الحر، بالاضافة الى السعي لتعزيز
شبكات الأمان الاجتماعي واحترام حرية الإعلام والتعبير ضمن الأطر الدستورية.
وسيكون على الرئيس الجديد، الدعوة الى استشارات نيابية من
اجل تكليف شخصية تحلف نيجب ميقاتي في رئاسة الحكومة، ليكون بامكان انطلاق العهد
الجديد من الحكم. لكن الرئيس عون كما يبدو سيكون معنيا الا يظهر كحاكم عسكري في
بلد تتنازعه مصالح الطوائف والمذاهب والقوى السياسية المتسمة بالدهاء وتمسك بمفاصل
السلطة منذ ما بعد نهاية الحرب الاهلية قبل اكثر من 30 سنة.