شفق نيوز/ يشهد سوق الملابس الأوروبية المستعملة (البالة) في العراق بداية من إقليم كوردستان وصولاً إلى البصرة، تنوعاً في مواسم الإقبال عليه خصوصاً في فصل الشتاء، وتختلف العاصمة بغداد عن غيرها من المحافظات من ناحية الإقبال على شراء هذه الملابس وتأثر سوقها بـ"الوضع السياسي".
يشار إلى أن سوق "البالة" ظهر محلياً في تسعينيات القرن الماضي إبان الحصار الاقتصادي المفروض على العراق وانهيار الوضع الاقتصادي للبلد والمواطن، وكان في حينها يقتصر على الملابس المستعملة حصراً، ورواده من معظم الطبقات الاجتماعية في البلاد بسبب تدني الدخل المالي، أما بعد العام 2003 فقد شهدت "البالة" نقلة نوعية في عموم البلاد، حيث لم تعد تقتصر على الملابس فقط بل شملت الأجهزة المنزلية والكهربائية والعدد اليدوية الملابس والأحذية وحتى الألعاب والكماليات والإكسسوارات، كما انحسرت شيئاً فشيئاً المستعملة منها حيث أصبح إقبال الزبائن على الملابس والمواد غير المستعملة كبيراً نظراً لتحسن الوضع الاقتصادي بشكل عام.
بالة كوردستان
وبدأت الجولة في أسواق "البالة" وتحديداً الملابس المستعملة، و أسباب إقبال الناس على اقتنائها ومواسم الشراء، من محافظة السليمانية في إقليم كوردستان، لاستطلاع آراء المواطنين وأصحاب هذه المهنة.
وبهذا الصدد، فإن "محال بيع البالة الأوربية في السليمانية تشهد إقبالاً متبايناً خلال فصول السنة، ويقبل عدد من المواطنين على تلك المحال لاقتناء الملابس والأحذية والحقائب المستعملة"، كما يقول دلشاد منير أحد رواد هذه المحال.
ويشير منير في حديث لوكالة شفق نيوز، إلى أن "سبب اقتنائه الملابس المستعملة يعود لجودتها وأسعارها المناسبة للجميع، كونها من مناشئ أوروبية تضاهي التركية والصينية"، مؤكداً أن "جودة وموديلات ملابس البالة تكون أكثر جاذبية من الملابس الجديدة المتوفرة حالياً بالأسواق".
ويضيف "بعض أنواع الملابس المستعملة تكون أسعارها غالية بسبب مناشئها العالمية مثل شركات (نايك، وأديداس) وعمرها طويل وجودتها عالية وهي أفضل من حيث القيمة والزمن من الملابس الأخرى غير المستعملة".
من جانبه يقول محمد أحمد، من رواد السوق وهو من ذوي الدخل المحدود، لمراسل وكالة شفق نيوز، إن وضعه المادي البسيط يجبره على التبضع من محال الملابس المستعملة، وهي تغنيه عن اقتناء الملابس الجديدة ذات الأسعار الباهظة خصوصاً وأن هذه من مناشئ مشهورة.
ويوضح أحمد "لديّ أبناء في المدرسة ودخلي محدود لذلك أنا ملزم بارتياد سوق البالة لتوفير الملابس والأحذية لهم، لكن تذبذب سعر صرف الدولار انعكس علينا لكون شراء البالة يتم بالدولار من قبل تجارها".
من جانبه، يبين لقمان غفور، صاحب محل للملابس المستعملة، لوكالة شفق نيوز، أن "أسعار الملابس المستعملة تعتمد بالدرجة الأولى على الدولار، كما أن شراءها يكون بالوزن، لكن بالعموم الأسعار مناسبة فلدينا قطع ملابس بسعر 500 دينار للقطعة الواحدة وأعلى سعر هو خمسة آلاف دينار".
ويؤكد أن "إقبال المواطنين على شراء الملابس المستعملة يزداد مع حلول فصل الشتاء، ويتم استيراد الملابس المستعملة بمختلف الأحجام للأطفال والرجال والنساء، وكذلك الملابس الخاصة بالمهن مثل بدلات عمال النظافة والمصانع وغيرها لزيادة الطلب عليها".
"بالة" ديالى
وفي محافظة ديالى، يؤكد بائعو الملابس الأجنبية المستعملة رواج تجارتهم لاقبال الميسورين وأصحاب الدخول العالية عليها بحثاً عن الماركات العالمية، فيما أكدوا أن ذروة التجارة تبدأ مع حلول فصل الشتاء.
ويقول أبو عبد الله، صاحب محل بالة، في حديث لوكالة شفق نيوز، إن "أسواق البالة في ديالى تشهد إقبالاً على مدار الموسم لكن ذروتها تتركز قبيل بدء العام الدراسي وحلول فصل الشتاء".
ويتابع "على نحو عام فإن أسواق البالة في بعقوبة تعاني كساداً في الصيف وانحساراً كبيراً وخسائر في أغلب الأحيان إلا أننا نعتاش على المواسم وجودة البالات وخاصة الشتوية إن كانت تحتوي على ملابس من علامات تجارية عالمية مشهورة".
وبشأن الزبائن، فيؤكد أبو عبد الله أن "أسواق البالة لم تعد محط إقبال وارتياد الفقراء فقط بل هي مقصد للميسورين والمثقفين نظراً لرغبتهم وسعيهم لشراء العلامات التجارية العالمية للملابس".
وفي سوق بالة بعقوبة، رفض حسن علي عدنان، وهو أحد باعة "البالة" الإدلاء بأي تصريح ظناً منه أن مراسل وكالة شفق نيوز، عنصر رقابي من البلدية ويحاول استطلاع وكشف المتجاوزين، لكنه تأكد بعد ذلك من الأمر، ليبدأ في إيجاز مشاكل زملائه وأبرزها "ملاحقات دوائر البلدية لباعة البالة رغم بعدهم عن مسير السيارات وحركة المارة وانعزالهم خلف الأسواق الرئيسية"، بحسب الرجل.
بدوره يؤكد حميد العزي، أحد تجار البالة في بعقوبة، في حديث لوكالة شفق نيوز، أن "تجارة البالة ما زالت تتصدر أرباح مهن بيع الملابس رغم ارتفاع الدخل والوضع المعيشي لأغلب فئات المجتمع والأسعار المناسبة والملائمة للطبقات كافة".
ويشير العزي إلى أن "تجارة البالة ما زالت سلاحاً ذا حدين وعرضة للاستغلال من قبل الجهات المستوردة"، مبيناً أن "ما يسمى شعبياً البالة أو الشليف (كيس بلاستيكي كبيرة يحتوي على الملابس أو المواد الأخرى التي يتم شحنها من الدول الأوروبية وغيرها) أشبه بلعبة اليانصيب إذ أنه أحياناً يكون بجودة جيدة ومن علامات تجارية مشهورة وغير مستعملة، وأحياناً يكون العكس".
السياسة تتحكم بـ"البالة"
ويقول، محمد المصارع، صاحب أحد محال "البالة"، في حديث لوكالة شفق نيوز، إن "سوق البالة يعتمد على القدرة الشرائية للمواطنين وهناك ملابس بالة تعتبر درجة أولى يستخدمها الباعة في بغداد وأربيل اعتماداً على تجار هذه الملابس المتواجدين في بغداد وتحديداً في منطقتي جكوك والشورجة وفي إقليم كوردستان التي تصل في جملتها إلى 400 ألف دينار لـ(الشليف الواحد)".
ويضيف أن "اتجاه الناس نحو ملابس البالة يعود لأن هناك من يبحث عن العلامات التجارية العالمية المعروفة وخصوصاً الرياضية، حيث أن ما موجود في الأسواق حالياً هي سلع تجارية (براندات) ليست أصلية، أما العلامة الأصلية فهي موجودة في المولات ومحال محددة بأسعار تصل إلى 400 دولار للقطعة الواحدة وهو مبلغ مرتفع، لذلك يلجأ المواطن إلى البالة".
ويردف "بشكل عام لا يوجد موسم معين لشراء ملابس البالة، كما كان معروفاً في السابق وإنما تعتمد على قدرة المواطنين فمثلاً ممكن أن يكون هناك إقبال في بداية كل شهر بالتزامن مع إطلاق رواتب الموظفين والمتقاعدين، بل أن الوضع السياسي والأزمات ممكن أن تؤثر في عملنا، ففي بعض الأحيان لا نعمل في مواسم الأعياد والمناسبات رغم أنها الأكثر رواجاً للبيع".
ويتابع أن "أسعار بيع القطع البالة تختلف من منطقة إلى أخرى، ففي المناطق الشعبية يقدم الباعة على شراء الجملة الرخيصة بـ50 دولاراً لغرض بيعها بسعر زهيد، بينما في المناطق الراقية ممكن أن تكون جملة البالة بـ400 دولار وتكون قطعها جديدة".
في ذي قار الخليجي أولاً
"أسعارها تنافسية والهدف رضاء الزبون" هذا الشعار السائد لدى الباعة في سوق "البالة" بمحافظة ذي قار جنوبي العراق، فهذه السوق باتت مقصداً للجميع من أصحاب الدخل المحدود والمرتفع، رغبة منهم في اقتناء ملابس من علامات تجارية عالمية.
وطرأ تغيير كبير على شكل سوق "البالة" بعدما كانت تشمل الملابس فقط، فقد باتت تحوي الكثير من الأمور التي تستهوي العديد من الطبقات للقدوم لشرائها كالألعاب الإلكترونية والعدد اليدوية والكهربائية.
ويقول عباس أبو عمار، أحد مرتادي هذه السوق، في حديث لوكالة شفق نيوز، إنه "قبل عدة سنوات ومنذ افتتاح محال صغيرة لبيع الملابس المستعملة، كان الناس ينظرون لها بشيء من الترفع والفوقية بسبب الروائح الكريهة المنبعثة منها ولتكدسها بشكل عشوائي، حتى أن أغلبهم لا يمرون بالمناطق التي تتواجد فيها هذه السلع".
ويضيف "سرعان ما اتسعت رقعة هذه الأسواق بشكل ملحوظ، وبدأت تتشكل ملامح سوق شعبية تحتوي على أي شيء يخص الاستخدام، وليس فقط الملابس، وربما تصادفك أشياء بأبخس الأثمان لكنها ذات فائدة عظيمة ومن مناشئ عالمية".
ويشير أبو عمار إلى "اختلاف رؤية المجتمع بعد سنوات للبالة لوجود مواد من علامات عالمية وخاصة الكهربائية منها، وصار الجميع يأتي بلا تردد ولا استحياء"، مؤكداً أن "ما يميز البالة اليوم أنها لا تروج لنفسها، بل الآخرون يروجون لها من خلال اقتنائها والتفاخر بشراء أي سلعة".
من جانبه يقول فاضل، أحد الباعة في سوق بيع "البالة" في الناصرية، في حديث لوكالة شفق نيوز، إن "الفقير والغني بات يأتي إلى سوق البالة، بل أن هناك تجاراً يأتون للبالات بحثاً عن ملابس من علامات تجارية عالمية"، مبيناً أن "مصدر البالة التي تدخل المحافظة تكون من دول الخليج أولاً ثم من ألمانيا وبلجيكا ثانياً".
ويلفت إلى أن "العوائل في المحافظة تقدم على زيارة أسواق البالة في فصل الشتاء بشكل كبير جداً، فيما تنفر منها في فصل الصيف، بل أن سوقها ينهار، ولا يوجد عليها إقبال"، موضحاً أن "العلامات التجارية العالمية من الملابس المتداولة في سوق البالة هي غالبيتها من (سوي تون)، فضلاً عن غيرها".
بدوره يقول شيروان أبو كرم في حديث لوكالة شفق نيوز "أعمل في سوق البالة منذ العام 1995 وهي سوق الناس الفقراء بشكل أساسي، وهذا لا يعني عدم إقبال العوائل الميسورة الحال بل أن هناك أوقات تحجز فيها العوائل المتمكنة بضاعة بأكملها"، مؤكداً أن "الإقبال على سوق البالة يبدأ من شهر أيلول/ سبتمبر وحتى تشرين الثاني/ نوفمبر من كل عام، الذي يكرس غالبيته لأمور الدراسية ولوازمها وخاصة الحقائب".
ويضيف، أن "يوم الجمعة لدينا في سوق البالة في الناصرية، يكون مخصصا لتبضع الرياضيين والرجال، وهؤلاء يأتون لغرض تبضع المستلزمات الرياضية من العلامات التجارية العالمية التي نعرضها في السوق".
ويوضح أن "البالة نوعان خليجي وأوروبي، والبالة الخليجية تكون مرتفعة الثمن في فصل الصيف، بينما الشتوي منها رخيص الثمن، أما البالة الأوروبية، فسعرها متوازن ومناسب لدخل العائلة العراقية خاصة الفقيرة".
ويشير أبو كرم إلى أن "السنوات السابقة شهدت صعوداً بالأسعار نتيجة كلف النقل العالية بسبب الأحداث التي مرّت على العالم، بينما الآن الوضع عاد لطبيعته بسبب عودة غالبية الطرق الرسمية للعمل".
ويتابع أن "البالة بشكل عام تمثل إدماناً لمن يزورها، فإذا زرتها مرتين فلن تتركها لاحقاً، وهناك أشخاص أصبحوا خبراء في سوق البالة وهم يتخيرون العلامات التجارية العالمية منها، ويعرفون مواعيد نزولها، بل أن هناك أشخاصاً باتوا يتخيرون قطع ممتازة ويقومون بعرضها عبر الإنترنيت لغرض بيعها للمواطنين، وحدثت هناك الكثير من الحالات ولا يزال بعضهم يمارس هذه الهواية بحجة أنها ملابس من علامات تجارية عالمية".
"بالة" البصرة
وفي البصرة، أقصى جنوبي العراق، يقول فراس، أحد بائعي ملابس "البالة"، في حديث لوكالة شفق نيوز، إن "شهري أيلول/ سبتمبر وتشرين الأول/ أكتوبر يمثلان الموسم التسويقي بالنسبة لنا، بسبب حلول العام الدراسي الجديد، حيث تقبل غالبية العوائل على السوق للتبضع"، مبيناً أن "جميع البائعين في سوق البالة يجهزون بضاعتهم مع حلول فصل الشتاء، وهذه البضائع تصل من مصادر متعددة من الخليج أو أوروبا وحتى من أمريكا".
ويضيف "العوائل تلجأ إلى البالة لأن أسعارها تكون مناسبة لمدخولها الشهري، فضلاً عن أن هناك علامات تجارية تُعرض في البالة أفضل من الملابس المعروضة في المحال التجارية، وبعضها يأتي جديداً للغاية، وهناك أشخاص مميزون في انتقاء القطع المستوردة".
بدوره يقول كرار، وهو مدرب رياضي لبناء الأجسام، في حديث لوكالة شفق نيوز "أفضّل الشراء من ملابس البالة لغرض التدريب لأن علاماتها التجارية تتحمل ظروف التدريب اليومية، وهي عكس الملابس التقليدية الجديدة الموجودة في المحال التجارية لا تتحمل مشاق التدريب الخاص بنا".
ويضيف أن "غالبية الذين يتمرنون في قاعة بناء الأجسام الخاصة بي لديهم تعاملاتهم الخاصة مع أصحاب محال البالة التجارية"، مبينا أننا "كرياضيين نلجأ إلى سوق البالة بسبب انخفاض أسعارها، كون غالبيتنا من ذوي الدخل المحدود".