شفق نيوز/ يُنتظر أن تفتح زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الى بغداد واربيل، صفحة جديدة في علاقات انقرة وحضورها، بعد ما يشبه سنوات من الغياب والفتور.. والتوتر احيانا.
ولا تقتصر المؤشرات على أهمية النقلة التي مثلتها زيارة أردوغان الى بغداد واربيل فقط من خلال لقاءاته مع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ورئيس الجمهورية عبداللطيف رشيد وشخصيات قيادية سنية، او في اربيل مع الزعيم الكوردي مسعود بارزاني، ورئيس اقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني بالإضافة إلى رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني ونائبه قباد طالباني، وإنما من خلال ما جرى التوصل إليه من اتفاقيات ومذكرات تعاون وتنسيق تغطي مجالات عديدة، من السياسة والأمن إلى السياحة والعلوم وغيرها.
وجاءت الزيارة في ظل مجموعة من التطورات والأحداث التي أضفت المزيد من الاهمية على زيارة الرئيس التركي بهذا التوقيت وبهذه الظروف، بما في ذلك ان السوداني عاد لتوه من القمة التي طال انتظارها مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، والتي يفترض كان ان ترسم ملامح أكثر وضوحا لطبيعة وحجم الوجود الامريكي في العراق وهي قضية تحظى باهتمام مباشر من أنقرة بالنظر الى نفوذها في الساحتين العراقية والسورية.
كما ان زيارة الرئيس التركي جاءت بعدما شهدت اجواء الشرق الاوسط المواجهة المباشرة الاولى، بين ايران واسرائيل، والهجوم الأول من نوعه من داخل الاراضي الايرانية باتجاه اسرائيل، والتي كانت سماء العراق جزءا من مشهده.
ويدرك اردوغان ان اشتعال المنطقة بهذا الشكل، بما يطال العراق ايضا، لا يضمن سلامة ومصالح تركيا الاقليمية، خصوصا ان هناك نوعا من التفاهم ما بين بغداد وانقرة واربيل، على أهمية وقف اطلاق النار في غزة، ومنع انتشار الحرب اقليميا والتي عبر عنها مرارا كل من أردوغان والسوداني ونيجيرفان بارزاني منذ بدء الحرب قبل 7 شهور.
الخطوط العريضة التركية
ورغم أن زيارة الرئيس أردوغان كانت الأولى منذ 13 عاماً، لكن كان قد سبقها العديد من الزيارات المتبادلة، حيث إن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني قد زار تركيا في آذار 2023، كما أن رئيس الوزراء التركي السابق بن علي يلدريم زار بغداد عام 2017، بالإضافة إلى زيارات متعددة لرئيس الإقليم لأنقرة، "لذلك لم تكن العلاقات مقطوعة بين البلدين إطلاقاً، كما أن هناك الكثير من المشاريع المشتركة التي حدثت مثل تأسيس مركز بحوث المياه عام 2020 في بغداد".
أفاد بذلك الباحث في الشؤون السياسية التركية أرشد هرمز، ويضيف في حديث لوكالة شفق نيوز، أن "العلاقات بين تركيا والعراق لابد أن تكون جيدة حيث البلدين الجارين والشقيقين، وأن تركيا ترى دائماً أن العراق يجب أن يعود لمكانته الحضارية البارزة".
ويؤكد هرمز، أن "تركيا تولي أهمية خاصة لإقليم كوردستان، خصوصاً وأن هناك الكثير من الثوابت التي تجمع تركيا مع الإقليم من الناحيتين التجارية والأمنية، حيث إن المسألة الأمنية مهمة جداً بالنسبة لتركيا وللعراق ولإقليم كوردستان، ومن هذا المنطلق من الضروري التباحث حول جميع هذه المسائل".
ويوضح، أن "الوفد المرافق للرئيس أردوغان شعر أن هناك جدية حول موضوع حزب العمال الكوردستاني سواء من الحكومة الاتحادية أو من حكومة الإقليم للتصدي لأي عمليات إرهابية تنبع من الأراضي العراقية، كما أن هذه العمليات هي مخالفة للدستور العراقي نفسه، ومن هذا المنطلق يجب أن يتولى العراق مهمته وواجباته في التصدي لأي عمليات إرهابية تنبع من الأراضي العراقية ضد دول الجوار وخاصة تركيا".
تدشين مرحلة جديدة من العلاقة
تكمن أهمية زيارة الرئيس أردوغان بأنها "حققت حضوراً سياسياً ومن خلالها تم التوقيع على عدد كبير من الاتفاقيات ومن أهمها مشروع طريق التنمية وهذا سيكون له انعكاسات إيجابية على كلا البلدين والدول المشاركة فيه، فضلاً عن الحصص المائية"، وفق الباحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية، د.طه عودة أوغلو.
ويتابع أوغلو حديثه لوكالة شفق نيوز، "كما تضمنت زيارة الرئيس أردوغان الذهاب إلى إقليم كوردستان وهذه تعتبر انعطافة سياسية، وكان لها بعد أمني وآخر اقتصادي، أما الأمني وهو الأساسي في زيارة أردوغان خاصة بعد إعلان بغداد الموافقة على طلب أنقرة بحظر حزب العمال الكوردستاني، وهذا أعطى لتركيا غطاءً سياسياً لعملياتها داخل العراق".
أما الجانب الاقتصادي، فإن من الواضح أن "أهم نتائج هذه الزيارة أنها ساهمت بشكل كبير في تدشين مرحلة جديدة من العلاقة بين تركيا والعراق على المستويات الأمنية والاقتصادية والتجارية والتنموية، وأعادت تشكيل العلاقات التركية العراقية من جديد"، يقول أوغلو.
من جهته، يشير المحلل السياسي التركي، أوكتاي يلماز، إلى أن "الزيارة تم التحضير لها بشكل جيد، حيث سبقت زيارة وزراء أتراك إلى بغداد منهم وزيرا الدفاع والخارجية، وفي هذه الزيارة حصل توافق بين بغداد وأنقرة من جهة، وبين أنقرة وأربيل من جهة أخرى حول ضرورة تحقيق الأمن ومحاربة العمال الكوردستاني لأنه يشكل خطراً على الإقليم وتركيا والعراق والمنطقة عموماً".
ويضيف يلماز خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، "كما هناك مصالح اقتصادية مشتركة سواء بين أنقرة وبغداد أو بين أنقرة وأربيل، وكان التركيز على تطوير المصالح الاقتصادية من خلال الاستثمار ورفع حجم التجارة وبناء المشاريع التنموية وما إلى ذلك".
ويتابع، "فضلاً عن استكمال مشروع طريق التنمية الممتد من جنوب العراق إلى الحدود التركية وهذا سينفع الجميع بمن فيهم إقليم كوردستان".
ويؤكد، أن "العلاقات بين البلدين أفضل من السنوات السابقة حيث هناك اتفاق على القضايا المشتركة بين أنقرة وأربيل وبين أنقرة وبغداد أيضاً، لذلك الزيارة كانت ناجحة وحققت نتائج إيجابية".
وعن الخلافات حول ملف النفط، يوضح يلماز، أنه "كانت هناك نصائح لأردوغان لبغداد وأربيل حول ضرورة طي صفحة الخلافات لاستئناف تدفق النفط إلى تركيا، وأن الأخيرة قد تساهم مستقبلاً في إزالة هذه الخلافات بين الجانبين، خاصة وأن انقطاع تدفق النفط من الإقليم إلى تركيا يضر الجميع (تركيا والعراق والإقليم)، لذلك كان هناك تأكيد في الزيارة على ضرورة الإسراع لحل هذه القضية".
رسالة الزيارة
بدوره، يقول رئيس مركز التفكير السياسي في العراق، د.إحسان الشمري، إن "زيارة الرئيس أردوغان إلى إقليم كوردستان فيها رسالة بأن أربيل لا تزال تمثل حليفاً لأنقرة، وأيضاً تؤشر إلى تعاط جديد من قبل الحكومة التركية مع إقليم كوردستان وبما ينعكس بشكل إيجابي على القضية الكوردية".
ويضيف الشمري لوكالة شفق نيوز، "كما أن زيارة أردوغان ولقاءه بالزعيم الكوردي مسعود بارزاني ورئيس إقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني ورئيس حكومة إقليم كوردستان مسرور بارزاني، ستؤسس لشراكة في مستويات سياسية واقتصادية وحتى أمنية بشكل كبير".
ويتابع حديثه، "كما أن أردوغان يجد أن من المناسب الحوار بشكل مباشر مع إقليم كوردستان وتحديداً أربيل لغرض الوصول إلى اتفاق نهائي حول بعض الملفات العالقة بينها ما يرتبط بإعادة تصدير النفط والعمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش التركي على الشريط الحدودي، لهذا تأتي هذه الزيارة لتثبيت علاقة مستدامة بين الطرفين وتضع هذه العلاقة بمسار أكثر ثباتاً".
ويقول مراقبون ان جزءا مهما من طبيعة النظرة التركية المستجدة الى العراق، وحسابات الرئاسة التركية وحزب العدالة والتنمية الحاكم، تستند في استدامتها ونجاحها، بارتباطها بالتأكيد ببوابة اقليم كوردستان، ليس فقط بحتمية التلاصق الجغرافي، وانما ايضا بعمق العلاقات التي نجح الرئيس نيجيرفان بارزاني في نسجها ما بين اربيل وانقرة، وحتى على الصعيد الشخصي مع القيادة التركية، وتحديدا اردوغان نفسه.
وبمعنى آخر، فان جانبا كبيرا من الاتفاقات التي جرى التوصل اليها خلال زيارة اردوغان البغدادية، والتي شملت 26 اتفاقية ومذكرة تفاهم، بما في ذلك التفاهمات المتعلقة بقيام شركات تركية بتطوير منظومات الري العراقية، وتعزيز حصة العراق المائية من المياه المتدفقة من الاراضي التركية، او مثلا التعاون السياحي، والتفاهمات التجارية والاستثمارات، وحتى التنسيق الامني وسياسة التعامل مع التحدي الذي يمثله حزب العمال الكوردستاني، تتأثر سلبا وايجابا، على مسار خطوط العلاقات القائمة ومدى استقرارها، سواء بين انقرة وبغداد، او بين اربيل وبغداد.
ويقول مراقبون ان القيادة التركية تدرك ان بامكان اربيل ان تلعب دورا مهما في تحويل اردوغان من صفة "الجار الثقيل" الذي شهدت علاقاته مع بعض القوى العراقية خلال السنوات ال10 الماضية، بعض الفتور والتوترات، سواء خلال "حقبة داعش" او بسبب الملف المائي، او بسبب تداعيات تمركز حزب العمال الكوردستاني في بعض جبال وكهوف الاقليم، الى صفة "الجار الشريك" في التعاون والتنسيق والاستقرار، ومحاولة طي "الملفات الملتهبة" بين الطرفين العراقي والتركي.