شفق نيوز/ يرى مراقبون أن "حمى التسريبات" التي انتشرت في الآونة الأخيرة لعدد من المسؤولين العراقيين، من المستبعد أن يكون ظهورها بمحض الصدفة، بل تدل على وجود شبكة وعمل منظم في التسجيل والتسريب من قبل مسؤولين فاسدين آخرين، لتعكس الوجه الجديد للصراعات الحزبية من خلال استخدام التطور التكنولوجي في مجال التسقيط السياسي بالعراق.

ويتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل إعلام عراقية تسريبات صوتية "غير موثقة" لصفقات مشبوهة واتهامات تثير الجدل في الأوساط السياسية، آخرها انتشار، تسجيل صوتي أمس السبت، منسوب إلى السياسي العراقي خميس الخنجر، يشكو فيه إلى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني من بعض الإجراءات التي تجري في دائرة الأوقاف بالوقف السني.

وقبله بأيام (الجمعة الماضي)، انتشر أيضاً، تسجيل صوتي منسوب إلى رئيس هيئة المستشارين في مجلس الوزراء العراقي، عبد الكريم الفيصل، يتحدث فيه عن أحد المشاريع الاستثمارية، وتطرق إلى استلامه مليون دولار.

والشهر الماضي، انتشر أيضاً، تسجيل صوتي منسوب لرئيس الهيئة العامة للضرائب علي وعد علاوي وهو يقوم بالتحدث عن التلاعب الذي يقوم به في أموال الضرائب لحساب الشركات الخاصة مقابل أموال، وفي الشهر نفسه، انتشر في مواقع التواصل الاجتماعي صوت القاضي حيدر حنون وتتحدث التسريبات عن تقاضيه الرشوة.

يذكر أنه في 19 آب الماضي، اعتقل الأمن العراقي "شبكة تنصت وتزوير" يقودها المقرّب من السوداني، محمد جوحي، وتضم موظفين وضباطاً، حسب تصريحات أدلى بها النائب مصطفى سند.

وكانت مصادر مطلعة قد أفادت بـ"ضبط شبكة للتنصت والابتزاز تستهدف السياسيين العراقيين داخل مكتب رئيس مجلس الوزراء يقودها جوحي.

وليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها نشر مثل هذا النوع من التسريبات، إذ شهدت الساحة العراقية في السنوات الأخيرة عدة تسريبات نسبت إلى سياسيين بارزين.

ففي تموز 2022، تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي تسريبات صوتية مسجلة قيل إنها لرئيس ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي، والتي تظهر هجوماً غير مسبوق من قبل الأخير إزاء الصدر، وقادة في الحشد الشعبي، كما تضمنت هجوماً على أطراف وقوى سياسية والجيش والشرطة وعدد من الدول.

ورغم نفي أغلب ما يُنسب التصريحات لهم، مؤكدين عدم صحتها، إلا أنها تثير جدلاً واسعاً في الأوساط الشعبية والإعلامية، حيث يعدها البعض دليلاً على تورط بعض المسؤولين في صفقات مالية مشبوهة أو مخالفات قانونية.

وفي هذا السياق، يقول الباحث في الشأن السياسي مجاشع التميمي، إن "التسريبات الصوتية هي وجه جديد للصراعات السياسية والحزبية في العراق وهو تطور تكنولوجي في مجال التسقيط السياسي الذي يستهدف أحياناً الحكومة أو الأطراف المقربة منها".

ويضيف لوكالة شفق نيوز: "‏لا أحد ينفي أن بعض القوى السياسية والمسؤولين التنفيذيين متورطون بالفساد وخاصة الشخصيات المخضرمة في الحكومة والتي عاصرت أكثر من رئيس وزراء، لذلك لا يتحمل رئيس الوزراء المسؤولية الكاملة عن سلوك بعض المسؤولين التنفيذيين أو الموظفين في مكتب رئاسة الوزراء بقدر ما هو يعني العملية السياسية برمتها، لأن أغلب المتورطين هم محميون من جهات سياسية كبيرة ومن بينهم المستشار عبد الكريم الفيصل". 

ويرى التميمي، أن "تلك التسريبات حقيقية ولشخصيات معروفة فسادها منذ سنوات طويلة، وأعتقد أن تزايد حمى التسريبات يأتي مع قرب الانتخابات البرلمانية، فضلاً عن جهل واضح بتكنولوجيا الاتصالات والإعلام من قبل المسؤولين الفاسدين".

من جهته، يؤكد الخبير القانوني، محمد جمعة، إن "حمى أو فوضى التسريبات التي انتشرت في الآونة الأخيرة، ينبغي التحقيق بصحتها أولاً ومن ثم التحقيق في فحوى هذه التسريبات، لأنها تشكل جرائم فساد واضحة واختلاس لأموال الدولة".

ويضيف لوكالة شفق نيوز: "كما ينبغي التحقيق في من يسجل ويسرب، وهل هناك شبكة من المسؤولين الفاسدين تحاول ابتزاز مسؤولين فاسدين آخرين؟، لأنه لا يمكن ظهور هذه التسريبات بالصدفة، بل تدل على وجود عمل منظم في التسجيل والتسريب، إن صحة التسريبات الصوتية".

بدوره، يوضح المحلل السياسي، وائل الركابي، أن "التسريبات هي غير مستحسنة، خاصة عندما تصدر على أطراف معنية في الجانب الإداري والحكومي وعلى مستويات ومناصب عليا، وأن الحديث مسبقاً عن هذا الأمر ربما يكون فيه غبن للمسرب عنه هذه التسريبات أو للشخص المسرب".

ويؤكد خلال حديثه لوكالة شفق نيوز: "يجب أن يكون الأمر للقضاء للتيقن من صحتها ومعلوماتها وتطابق الصوت، فهذه يجب أن تراعى قبل الحديث عن موضوع التسريبات".

ويشير الركابي إلى أن "التسريب مرفوض كونه ربما يعطي بعداً سياسياً وكأنه عملية تسقيط للشخص ولكتلة سياسية ولطبقة سياسية، لكن عند التأكد منها قضائياً وتطابق الصوت لأي طرف كان ولأي وقت وليس في هذه الحكومة فقط، حيث كانت هناك تسريبات لفترات سابقة، حينها يجب أن تأخذ الجهات والهيئات المعنية دورها في هذا الأمر".     

وكان ائتلاف النصر، بزعامة حيدر العبادي، كشف اليوم الاثنين، عن أهداف كشف بعض التسريبات الصوتية لبعض الشخصيات السياسية والحكومية.

وقال المتحدث باسم الائتلاف عقيل الرديني، في تصريح سابق لوكالة شفق نيوز، ان "ما يجري حالياً هو فعلاً حرب فهناك (حرب تسريبات) لبعض الشخصيات السياسية والحكومية، والموضوع حالياً تقف خلفه جهات داخلية، والهدف من ذلك هو تسقيط سياسي مقدمة للانتخابات المقبلة، كذلك ورقة ابتزاز سياسي لقضايا سياسية حول مكاسب وغيرها".

وأضاف الرديني أن "حرب التسريبات فيها عمل وتدخل خارجي لبعض الأجهزة المخابراتية وغيرها، وربما التسريبات التي تقف خلفها أجندة خارجية تستخدم خلال المرحلة المقبلة، وتكون هي أخطر من التسريبات الحالية، وتستخدم ضد الحكومة والعملية السياسية في العراق، خاصة وأن العراق مخترق بشكل كبير وخطير".