شفق نيوز/ الصواريخ التي اطلقتها ايران على مدينة اربيل ليل الاثنين على الثلاثاء الماضي، لم تصب عشر ضحايا مدنيين فحسب، وإنما أصابت مجدداً مصداقية طهران على المستويين الكوردي الخاص والعراقي والاقليمي، من خلال الترويج والدفع بروايات مضللة عن حقيقة ما جرى، عوضا عن إيراد الحقيقة والاعتذار من المواطنين الكورد والعراقيين عموماً.
"الهروب إلى الأمام"
وبرغم مرور أسبوع على الاعتداء الايراني المفاجئ، في توقيته وظروفه ومبرراته المساقة، إلا أن المسؤولين الإيرانيين لا يزالون على اصرارهم بأن الصواريخ البعيدة المدى التي اطلقوها على مناطق مدنية في اربيل، كانت تستهدف "مواقع للموساد"، وهي ذريعة لم تقدم حولها طهران الأدلة او الحجج، لا لحكومة كوردستان ولا للحكومة العراقية.
وتأتي سياسة "الهروب إلى الأمام" التي قام بها المسؤولون الإيرانيون حول الاعتداء على اربيل، بمثابة إقرار ضمني بعدم صحة مبرراته وبفشل العدوان الصاروخي نفسه، خصوصا انه تسبب في وقوع ضحايا مدنيين فقط بينهم رجل الأعمال بيشرو دزيي، فيما يقدم مشهد زوجته الممدة في المستشفى وقائع مدوية حول ما كان يجري في داخل منزلها لحظة هطول صواريخ الموت على أفراد العائلة وضيوفهم في تلك الليلة الحالكة السواد.
"لم يسلم منها الأعرجي"
مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي، سارع الى زيارة أربيل على رأس وفد أمني رفيع قادما من بغداد بعد ساعات من الاعتداء الصاروخي، حيث أكد أن ادعاءات استهداف مقر للموساد في أربيل "لا أساس لها من الصحة"، وهو بذلك عرى الرواية الإيرانية، وقوضها فعليا أمام الرأي العام الداخلي والخارجي.
لكن هذا الرد الرسمي على الرواية الإيرانية، دفع بأطراف مقربة من طهران ووسائل إعلام إيرانية الى شن حملة تشويش حول حقيقة الجريمة المرتكبة في اربيل، وانجرفت فورا في التضليل والتشويه المتعمد.
ويقول مراقبون إن هذا "الهروب" الايراني الى الامام، والمتمثل أولاً بمواقف وزارة الخارجية مثلا، وايضا وسائل الإعلام المعروفة بارتباطها بالحكومة او الحرس الثوري الايراني، لا يمكن تفسيره سوى من منظور المكابرة عند ارتكاب الاخطاء بدلا من الاعتراف بها، او من منظور ما قاله المتحدث باسم حكومة الإقليم پيشوا هورامي في بيان ورد لوكالة شفق نيوز بان "الحديث النبوي ( اخذته العزة بالاثم ) ينطبق تماما على مسؤولي ايران حيث يؤكدون على كلامهم غير الصحيح لا مبالين بالرأي العام العراقي والايراني والمنطقة والعالم"، مضيفا ان "ما فعله الحرس الثوري كان جريمة بحق المواطنين المدنيين في اقليم كوردستان وانتهاكا صارخا لسيادة العراق واقليم كوردستان ومبادئ الجيرة والأعراف الدولية والاتفاقات".
وبدلا من الإقرار بذلك "الانتهاك" لهذه السيادة ومبادئ الجيرة، فإن بعض الجهات العراقية التي تعتبر نفسها مناصرة لإيران، حاولت النيل من قاسم الاعرجي نفسه من خلال إيحاءات ليست ذات صلة بقضية الجريمة الصاروخية، وتتعلق بأصوله أو هويته، بدلا من الرد على خلاصته الجوهرية بأن "لا اساس للادعاءات" الايرانية المتعلقة بالمنزل المستهدف، والذي تبين انه يضم أطفالا ومدنيين.
مستشار الامن القومي العراقي: ادعاءات إيران باستهداف مقر للموساد في اربيل لا أساس لها من الصحة
"اللعب بالفوتوشوب".. والأهالي غاضبون
لكن هذا السلوك بحق شخصية بوزن الاعرجي وطبيعة دوره لمجرد انها نطقت بالوقائع، وذلك في إطار نية التشويه، لم يوفر صك براءة على ما يبدو للجهات التي أمرت ونفذت ضرب منازل المدنيين في اربيل، فلجأت الى وسيلة أكثر ابتذالا، كما يقول مراقبون، تمثلت في فبركة صور ومعلومات من خلال تقنية "الفوتوشوب" لتشويش صورة الضحية نفسه، أي بيشرو دزيي، من خلال صورة غير حقيقة تجمعه بحاخام يهودي، في محاولة للإيحاء بارتباطه بالموساد الإسرائيلي.
هذه المكابرة التي تثير استياء المواطنين العراقيين عموما والكورد خصوصا، ازاء ما وصفته حكومة الإقليم، بأنها "جريمة كبيرة"، اخرجت الاف المواطنين في الاقليم في تظاهرات احتجاج اليوم الاثنين، والخميس الماضي، تنديدا بالعدوان الايراني، بالاضافة الى ان مسؤولين عراقيين وكورد الغوا لقاءات كانت مقررة مع مسؤولين إيرانيين مثلما جرى في دافوس مع وزير الخارجية الايراني حسين امير عبداللهيان، في وقت تتزايد الدعوات لمقاطعة المنتجات الإيرانية بعد الدعوة التي وجهتها غرفة تجارة اربيل.
تخبط إيراني
وفي الوقت الذي يقول فيه مسؤولون ايرانيون انهم لن يتهاونوا في الدفاع عن أمنهم القومي بعد الهجوم التفجيري الذي وقع في مدينة كرمان في 3 كانون الثاني/ يناير الجاري وفق التسريبات التي جرت لوكالة أنباء عالمية، فإن المراقبين يتساءلون عن السبب الذي يجعل المسؤولين الايرانيين اولا يحددون ردهم على اسرائيل بشكل مباشر بدلا من اربيل، وثانيا عن السبب الذي جعل طهران تنتظر نحو اسبوعين بعد كرمان، وثالثا ان القنوات الامنية والعسكرية مفتوحة بسلاسة بين السلطات الايرانية وبين نظرائهم السياسيين والامنيين سواء في اربيل نفسها او بغداد، فلماذا لم تعمد طهران، كما يليق بالعلاقات الدبلوماسية و"الاخوية" بين "الجيران"، الى اعتمادها سواء لنقل المعلومات او للتدقيق مع الجهات العراقية والكوردية المهنية بطبيعة الاتهامات، بدلا من إطلاق سياسة استسهال "القصف الصاروخي".
مقصلة الرواتب
وتحذر مصادر سياسية في العراق والاقليم من أن أسوأ ما يجري فيما يتعلق بسياسة التشويه والتضليل الايراني ازاء "الجريمة الصاروخية"، ان نفس الجهات العراقية المحسوبة على "الجار" الايراني، تحركت بالاضافة الى "لعبة الفوتوشوب"، نحو ممارسة عمليات تضليل وابتزاز اخرى، من خلال التلويح بورقة أموال الرواتب المخصصة لموظفي الإقليم، والسعي لطرحها للنقاش والتضييق من داخل البرلمان الاتحادي، ما يعكس استخفافا اضافيا بحياة مواطني الاقليم وأرزاقهم.
ومن المفارقات المثيرة للسخرية، كما يقول مراقبون، ان العدوان الصاروخي على اربيل تلقفته بعض الجهات السياسية والإعلامية العراقية بتواطؤ معه، بينما لم يجد دولة أو جهة تؤيده في انحاء العالم كافة، وانما نال سلسلة طويلة من الإدانات والشجب من العواصم الإقليمية والدولية، باعتباره خروجا غير مبرر عن علاقات يفترض بها انها تستند على حسن الجيرة، فإذا بالسلوك الايراني يقول بانه يتعامل معها وكأنها بمثابة "فوتوشوب"، لا أكثر.
ليست المرة الأولى
في 8 يناير 2020، أسقطت إيران طائرة ركاب أوكرانية من طراز "بوينغ 737-800" كانت متجهة من طهران إلى كييف، مما أسفر عن مقتل جميع من كانوا على متنها البالغ عددهم 176 شخصًا، بينهم 82 كنديًا و63 إيرانيًا و11 أوكرانيًا.
وادعت إيران في البداية أن الطائرة أسقطت بصاروخ أرض-جو أطلقته القوات الأمريكية، لكنها اعترفت بعد ذلك بأنها أسقطتها عن طريق الخطأ.
وقد أثار إسقاط الطائرة الأوكرانية موجة من الغضب في العالم. فقد نددت العديد من الدول بالحادث، ووصفته بأنه "عمل إرهابي".
وقدمت إيران اعتذارًا رسميًا للعائلات المتضررة، كما أعلنت أنها ستتخذ إجراءات لمنع تكرار مثل هذا الحادث.
تحليل للأخطاء الإيرانية في هجماتها الصاروخية على أربيل:
عدم الدقة في تحديد الأهداف: أظهرت التحقيقات أن الصواريخ الإيرانية لم تستهدف "مقرًا للموساد الإسرائيلي"، بل سقطت في مناطق مدنية مأهولة بالسكان، ما أسفر عن وقوع ضحايا مدنيين.
ويشير هذا إلى أن إيران كانت تستهدف المدنيين بشكل مباشر أو غير مباشر.
انتهاك سيادة العراق: شنت إيران قصفها دون أي تنسيق مع الحكومة العراقية أو إقليم كوردستان، ما يعد انتهاكًا لسيادة العراق. وقد نددت الحكومة العراقية وإقليم كوردستان بالهجوم، ووصفاه بأنه "عدوان صريح".
ويمكن تفسير هذا السلوك الإيراني بعدة أسباب، منها:
الرغبة في إرهاب المدنيين: قد تكون إيران ترغب في إرهاب المدنيين وإرسال رسالة إلى العالم بأنها قادرة على ضرب أهداف في أي مكان في المنطقة.
الرد على الضغوط الدولية: قد تكون إيران تحاول الرد على الضغوط الدولية التي تتعرض لها بسبب برنامجها النووي وتدخلاتها في المنطقة.
السعي لإثبات القوة: قد تكون إيران تسعى لإثبات قوتها أمام خصومها، بما في ذلك إسرائيل والولايات المتحدة.