شفق نيوز/ لن ينسى العراق والعالم صيف عام 2014، لحظة إجتياح تنظيم داعش، مساحات واسعة من البلاد بعد دخوله محافظة نينوى والسيطرة عليها والانتشار السريع في بقية المناطق المحيطة، قبل أن تشن بغداد حملة مضادة بدعم من التحالف الدولي بقيادة أمريكا، استعادت خلالها أراضيها تدريجياً لغاية عام 2017.
وخلف التنظيم عشرات المقابر الجماعية في المناطق التي وقعت تحت سيطرته، حيث قام بتصفية الآلاف من خصومه ميدانيا ودفنهم في مقابر جماعية.
ووفق تقرير صادر عن بعثة الأمم المتحدة في العراق "يونامي" عام 2018، فإنها وثقّت وجود 202 موقع للمقابر الجماعية لضحايا "داعش" في محافظات نينوى وكركوك وصلاح الدين (شمالا) والأنبار (غربا).
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن عدد الضحايا في المقابر الجماعية يتراوح بين 6 و12 ألفا، إذ لا تزال السلطات المحلية العراقية تستخرج رفات الضحايا تدريجياً.
وأعلن العراق عام 2017 تحقيق النصر على داعش باستعادة كامل أراضيه، التي كانت تقدر بنحو ثلث مساحة البلاد اجتاحها التنظيم صيف 2014.
مقابر البكارة
يجلس حسين الجبوري امام قاعدة البكارة الجوية يومياً متحدثاً لابنائه الذين أخذهم تنظيم داعش وغيّبهم في مقابر جماعية، لغاية هذه الساعة عشرات الأُسر لا زال مصير ابنائهم مجهولاً.
ويقول الجبوري لوكالة شفق نيوز، إن "تنظيم داعش قبل أيام من دخول القوات الحكومية لتحرير قضاء الحويجة بدأ يشن حملات اعتقال عشوائية خاصة ضد الشباب والذين خالفوا نظامهم، حيث اعتقل ثلاثة من بنائي، وقد جاءت مجموعة مسلحة وأخذتهم من وسط منزلنا في وسط قضاء الحويجة (55 كم جنوب غربي كركوك)، ووصلنا خبر خلال ساعات بأن التنظيم إعدامهم رمياً بالرصاص ودفنهم مع مجموعة من الذين تم إعدامهم من معتقلي التنظيم".
ويضيف أن "سنوات مرت ولا نعرف متى يتم فتح هذه المقابر التي تضم أبناءنا و اولادنا؟، ونعرف اذا كانوا في هذه المقابر أم غيرها؟ وعلى الحكومة العراقية ان تنهي ملف المقابر الجماعية التي ارتكبها تنظيم داعش وقتل الاف الأبرياء".
وطالب الجبوري، الحكومة العراقية بـ"أن تنصف ضحايا ارهاب داعش من خلال مساعدة لجنة فتح المقابر في مؤسسة الشهداء لغرض فتح هذه المقابر، والكشف عن صفحة من الجرائم التي اقترفها داعش ضد المدنيين في الحويجة، وباقي المدن التي شهدت جرائم مماثلة".
ويقول الباحث والمختص بشؤون المقابر الجماعية سعدون عبد الجبار ، لوكالة شفق نيوز ، "لا يزال آلاف المدنيين من مكونات الشعب العراقي لا أحد يعرف مصيرهم مدفونين بمقابر جماعية رغم مرور أكثر من عشرين عاماً على سقوط نظام صدام حسين وحزبه الفاشي (حزب البعث)".
وأكد "تعرض الشعب العراقي لحروب وكوارث الحصار الاقتصادي، وغالب تلك الحروب نفذها صدام حسين وحزبه الفاشي، وترك مئات المقابر الجماعية ضد ابناء الشعب عربا وكورداً وتركماناً، وسلسلة الجرائم لم تتوقف مع سقوط نظام صدام، ودخول القوات الامريكية الى العراق".
وتابع عبد الجبار: "تغيرت عناوين المقابر الى التفجيرات الدامية بسيارات مفخخة وانتحاريين وغيرها من صور العنف الذي حصد ما يقارب من مليون عراقي، ومع طي ملف القوات الامريكية كانت التنظيمات الارهابية تتوحد ليظهر لنا اعتى تنظيم ارهابي عرف في العصر الحديث داعش ليكمل ما بدأه صدام حسين و جلادوه في قتل عشرات المدنيين ودفنهم بمقابر جماعية، وكانت حصة كركوك منها اربعة مقابر جماعية وتقع جميعها في قضاء الحويجة".
ويشير إلى أنه "لعل أكبر المقابر الجماعية تقع في قاعدة البكارة الجوية، وهي القاعدة التي تقع قرب قضاء الحويجة (55 كم جنوب غربي كركوك)، حيث كانت قبل 2003 مطاراً عسكرياً، وبعد دخول القوات الامريكية اتخذته مقراً لقواتها وهي قاعدة ارتكاز مهمة للقوات آنذاك، واعتقلت فيه العشرات من اهالي الحويجة".
ويمضي إنه "بعد خروج القوات الامريكية عام 2012 تحوّلت لقاعدة عسكرية للقوات العراقية وفي العام 2014، ودخول تنظيم داعش وسيطرته على قضاء الحويجة - التي تبعد مسافة (55 كم جنوب غربي كركوك )، في يونيو/حزيران 2014 لتصبح البكارة أهم وأكبر معاقل داعش في مناطق جنوب غربي كركوك وأعدم داعش فيها العشرات".
400 مغدور
وأعلنت السلطات المحلية في كركوك العثور، عن مقابر جماعية تضم نحو 400 جثة لأشخاص قتلوا على يد تنظيم داعش قرب قضاء الحويجة.
وفي الشهر الماضي استعادت القوات العراقية والحشد الشعبي السيطرة على الحويجة الواقعة الى الجنوب الغربي من مدينة كركوك.
وقال محافظ كركوك وكالة راكان الجبوري، في تصريح سابق إن داعش حول قاعدة البكارة الجوية إلى موقع لتنفيذ الإعدامات.
وأضاف راكان "أنظروا لبشاعة الإرهاب الذى أعدم ما لا يقل عن 400 مغدور بينهم ببدلات الإعدام الحمراء، وآخرون بزي مدني".
وتقع قاعدة البكارة على بعد ثلاثة كيلومترات جنوب غرب الحويجة، وكانت مقرا للقوات الامريكية طيلة السنوات التي اعقبت سقوط النظام السابق عام 2003، ويُعتقد أن قاعدة البكارة تضم خمس مقابر جماعية لمعتقلين كانوا لدى داعش.
داعش وإعدامات الحويجة
ويقول معاون مدير مفوضية حقوق الانسان مجيب عبدالله، لوكالة شفق نيوز، إن " المقابر الجماعية في قضاء الحويجة عثر عليها عام 2017، حيث نفذ داعش إعدامات جماعية، وقام بدفنهم في مقابر جماعية، وأجرينا كشفاً أولياً في ذات العام الذي أُكتشفت فيه هذه المقابر".
وتابع أن " لا نعلم إعداد المدفونين في المقابر الجماعية الأربع لأنها متداخلة مع بعضها، والفريق كشف عن المقابر الجماعية في (البكارة، وغابات البعير، والمصنعة، وقرية الصيادة)، ويحتاج هذا الفريق لدعم حكومي لغرض أن ينجز مهام عملهم بصورة دقيقة، ويكشف اسماء الذين أعدمهم داعش ودفنهم في هذه المقابر".
وكانت دائرة شؤون المقابر الجماعية في مؤسسة الشهداء أجري كشفاً فنياً اولياً على عدد من المقابر في محافظة كركوك بإشراف مباشر من قبل رئيس مؤسسة الشهداء عبد الإله النائلي وتنفيذاً للمهام الموكلة للدائرة، بموجب أحكام قانون شؤون وحماية المقابر الجماعية رقم 13 لسنة 2015 حيث قامت كوادر الدائرة بإجراء الكشف الفني الأولي لعدد من المقابر الجماعية المكتشفة حديثاً في محافظة كركوك، فقد تم اجراء الكشف عن أربع منها هي:
1_ مقبرة قاعدة البكارة.
2_ مقبرة غابات البعير.
3_ مقبرة قرية المصنعة.
4_ مقبرة قرية الصيادة.
كما زار فريق الكشف الموقع الاول لمقبر ة "غابات البعير" وأعاد تقييمها، وأن جميع أعمال الكشف والتوثيق هذه تمت برفقة وحماية القوات الامنية الماسكة للأرض.
كما سيتم إدخال المقابر أعلاها والخاضعة لقانون شؤون وحماية المقابر الجماعية في قاعدة بيانات الدائرة لغرض إدراجها ضمن الخطط السنوية للفتح والتنقيب وتحديد هوية الضحايا.