شفق نيوز/ عدّد "معهد المجلس الأطلسي" الأمريكي المحطات التي تبلور خلالها مفهوم "أمن الخليج" خلال العقود الماضية، من جانب الإدارات الأمريكية المتعاقبة، والذي تأثر بشكل خاص بحروب العراق وأزماته، لكنه دعا واشنطن الى التوقف عن التعامل مع الشركاء الخليجيين كـ"شرطي" والانخراط معهم بدور الشراكة الامنية الحقيقية.
وبداية، ذكر التقرير الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، بالزيارة الاخيرة لوزير الخارجية الامريكي انتوني بلينكن الى الرياض حيث اجتمع مع نظرائه في مجلس التعاون الخليجي، وتحدث عن مدى استثمار الولايات المتحدة في الشراكة مع دول الخليج من أجل بناء مستقبل للمنطقة اكثر اشراقا.
"شرطي الخليج"
لكن التقرير الامريكي اعتبر انه في اطار السعي لتحقيق مثل هذا المستقبل، فإنه يجب على الولايات المتحدة ان تساعد دول التعاون الخليجي بأمن الخليج على انهم شركاء حقيقيون، وليس كشرطي الحي.
واشار التقرير الى ان مفهوم امن الخليج كان دائما في قمة اهتمامات الذين استطونوا شواطئ الخليج، مذكرا بكتابات المؤرخين حول رغبات القياصرة الروس في التوغل جنوبا نحو الخليج، كما يتبين من موقف بطرس الاكبر في العام 1725، عندما نصح ابنائه "بالاقتراب قدر الامكان من القسطنطينية والهند، حيث ان من يحكم هناك سيكون صاحب السيادة الحقيقي للعالم. وبالتالي، اثارة الحروب المستمرة، ليس فقط في تركيا ولكن في بلاد فارس. اخترقوا حتى الخليج وتقدموا وصولا الى الهند".
"عقيدة كارتر"
وتابع التقرير انه فيما يتعلق بـ"عقيدة كارتر" التي تناولها الرئيس الامريكي السابق جيمي كارتر في خطاب حالة الاتحاد في كانون الثاني/ يناير العام 1980، فإنها تلزم الولايات المتحدة باستخدام القوة العسكرية في حال تطلب الامر، بهدف الدفاع عن مصالحها الوطنية في الخليج.
واضاف التقرير ان هذا المبدأ كان بمثابة رد مباشر على دخول الاتحاد السوفيتي الى افغانستان في العام الذي سبق ذلك.
وبحسب التقرير فإن اجيالا من المفكرين الاستراتيجيين الامريكيين تحدثت عن معارضة الولايات المتحدة للتهديدات التي تثيرها اي دولة بهدف السيطرة على المياه او المجال الجوي للخليج وبحر العرب، حيث ركز هؤلاء المفكرون على ما يمكن ان يعرقل العلاقات السلمية التي تتمتع بها الولايات المتحدة وحلفاؤها مع دول الخليج التي لديها موارد طاقة المهمة للاقتصاد العالمي.
حروب الخليج
لكن التقرير لفت الى انه خلال اكثر من 40 عاما، فإن العديد من الحقائق قد تبدلت، حيث ان واردات الولايات المتحدة من امدادات الطاقة الخليجية، تراجعت، بل ان صادرات الولايات المتحدة الى المنطقة توسعت عدة مرات، كما ان القوى والظروف التي من الممكن ان تثير تهديدا للتجارة الامريكية والعلاقات الاخرى مع الخليج، اصبحت الان من داخل المنطقة، ففي الثمانينيات واوائل التسعينيات من القرن الماضي، كان هناك الحرب العراقية - الايرانية ثم الغزو العراقي للكويت، وفي المرحلة الاخيرة كان الخطر من الجماعات الارهابية، ومن جانب ايران.
وبالاضافة الى ذلك، قال التقرير ان الدول التي للولايات المتحدة علاقات ودية معها، لا تعتمد على واشنطن من اجل القيام بمهمة حماية امن الخليج نيابة عنها، حيث ان هذه الدول تريد ان تكون واشنطن الشريك الموثوق في دعم جهودها في اطار الدفاع الفردي والجماعي.
وتابع التقرير ان هذا ايضا يمثل هدف الولايات المتحدة.
واوضح التقرير انه من خلال الدبلوماسية ومن خلال التعاون مع القطاع الخاص الامريكي، فقد تم ربط الجيوش الخليجية بالمصادر العسكرية مع الشركات الامريكية ومن خلال التدريبات المشتركة التي تجريها القيادة المركزية الامريكية.
واشار التقرير الى ان ذلك ملائم لما تحتاجه الدول العربية هذه في المنطقة، ويتلاءم ايضا مع ما يمكن ان يقبل به النظام السياسي الامريكي.
الهجمات الايرانية
وذكّر التقرير بمرحلة الهجمات الايرانية على الناقلات والسفن التجارية في السنوات الاخيرة من الحرب الايرانية العراقية حيث عقد اجتماع في واشنطن اوائل العام 1987 للتشاور حول هذه التطورات في وزارة الخارجية الامريكية، حيث كانت الحكومة الكويتية قد طلبت رسميا من الولايات المتحدة رفع اعلامها على ناقلات النفط الكويتية من اجل تأمين الحماية من السفن البحرية الامريكية، لكن الكويت ارادت تجنب اي تحالف عسكري علني مع الولايات المتحدة، وهي على سبيل المثال لم تظهر ترحيبا حتى بزيارات السفن البحرية الامريكية.
ولفت التقرير انه لم يكن لدى الولايات المتحدة وقتها سوى مجموعة صغيرة من السفن العسكرية في الخليج، وكان الموقف الامريكي هو رفض الطلب الكويتي، لكن الكويتيين انتقلوا بطلبهم هذا الى الاتحاد السوفيتي.
حماية التجارة البحرية
وبعدما اشار التقرير الى ان البيت الابيض وكبار السياسيين الامريكيين كانوا وقتها ما زالوا غير راغبين في تقديم التزام كبير لحماية الشحن البحري في الخليج، لكن الرئيس الامريكي وقتها رونالد ريغان خلص الى انه لا يرغب باتاحة فرصة امام الاتحاد السوفيتي ليأتي بقوته العسكرية الى الخليج، ولهذا ومن بين اسباب اخرى، ولدت عملية "ايرنست ويل" العسكرية لحماية السفن في الخليج.
الى ذلك، ذكر التقرير انه في العام 1986، كانت زيارات السفن الحربية الامريكية محددة بأربع زيارات فقط سنويا، والعلاقات العسكرية محدودة للغاية مع دولة الامارات العربية المتحدة، لكن بحلول العام 1989، ازداد عدد الزيارات السنوية بدرجة كبيرة بما في ذلك تسهيلات التزود بالوقود واجراء اصلاحات للسفن في ميناء جبل علي الكبير، وكذلك في الموانئ من ابو ظبي وصولا الى مدينة الفجيرة، كما ان الولايات المتحدة كانت في طريقها ايضا لتتحول الى مورد رئيسي للطائرات العسكرية الى الامارات.
غزو الكويت
وبالنظر الى ان الولايات المتحدة استجابت لدول مجلس التعاون الخليجي في وقت الحاجة، اي خلال "حرب الناقلات"، فقد اصبح هناك شراكة استراتيجية وتحولت الى اساس للتعاون للتصدي لاحقا للاحتلال العسكري العراقي للكويت في العام 1990.
واعتبر التقرير ان نجاح عملية تحرير الكويت من خلال "عاصفة الصحراء"، منح المصداقية السياسية للولايات المتحدة لكي تجلب دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية الاخرى الى مؤتمر مدريد للسلام بين اسرائيل والدول العربية والذي تتابع لاحقا وصولا الى مرحلة اتفاقات ابراهام.
تحالفات خادعة
وفي حين اشار التقرير الى انه مع استمرار ادارة جو بايدن في لعب هذا الدور الوسيط، فإن الادارة والكونغرس سيجدان ان الدول العربية في مجلس التعاون الخليجي تريد القيام بدورها عندما يتعلق الامر بامن الخليج.
واوضح ان دول التعاون الخليجي لا تتوقع ان تكون الولايات المتحدة الشرطي في منطقتهم، وهي الى جانب القادة العرب والعالميين الرئيسيين غيرهم، سيظهرون الترحيب بالولايات المتحدة كشريك في التعامل مع المصالح الاستراتيجية المشتركة.
وختم التقرير بالقول ان التحالفات الدفاعية كانت دائما خادعة على مر التاريخ، وتتطلب مهارة وتصحيحات في منتصف مسارها، مضيفا انه في ظل استمرار الولايات المتحدة في العمل مع الخليج بشأن الامن، فإن هناك اشارات مفاجئة، مثل قرار انسحاب الامارات من العمل ضمن تحالف القوات البحرية المشتركة الذي تقوده الولايات المتحدة.
وخلص التقرير الى القول انه في حال اظهرت الولايات المتحدة استعدادها للعمل سوية مع دول الخليج، فسيكون بمقدور واشنطن عندها اعادة هذه الشراكة الى مسارها.