شفق نيوز/ دعا معهد "كوينزي" الأمريكي، البيت الأبيض إلى التعامل مع العراق كدولة مستقلة وليس فقط من منظور المواجهة مع "إيران العام 1979"، مؤكداً على أن العراقيين يمثلون "الديمقراطية الحقيقية الوحيدة في العالم العربي"، وعلى واشنطن التوقف عن التعامل معهم بعقلية "استعمارية".
وتحت عنوان "هل تستطيع الولايات المتحدة والعراق تجاوز العلاقات العسكرية؟"، ذكرّ المعهد الأمريكي، في تقرير ترجمته وكالة شفق نيوز، بزيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى واشنطن، والغزو الأمريكي قبل 21 عاماً، وإقامة واشنطن سلطة في العراق فشلت في استعادة النظام وساهمت في إثارة التمرد بعدما جرى حلّ الجيش العراقي بأكمله وتسريح موظفي الخدمة المدنية الأكثر خبرة.
المعركة الخاسرة
كما أشار التقرير إلى "المعركة الخاسرة" التي خاضتها قوات التحالف وصولاً إلى العام 2007، إلى أن جرى تطبيق خطة زيادة القوات، ثم الانسحاب العام 2011، وعودة الجنود الأمريكيين في العام 2014 لمحاربة تنظيم داعش، حيث ما تزال هذه القوات في العراق، بينما قام العراق وقوات التحالف الدولي بتغيير مهمة القوات من قتالية إلى استشارية وتدريبية.
وتساءل التقرير عما إذا كانت اللجنة العسكرية العليا بين الولايات المتحدة والعراق فيما تقوم بعملية مراجعة قضية وجود القوات الأمريكية، فإن الجانب الأمريكي قد يتوقف خشية من اضطراره إلى الموافقة على وجود عسكري أصغر وعمليات خاضعة للقيود.
ولم يستبعد المعهد الأمريكي ذلك، لكنه قال إن السوداني قد يرغب في الحصول على التزام علني من بايدن يؤكد على استمرار هذا التوجه من خلال قرار بناء ووفق توقيت ملائم.
إلا أن التقرير أشار إلى أنه بغض النظر عن قضية الوجود العسكري الأمريكي، فإن السوداني يريد تعزيز علاقات بغداد مع واشنطن، التي يعتبرها العلاقة الثنائية الأهم بالنسبة إلى العراق، إلى جانب إضافة أبعاد اقتصادية لعلاقات العراق مع الولايات المتحدة.
العلاقات الاقتصادية
وبعدما لفت التقرير إلى أنه برغم اهتمام الأمريكيين بالعراق من خلال النفط، إلا أنه ذكرّ بأن شركة "إكسون موبيل" النفطية الأمريكية الكبرى، خرجت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 من العراق دون أن تحقق مكساب تذكر لجهودها التي استمرت نحو عقد من الزمن، مضيفاً أنه من شأن هذه المغادرة أن تقلل من توقعات الشركات الأمريكية الأخرى، إلا أن السوداني يريد مع ذلك أن ينشط العلاقات الاقتصادية، حيث أن العديد من كبار رجال الأعمال يرافقونه في زيارته الأمريكية.
وتابع التقرير أن التجارة بين الولايات المتحدة والعراق قابلة للتطور، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة صدرت للعراق في العام 2022، سلعاً بقيمة 897 مليون دولار، وكان المنتج الأول هو السيارات، في حين أن العراق صدر بضائع بقيمة 10.3 مليارات دولار، غالبيتها من النفط.
ولفت التقرير إلى أن "طريق التنمية" يمثل أحد الأهداف الاقتصادية الرئيسية للعراق والذي يفترض أن يربط الخليج بأوروبا عبر تركيا، على أن يضم مناطق للتجارة الحرة على طول الطريق.
ولهذا، قال التقرير إنه يتحتم على بايدن والسوداني أن يفكرا في شكل العلاقة مستقبلاً بين الولايات المتحدة والعراق، والتي أصبحت محكومة حتى الآن بالاعتبارات العسكرية، مضيفاً أن المشكلة من خلال فكرة التدخل العسكري، أنها تجعل الطرف يعتقد أنه قادر على الحل، كما تجعله يشعر أنه بمثابة المالك للأرض الأجنبية.
ولذلك، قال التقرير إن "العراق هو الديمقراطية الحقيقية الوحيدة في العالم العربي، والعديد من الشباب العراقيين يريدون أن يتم فصل الدين عن الدولة، وهو الأمر الذي ينبغي أن يتردد صداه لدى الأمريكيين، حيث يأمل العراقيون، أن يدفع ذلك الولايات المتحدة إلى التعامل مع العراق باعتباره العراق، وليس ساحة للعمليات ضد سوريا وإيران".
اغتيال المهندس
ورأى التقرير أن الولايات المتحدة ألحقت بنفسها الضرر من خلال اغتيال نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس في كانون الثاني/ يناير 2020، مذكرّاً بأن بغداد كانت نقلت قوات الحشد الشعبي، إلى داخل الحكومة في العام 2016، وذلك بتشجيع أمريكي بلا شك، وبالتالي فإن اغتيال المهندس، الذي كان بذلك مسؤولاً في الحكومة، أدى إلى زيادة التأييد الشعبي لقوات الحشد.
إلى ذلك، ذكر التقرير أن هناك بعض الغيوم التي تلوح في الأفق بالنسبة للعراق والولايات المتحدة، من بينها قضية الفساد التي أدى تفشيها إلى تباطؤ التنمية الاقتصادية وإخضاع المواطنين العراقيين لحكم غير فعال، لافتاً إلى ان منظمة الشفافية الدولية صنفت العراق خلال العام 2023 في المرتبة 154 من 180 دولة وهو تحسن طفيف مقارنة بالعام 2022 عندما احتل المرتبة 157 من 180.
لكن التقرير قال إن السوداني لم يتجاهل قضية الفساد، وهو وصفها بأنها أحد أكبر التحديات التي تواجه البلد و"لا تقل خطورة عن تهديد الإرهاب".
اليزابيث تسوركوف
ومن بين القضايا الأخرى أيضاً، قضية الإسرائيلية اليزابيث تسوركوف التي يُعتقد أن كتائب حزب الله هي التي خطفتها منذ أكثر من عام، حيث تريد عائلتها من إدارة بايدن أن تصنف العراق كدولة راعية للإرهاب لفشلها في تأمين إطلاق سراحها.
وتابع التقرير أن مكتب رئاسة الوزراء أكد على وجود تحقيق في قضيتها، إلا أن المشكلة قد تظهر عندما يلتقي السوداني مع بايدن، على الرغم من أن النتيجة الأفضل للعراق والولايات المتحدة قد تكون من خلال التوصل إلى اتفاق بوساطة روسية بين إسرائيل وإيران.
الدور الصيني
وحذر التقرير من أنه في حال قام بايدن بتصنيف العراق كدولة راعية للإرهاب، فإن ذلك سيلحق الضرر بالعلاقة بشكل غير قابل للإصلاح، ويفتح الباب أمام الصين.
وعلى الرغم من أن التقرير قال إن الولايات المتحدة تمثل العلاقة الأولى أهمية للعراق، إلا أنها ليست العلاقة الوحيدة، مضيفاً أن نبذ واشنطن لبغداد، سترد عليه الصين من خلال توجيه الدعوات إلى منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة "بريكس"، والتي بإمكانها تمويل مشاريع البنية التحتية من خلال "بنك التنمية الجديد".
وذكرّ التقرير بأن شركة "بتروتشاينا" الصينية هي التي حلّت مكان شركة "إكسون موبيل" في حقل غرب القرنة 1، وهو أحد أكبر حقول النفط في العراق، في حين أن أمامها الفرصة المناسبة للقيام بالمزيد من التوسع، مشيراً إلى أن العراق كان "المستفيد الرئيسي" من استثمارات "مبادرة الحزام والطريق" الصينية في العام 2021.
وفي حين ذكرّ التقرير بموقف السوداني بأنه يرفض أن يكون العراق ساحة للصراع بين الولايات المتحدة وإيران، إلا أن التقرير قال إنه عندما يتعلق الأمر بإيران، فإن المسألة في واشنطن هي دائماً النظرة التي تعود للعام 1979، عندما اندلعت الثورة الإسلامية الإيرانية وجرى اقتحام السفارة الأمريكية واحتجاز العاملين فيها.
وختم التقرير بالقول إنه برغم أن السوداني لديه العديد من التحديات التي يجب عليه التعامل معها، إلا أن بايدن لديه تحديات أكثر، إذاً يجب عليه أن يعيد توجيه إدارته بعيداً عن "عقليتها الاستعمارية" في غرب آسيا، ويتحتم عليه أن يدرك أن بغداد يجب عليها أن تتوصل إلى تسوية مؤقتة مع طهران، قد لا تكون في صالح واشنطن، لكنها لا تمهد الطريق أيضاً أمام اختراق بكين الأكبر لغرب آسيا.
ترجمة وكالة شفق نيوز