شفق نيوز/ رصد "معهد كوينزي" الأمريكي للأبحاث ملامح تشكل العالم الجديد المتعدد الأقطاب الذي يأخذ مكان النظام الأحادي بقيادة الولايات المتحدة، والكيفية التي تتحرك فيها الصين وروسيا، لاستقطاب زعماء دول غربية من دول العالم النامي، لتغيير النظام القائم حاليا.
وبداية، أشار التقرير الذي ترجمته وكالة شفق نيوز؛ الى انشغال كل من بكين وموسكو بشكل كبير مؤخرا، حيث ان الزعيمين الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جين بينغ كانوا يستقبلون قادة من فرنسا والبرازيل بالاضافة الى زعماء وممثلين عن أكثر من 40 دولة افريقية، بالإضافة إلى دورهما في رعاية او استضافة مفاوضات بين السعودية وإيران وبين الرياض ودمشق.
ولفت التقرير إلى "وتيرة نشاط دبلوماسي غير عادية" بالنسبة الى جدول اعمال الصين، وهي تشير إلى عالم جديد متعدد الأقطاب يسعى ليحل مكان النظام الأحادي بقيادة الولايات المتحدة، مضيفا أن المسؤولين الروس والصينيين، بما في ذلك بوتين وشي جين بينغ، يكررون عند كل فرصة بان شراكتهما الاستراتيجية ورؤيتهما لا تشكل تكتلا أو تحالفا ضد دول اخرى، موضحا أن الدعوة هي من أجل "التعددية القطبية" والعمل بما يقود الى الاطاحة بهيمنة الدولار الأمريكي.
وتابع التقرير؛ أن هذه الفكرة كانت عنوان مؤتمر أقيم مؤخرا في موسكو تحت عنوان "روسيا وأفريقيا في عالم متعدد الأقطاب"، بمشاركة حوالي 40 دولة، بما في ذلك الكونغو وبنين وبوركينا فاسو وغينيا وغينيا بيساو وزيمبابوي ومالي، بالإضافة الى جنوب افريقيا التي هي إلى جانب الصين وروسيا، في عضوية منظمة "بريكس"، واستجابت كلها لدعوة بوتين من أجل عالم متعدد الأقطاب.
وأضاف التقرير أنه فيما كانت روسيا تستضيف ممثلين عن أفريقيا، كان بوتين يجتمع في اليوم نفسه مع الرئيس الصيني شي جين بينغ في موسكو. ولفت إلى أن بوتين وجه تحية للزعيم الصيني في 20 آذار / مارس، عندما اشار الى ان التجارة بين الصين وروسيا ارتفعت الى 185 مليار دولار سنويا. كما كتب الرئيس الصيني مقالة في صحيفة "الشعب" الصينية، قال فيها ان "نسبة التسويات بالعملات الوطنية" في كل تلك التجارة "تتزايد".
كما كتب بوتين، التي تخضع بلاده لعقوبات اقتصادية عالمية بسبب غزو اوكرانيا، ان موسكو وبكين تدعوان الى "صياغة عالم متعدد الأقطاب أكثر عدالة" عبر تعزيز "الهياكل الديمقراطية المتعددة الأطراف مثل منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة بريكس".
في مقال مواز كتبه الزعيم الصيني ونشرته وسائل الإعلام الروسية، دعا شي ايضا الى فكرة عالم متعدد الأقطاب، حيث "لا يتسيد اي بلد على الاخرين، ولا يفترض باي بلد ان يتحكم بالنظام الدولي وحده".
كما تحدث الرئيس بوتين مجددا عن ضرورة تخطي عملة الدولار كخطوة نحو تحقيق هذه الأهداف، قائلا أن "نسبة الروبل واليوان في المعاملات التجارية المتبادلة وصلت الى 65 % ولا تزال تتزايد، مما يسمح لنا بحماية التجارة المتبادلة من أن تتأثر بالدول الثالثة".
وذكّر التقرير بأنه بعد ذلك بثلاثة أسابيع، قام الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بزيارة بكين لكي يجري محادثات مع الزعيم الصيني، وهي محادثات أظهرت نفس نمط الأفكار حيث قال شي إن أوروبا هي "قطب مستقل في عالم متعدد الأقطاب".
واعتبر التقرير أنه ليس من المستغرب أن يدلي الرئيس الصيني بمثل هذه التصريحات، إلا أن الأمر المثير للاستغراب هو ان يوقع حليف أوروبي كبير لأمريكا وحلف الناتو، عليه. وبحسب البيان المشترك الصادر عن شي وماكرون، فيؤكد على أنهما "يسعيان الى تعزيز النظام الدولي متعدد الأطراف تحت راية الأمم المتحدة في عالم متعدد الأقطاب".
وذكّر التقرير؛ بأن ماكرون أعاد التأكيد على هذه النقطة في مقابلة على متن طائرته عائداً من الصين، حيث قال ان على اوروبا العمل على تحقيق "الاستقلالية الاستراتيجية" وان تصبح "القوة العظمى الثالثة"، داعيا أوروبا الى التحول لتكون قوة عالمية مستقلة وليس شريكا صغيرا في عالم تقوده الولايات المتحدة بشكل أحادي، بل لتكون أوروبا "القطب الثالث".
ولفت التقرير الى اهمية ان ماكرون جاء الى الصين برفقة نحو 50 من مدراء الشركات الفرنسية، بما في ذلك الرئيس التنفيذي لشركة "ايرباص" (التي باعت 160 طائرة لشركة صينية)، بالاضافة الى مدراء شركة الكهرباء الفرنسية "إي دي إف" ، مضيفا ان الأكثر اهمية من ذلك أن ماكرون صادق على مواقف شي وبوتين، من خلال دعوته أوروبا إلى تقليص اعتمادها على "النفوذ الخارجي للدولار الأمريكي".
وبالاضافة الى ذلك، فان الرئيس البرازيلي لويز لولا دا سيلفا جاء الى الصين بعد أسبوع من زيارة ماكرون، وقام، مثلما فعل الرئيس الفرنسي، باصطحاب مجموعة كبيرة من رجال الأعمال، ضمت 240 ممثلا عن الشركات البرازيلية، وأبرم مع الرئيس الصيني العديد من الاتفاقيات المتعلقة بالتجارة والاستثمار.
وخلال زيارة الرئيس البرازيلي ايضا، ظهرت فكرة العالم المتعدد الأقطاب مجددا، حيث صرح شي ان "الصين والبرازيل تعتزمان ممارسة التعددية الحقيقية والعمل من اجل نظام حوكمة دولي أكثر عدالة وانصافا"، فيما قال الرئيس لولا أن "الطرفين يدعمان التعددية" متعهدا بأن البرازيل ستعمل مع الصين بهدف "تعزيز التنسيق الاستراتيجي من خلال بريكس والمؤسسات الاخرى المتعددة الأطراف".
وتابع التقرير الى تبني الرئيس لولا فكرة الصين وروسيا وفرنسا حول ربط التجارة بالتعددية القطبية والتحرر من احتكار الدولار الأمريكي، حيث تساءل قائلا "لماذا يجب أن يكون كل بلد مقيدا بالدولار في التجارة؟ ومن قرر أن يكون الدولار هو العملة (العالمية)؟".
وبعدما ذكر التقرير بأن البرازيل والصين اتفقتا في آذار/ مارس، على اعتماد بنك واحد لإجراء عمليات التجارة الثنائية بعملتي الريال البرازيلي واليوان الصيني، قال إن الرئيس البرازيلي كان حادا بانتقاداته ضد صندوق النقد الدولي حيث اتهمه ب "خنق اقتصادات الدول، كما يحدث حاليا في الأرجنتين، أو كما فعل بحق البرازيل لفترة طويلة، ومع كل دول العالم الثالث". وتناول الرئيس البرازيلي بديلا متمثلا بهيئات متعددة الأقطاب مثل "بريكس"، متسائلا الرئيس لولا "لماذا لا يمكن لبنك مثل بنك بريكس أن يمتلك عملة لتمويل التجارة بين دول بريكس؟".
وختم التقرير بالقول إن حملة النشاط الدبلوماسي الاخيرة في بكين وموسكو، تشير الى ان الصين وروسيا تعملان على تشجيع تعزيز عدد كبير من الأقطاب في آسيا واوراسيا واوروبا وامريكا اللاتينية وافريقيا، موضحا أن ذلك كان ظاهرا في مضمون المحادثات التي جرت والتي تدعم فكرة القوى المتعددة الأقطاب والتغلب على هيمنة الدولار.
ترجمة: وكالة شفق نيوز