شفق نيوز/ اعتبر "المركز العربي في واشنطن" الامريكي للابحاث ان تنظيم العراق لبطولة "خليجي 25"، تعكس تحولا في العلاقات والمصالحات الخليجية والعراقية، وانتقال الروابط الخليجية مع بغداد الى مرحلة جديدة، داعيا في هذا الاطار الى تعزيز الانخراط غير المسيس بين الطرفين على الصعد الرياضية والاجتماعية والاجتماعية عامة.
وبداية، لفت التقرير الأمريكي الذي ترجمته وكالة شفق نيوز؛ الى ان استضافة العراق للبطولة الخليجية، تعكس تحديا عراقيا لسمعته والمصاعب التي يواجهها، في سعيه من أجل نزع الصبغة السياسية عن صورته الاقليمية، من خلال اللجوء الى كرة القدم، حيث كانت المرة الاخيرة التي يستضيف فيها العراق هذه البطولة في العام 1979.
وذكر التقرير بابعاد العراق من البطولة عندما غزا صدام حسين الكويت العام 1990، لم يتسنى للعراق المشاركة سوى في بطولة العام 2004 التي التي استضافتها قطر، مشيرا إلى أنه منذ بداية تنظيم البطولة في العام 1970، كانت المشكلات السياسية هي التي تؤثر في غالب الأحيان على اتخاذ خطوات مفاجئة في مكان استضافتها او تاريخ تنظيمها، مثلما جرى خلال الازمة الخليجية بين قطر مع كل من السعودية والبحرين والإمارات ومصر في العام 2017 حيث جرى نقل البطولة من قطر الى الكويت ك"أرض محايدة".
كما ذكر التقرير بأن اتحادات كرة القدم في دول مجلس التعاون الخليجي سبق لها ان بررت رفضها تنظيم البطولة في العراق بالاشارة الى مخاوف امنية وعدم قدرة العراقيين على تولي الاستضافة، بما في ذلك محدودية أماكن اقامة الضيوف والبنى التحتية للملاعب، ولهذا كانت وسائل الاعلام والحكومة في العراق يرفضون هذا المنطق ويتهمون الاتحادات الكروية في الخليج، بتسييس البطولة الرياضية.
والان، يلفت التقرير إلى أن العلاقات الخليجية-العراقية شهدت خلال السنوات الماضية، تطورات ايجابية واضحة، على الصعد الاقتصادية والثقافية والانسانية، متجاوزة الاختلافات السياسية الماضية، مضيفا انه رغم ذلك، فإن الانخراط المجتمعي بين العراق ودول المجلس الخليجي، لم ترجع الى مستويات ما قبل العام 1990، وذلك عندما كان مواطنو دول الخليج يسافرون الى العراق من أجل السياحة او العمل.
وبحسب التقرير، فان دول الخليج،عمدت منذ العام 1991 الى ضبط سياساتها الخارجية من خلال السعي للحفاظ على الأمن والاستقرار في الشرق الاوسط وشمال افريقيا، اقله الى ان تدخلت السعودية عسكريا في اليمن في العام 2015، ثم الازمة الخليجية مع قطر 2017.
وفي هذا الإطار، اعتبر التقرير انه "من غير الممكن فهم استضافة العراق للنسخة الجديدة من كأس الخليج، من دون النظر إلى الآثار الايجابية للمصالحات السياسية والدبلوماسية خلال السنوات الاخيرة"، موضحا أن العلاقات لم تعد تقتصر على المنتديات الرفيعة أو مؤتمرات المانحين الدولية او اتفاقيات التفاهم والصفقات التجارية، مشيرا الى ان الاطراف المعنية بلغت مرحلة تعتقد فيها الحكومات والاتحادات الكروية أن الانخراط المجتمعي بين العراق والخليج، لم يعد بحاجة الى تحديده عبر الأطر السياسية والعلاقات المسيسة.
تحديد العلاقات من خلال كأس الخليج
واشار التقرير الى ان الاطاحة بنظام صدام حسين في العام 2003، طرحت فرصة من اجل اعادة بناء العلاقات العراقية -الخليجية، إلا أن هشاشة العلاقات السعودية -العراقية خلال رئاسة نوري المالكي للحكومة بين عامي 2006 و2014، وتوسع النفوذ الاقليمي لايران، بالاضافة الى العديد من من الاحداث الاخرى، أدت جميعها الى الحد من تطور العلاقات العراقية- الخليجية.
واوضح التقرير؛ ان السلطات العراقية تواصلت في العام 2008 مع الاتحادات الكروية في الخليج طالبة استضافة البطولة، مشيرا الى ان العراق كان قريبا جدا من هذه الاستضافة في عامي 2013 و2014، إلا أنه برغم ذلك جرى نقل بطولة العام 2013 الى البحرين، اما بطولة 2014 فقد نقلت الى السعودية، وهو جعل وزارة الشباب والرياضة العراقية الى التعليق على ذلك بالقول أن سبب نقل البطولة من البصرة الى جدة، هو سياسي ونتيجة ضغوط قوية من السعودية.
وتابع أنه بحسب رأي العراق، فإن قرار نقل بطولة 2014 إلى جدة، كان نتيجة لدور اتحادي كرة القدم السعودي والقطري، حيث جاء القرار مع ظهور احتجاجات في محافظة الانبار في ذلك الوقت حيث اتهمت حكومة المالكي والقنوات الاعلامية التابعة لها، المملكة السعودية وقطر بدعم المتمردين السنة.
ولفت التقرير الى ان الازمة السياسية في الانبار اعادت احياء الخطاب السياسي الطائفي الإقليمي فيما يتعلق بالعراق، وتبادل الانتقادات بينما ركزت قنوات مثل "الجزيرة" و"العربية"، وهما بتمويل قطري وسعودي على التوالي، على فكرة التهميش الطائفي في احتجاجات الأنبار وعلى تورط ايران.
وفي حين اشار التقرير الى أن المنشآت الرياضية العراقية القائمة حاليا لا تختلف كثيرا عما كانت عليه خلال عامي 2013 و 2014 عندما تم رفض طلبي العراق لاستضافة البطولة، ذكر بان البطولة الحالية تقام في مدينة واحدة هي البصرة وتقام مبارياتها في ملعبين فقط، أحدهما شيد في العام 2013 والاخر في ديسمبر/كانون الأول 2022. وتابع موضحا أنه تتوفر ملاعب كروية في مدن عراقية اخرى وتتوفر فيها اماكن اكثر من اجل اقامة الزوار والضيوف، ولذا كان من الممكن تنظيم البطولة بسهولة في العراق خلال السنوات الماضي، وهو ما يعني أن منح العراق الان حق استضافة هذه النسخة من البطولة، يمثل مؤشرا إيجابيا على العلاقات العراقية الخليجية الحالية.
وبعد الاشارة الى تحسن العلاقات فيما بعد نهاية حكومة المالكي، والمعركة التي خاضها العراق مع تنظيم داعش، تحدث التقرير عن تطورات اخرى تعكس حدوث تحول كبير في علاقات العراق مع جيرانه الخليجيين، مشيرا على سبيل المثال الى استضافة الكويت مؤتمرا دوليا للمانحين في شباط/فبراير العام 2018 من أجل دعم العراق.
وبالاضافة الى ذلك، شهدت السياسة الخارجية للسعودية تجاه العراق، تحولا بتركيزها من السياسة الى الثقافة، ومن التركيز على العداء تجاه إيران الى انشاء وجود إعلامي في العراق.
واضاف ان قطر والسعودية تخلتا عن نهجهما العراقي الذي يركز حول السنة، وبدأتا عملية الانخراط مع الحكومة العراقية وحتى مع القادة السياسيين الشيعة في العراق.
إلا أن التقرير يعتبر أن التطور الرئيسي الذي يدل على تحسن العلاقات العراقية- الخليجية هو "مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة" الذي عقد في أغسطس/آب العام 2021، بحضور رؤساء دول ووزراء خارجية من فرنسا ومصر والأردن وقطر والكويت والامارات، بالاضافة الى الأمناء العامين للجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ومجلس التعاون الخليجي ووزراء خارجية إيران والسعودية وتركيا.
ورأى التقرير ان العراق كان يريد استغلال المؤتمر من أجل الوساطة بين الجيران الإقليميين والجمع بينهم وتسوية الخلافات بهدف تعزيز الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي في المنطقة، مضيفا أن المؤتمر كان مؤشرا على انتقال صورة العراق في عيون جيرانه العرب من كونه دولة تتأثر بالمصالح الإقليمية لإيران، الى دولة بالإمكان الاعتماد عليها من اجل "التجسير" بين إيران والعالم العربي.
وتحدث التقرير عن تخطي المسؤولين الخليجيين فكرة تخويفهم من النفوذ الايراني بين الطبقة السياسية العراقية، ولهذا تمسكوا بانعقاد المؤتمر على ارض اصبحت اكثر حيادية، مضيفا أن التقارب الأخير للعراق مع معظم دول مجلس التعاون الخليجي قد حد من مشاعر العداء.
وفي الوقت نفسه، أشار التقرير الى تحسن علاقات قطر مع إيران بعد الحصار الذي قادته السعودية ضد الدوحة، والى اهتمام كل من الرياض وأبو ظبي بالحد من التوترات مع إيران، وحتى مع الحكومة السورية.
وتابع التقرير قائلا إن "محاولة الحد من نفوذ دولة معينة كايران، عبر تطوير العلاقات الاقليمية المتعددة، تمثل النهج الأكثر واقعية في المرحلة الحالية، خصوصا بسبب نفوذ إيران شبه العسكري الكبير داخل العراق، والذي من غير الممكن أن يتم تحديه، سوى من خلال مواجهة مسلحة، لن تصب في مصلحة دول الخليج المجاورة للعراق".
"نزع التسييس" يتطور
وذكر التقرير الامريكي انه الى جانب التركيز على كرة القدم، فان العراق استضاف العديد من المؤتمرات الدولية حول الأمن والسياسة والدين، وهو ما يمثل مؤشرا على أنه يتحول من ساحة للنزاع الى مكان للحوار الإيجابي.
وفي هذا السياق، تناول التقرير مثالا آخر يتعلق باستفادة العراق من الانخراط الدولي، وهو زيارة البابا فرنسيس التاريخية في آذار/مارس العام 2021، والذي الى جانب زيارته الى بغداد، فانه زار ايضا اربيل والنجف والكنائس القريبة من مدينة الموصل القديمة التي دمرها داعش ومدينة أور القديمة، وهو ما ساهم في تعزيز الاستثمار والسياحة، بعدما ساهمت الزيارة البابوية في تحطيم الصور النمطية السلبية القائمة حول العراق باعتبار انه "منطقة حرب".
خلال بطولة كأس الخليج لهذا العام، عبر مشجعو كرة القدم من جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي بالفعل عن رعبهم فيما يتعلق بسلامة وكرم وتراث المدينة المضيفة، البصرة.
وختم التقرير بالقول إن البطولة الخليجية في البصرة قد تساعد في تعزيز السياحة الخليجية الى المدينة وغيرها من المدن العراقية، مشيرا الى ان وسائل الاعلام الخليجية تقوم بتغطية واسعة وهو ما يدعم صورة العراق، خصوصا بعد حفل الافتتاح الرائع، مذكرا بأن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني كان طالب بألا يتخلل حفل الافتتاح أي شعارات حزبية سياسية. ووصف التقرير ذلك بأنه "مفاجئ" بالنظر إلى ان رئيس الحكومة رشح لمنصبه من جانب أحزاب سياسية موالية لإيران.
الا ان التقرير تابع ان الحماس الاعلامي الخليجي وحضور المواطنين الخليجيين للمباريات، الى جانب الجهود العراقية لمنع السياق السياسي من تخريب البطولة، تعكس رغبة كل من العراق ودول مجلس التعاون الخليجي في نزع الصبغة السياسية عن البطولة الكروية.
وختاما، دعا التقرير الطرفين، العراق والخليجي، الى التوصل لتحديد المصالح المشتركة بسهولة من اجل انشاء شراكات، مضيفا أنه الحماس الحكومي والجماهيري لاستضافة العراق لهذه البطولة، يجب ان يشجع أفراد المجتمع والمسؤولين على حد سواء للتركيز على إيجاد مناسبات غير سياسية من شأنها أن تشجع على استقطاب المزيد من الاستثمارات وتطوير البنية التحتية والفعاليات الرياضية والسياحية في العراق، بما يحقق مكاسب بالنسبة الى الاستقرار الاقتصادي والسياسي للعراق.
كما اقترح التقرير على السلطات العراقية التي تعمل مع مؤسسات دولية ومنظمات غير حكومية، أن تحدد المجالات والصناعات التي بمقدورها المساهمة في تشجيع وتطوير المصالح الاقليمية والدولية، بما في ذلك السياحة والاستثمارات.
وخلص التقرير الأمريكي إلى القول إن "الاستقرار السياسي والاقتصادي في منطقة الخليج مسألة بالغة الاهمية بالنسبة الى الاقتصاد العالمي، ولهذا فانه يتحتم على المنظمات الدولية ان تشجع مبادرات الثقافة والاستدامة والإعلام والرياضة التي من شأنها توحيد شعوب شبه الجزيرة العربية، والسماح لهم بتخطي خلافاتهم الجيوسياسية والايديولوجية".
ترجمة: وكالة شفق نيوز