شفق نيوز/ أجرى "معهد بروكينجز" الأمريكي قراءة في انتخابات العراق وفوز السيد مقتدى الصدر بالصدارة والذي وصفه المعهد بأنه يعكس "الدهاء الاستراتيجي" داخل التيار الصدري، داعيا واشنطن الى اغتنام "الفرصة" المتمثلة بتراجع "الحشد الشعبي"، والمراهنة على تحالف بين "حلفائها" في الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني وزعيم تيار الحكمة عمار الحكيم وزعيم تحالف تقدم محمد الحلبوسي.
اللحظة الفاصلة
وبداية اعتبر تقرير "بروكينجز" الذي ترجمته وكالة شفق نيوز؛ انه برغم ان الانتخابات العراقية "نادرا" ما تؤدي الى ظهور مفاجآت، الا ان الانتخابات الاخيرة، تمثل "لحظة فاصلة محتملة في ظل أجواء اضطرابات اجتماعية واسعة، وعنف ضد المدنيين وازمة اقتصادية وجودية".
ولفت التقرير إلى أن "انتصار مقتدى الصدر هو مثال على الدهاء الاستراتيجي داخل الحركة التي تواصل انتقالها من التمرد الى الحكومة، تدفعها الرغبة الى القيادة، والفقر المنتشر داخل المجتمع العراقي حيث ان نحو 32 % من سكان العراق يمكن أن يصبحوا فقراء قريبا".
الا ان التقرير استدرك أن هذا "اليأس تحديدا هو ما أدى الى ظهور حركة احتجاجية تعتبر الصدر وميليشياته بمثابة جزء من المشكلة، ومتورطة باراقة الدماء، بما في ذلك العنف الممارس ضد المتظاهرين".
ولفت التقرير الى ان الكتلة التي تمثل المتظاهرين (امتداد) حصلت في مستهل مشوارها الانتخابي، على 10 مقاعد من أصل 329، وهو ما يمثل انجازا لافتا لحركة تعرضت لاغتيالات منظمة وخاضت الانتخابات وسط لا مبالاة غير مسبوقة من جانب الناخبين.
ولهذا، يتوقع التقرير ألا تجد ادارة الرئيس الامريكي جو بادين طريقا سهلا للتعامل مع الموقف في العراق، لكنه يعتبر أن الوقت ملائم الآن لواشنطن لمضاعفة جهودها الدبلوماسية لتطوير وانتهاج استراتيجية سياسية للتعامل مع "مشهد سياسي متغير"، وهو ما يتطلب من الإدارة الأمريكية "إدارة تناقضين قائمين يعكسان واقع العراق لعقود آتية يتمثلان في التفوق الذي تتمتع به الميليشيات في بغداد، ووجود حركة احتجاجية تتطلع الى الحقوق الديمقراطية والحكم الجيد.
تراجع أنصار إيران
ذكر التقرير ان بعض المراقبين يرون أن هناك "لحظة مناسبة لمحاربة النفوذ الإيراني" بعدما تراجعت حصة وكلائها في الحشد الشعبي الى 17 من 57 مقعدا، فيما نال الصدريون 74 مقعدا، لكنه اضاف انه لا ينبغي للصدر ان يشعر بالرضا عن نفسه، إذ أنه بينما سيفرض هيمنة سياسية في المستقبل المنظور، إلا انه لا يزال لديه خصوم سياسيون، ويمكن للحشد الشعبي وحلفائه، ومن خلال الدعم الإيراني، استغلال الموقف لادارة تداعيات خسارتهم.
وذكر التقرير في هذا السياق برئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي، موضحا أنه من بين المنافسين الموجودين، وأنه لطالما كان على خلاف مع مقتدى الصدر، وبالتالي، فإنه حتى مع الفوز المثير للاعجاب للصدر، "من الصعب وصف حالة اللعب القائمة الآن، بأنه لا يمكن التغلب عليها بالنسبة لقوات الحشد الشعبي وإيران، إذ يمكن لها ولوكلائها، إيجاد أساليب للتعامل معها".
وبينما أشار التقرير الى ان الحشد الشعبي ورعاته في إيران ليسوا مؤهلين لادارة المرحلة الجديدة في تاريخ العراق السياسي، موضحا ان طهران والحشد يتعلمان الدرس بالطريقة الصعبة، وهي أن "القوة من خلال فوهة البندقية ليست مستدامة". كما ان التيار الصدري متواطئ في انتهاكات حقوق الإنسان.
ولفت التقرير إلى أن "قوات الحشد الشعبي ضعيفة.. وهو وقت يائس بالنسبة لهم"، مشيرا الى خروج فصائل موالية لاية الله السيد السيستاني من صفوفها في العام الماضي، والى اضطرار الحشد الى التعامل مع ظهور الحركة الاحتجاجية تحولت إلى قوة سياسية. وبرغم إشارة التقرير إلى أن الفصائل والقوى التي تشكل الحشد الشعبي حصلت مجتمعة على اصوات اكثر من الصدريين، إلا أنها كانت تفتقر الى استراتيجية قابلة للتطبيق لتؤمن لهم عددا أكبر من المقاعد.
كما لفت إلى أن المستقبل القريب قد يكون خطيرا بالنسبة الى الحشد حيث احتمال خسارة قدرتهم على الوصول الى الميزانية البالغة 2.6 مليار دولار المخصصة لها، وهو سيكون بمثابة "خط أحمر" لهم لان ذلك يعني عمليا خسارة شبكات المحسوبية وتقلص القدرة على حشد المقاتلين، وهو ما يفرض ضغوطا اضافية على مالية إيران وقدرتها على الحفاظ على شبكة ميليشياتها في العراق.
ولهذا، اعتبر التقرير ان على الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين إعادة النظر في كيفية تطوير العلاقات الاستراتيجية مع الجهات السياسية الفاعلة في العراق.
ولفت الى انه برغم من عدم اهمية حيدر العبادي السياسية، الا ان عمار الحكيم يقود قاعدة دعم قوية وكان "صوتا للاعتدال" في بيئة سامة من الديماغوجيين والمسلحين. وتابع ان العبادي، بعيدا عن محاولة تهدئة التوترات، سعى الى صرف الانتباه عن عمله السيئ من خلال الاحتفال ب"قراره سيئ السمعة" بمهاجمة البيشمركة في أعقاب استفتاء الاستقلال الكوردي في العام 2017 عندما كان رئيسا للحكومة.
تحالف المعتدلين
ولهذا، يخلص التقرير إلى خيار مطروح أمام واشنطن يتمثل بمحاولتها تجميع أجزاء الاستراتيجية معاً، والتركيز على الحركة الاحتجاجية واللاعبين المعتدلين والمصالح الغربية في العراق، موضحا أنه يتحتم على واشنطن تعزيز سياستها في العراق بوقائع ان "حلفاءها يسيطرون حاليا على جزء كبير من المشهد السياسي"، حيث حصل الحزب الديمقراطي الكوردستاني على 32 مقعدا وفاز الاتحاد الوطني الكوردستاني بـ 17 مقعدا (ليصبح المجموع الكلي 49 مقعدا)، فيما نال تحالف تقدم بزعامة محمد الحلبوسي 37 مقعدا.
واعتبر التقرير ان ما اسماه "تحالف المعتدلين"، المؤلف من كوردستان و الحلبوسي والحكيم ومجموعة منتقاة من المستقلين الذين تتلائم مصالحهم وقيمهم مع مصالح الغرب، يشكل الأمل الأفضل لتحويل تراجع قوات الحشد الشعبي الى "فرصة".
وفيما اشار التقرير الى ان "القضاء سياسيا على قوات الحشد الشعبي غير ممكن"، الا انه اعتبر ان احتوائه ممكن، مضيفا انه "لن تكون هناك لحظة أفضل لبايدن للتعبير عن التزام ودعم أمريكا الراسخ من خلال تجمع "تحالف المعتدلين العراقيين".
كما رأى ان مثل هذا الدعم سيساهم في تحسين قدرة العراقيين على العمل مع بعضهم البعض، ويعزز موقفهم التفاوضي لاحتواء محاولات الحشد الشعبي لإعادة تأكيد وجوده. كما دعا التقرير وزير الخارجية انطوني بلينكين إلى زيارة الى العراق في أقرب فرصة.
وتابع أن تعزيز التحالف القوي المتحالف مع الغرب، سوف يسهل مهمة الغرب في إشراك الصدريين، الملطخة حركتهم بالدماء والمتجاهلة لحقوق الإنسان، لكنها في الوقت نفسه، "تمثل واقعا عراقيا في المستقبل المنظور".
وختم بالاشارة الى ان تحالفا كهذا من شأنه ايضا ان يعزز آفاق رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، المتحالف مع الولايات المتحدة، في نيل فترة ولاية اخرى ويفرض تكاليف سياسية على الحشد الشعبي في مواجهة منافسيها.
ترجمة: وكالة شفق نيوز