شفق
نيوز- بغداد
في انتخابات
مجلس النواب العراقي للدورة السادسة، التي جرى الاقتراع الخاص والعام لها يومي 9 و11
تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري بنسبة مشاركة بلغت 56.11% لاختيار 329 نائباً، عاد الجدل
حول قانون الانتخابات ليحتل صدارة النقاش السياسي.
فالبلاد
دخلت هذه الجولة وفق صيغة معدّلة من نظام سانت ليغو (1.7) الذي رفع العتبة الفعلية
للفوز، ما جعل التنافس أكثر ميلاً لصالح الكتل التقليدية ذات التنظيمات الواسعة والموارد
المالية الكبيرة، على حساب القوى الناشئة والمستقلين.
وبينما
كان اعتماد "سانت ليغو" في نسخته الأصلية - المعتمد دولياً بقاسم يبدأ من
1.1 ويصل في بعض الدول إلى 1.4 - فرصة لمنح القوائم الصغيرة قدرة على المنافسة، فإن
العراق اعتمد سابقاً القاسم 1.9، ثم عاد في التعديل الأخير ليقرّ صيغة 1.7.
وبهذه
التركيبة اندفعت عتبة الفوز نحو مستويات أعلى، ما جعل البيئة الانتخابية "غير
مهيّأة لظهور قوى جديدة"، بحسب مراقبين، ورسّخ انطباعاً بأن القانون صُمّم لملاءمة
الكتل الأكبر وحماية مكاسبها.
معادلة
1.7
ويُعد
قانون الانتخابات العراقي أحد أكثر القوانين إثارة للجدل منذ 2003، فرغم تعديله عدة
مرات تحت ضغط الشارع وقوى الإصلاح، تتواصل الانتقادات بسبب "غياب تكافؤ الفرص"
و"تفاوت الإنفاق الانتخابي"، و"التحكم السياسي في شكل النظام".
فبعد
انتخابات 2005 وحتى 2018، اعتمد العراق نظام الدائرة الواحدة لكل محافظة، فيما شكّلت
انتخابات 2021 استثناءً بانتقالها إلى الدوائر المتعددة بضغط من الشارع والتيار الصدري.
لكن
في آذار/ مارس 2023، عاد البرلمان ليقرّ التعديل الثالث الذي أعاد نظام الدائرة الواحدة
وفعّل سانت ليغو 1.7، وهو ما طُبق في انتخابات 2025.
وتقوم
آلية هذا النظام على تقسيم أصوات كل قائمة على أرقام متسلسلة تبدأ بـ 1.7 ثم 3 ثم
5…، وترتيب الناتج تنازلياً حتى استكمال عدد مقاعد الدائرة.
وهذا
يمنح الكتل الكبيرة أفضلية واضحة، فيما تقلّ فرص القوائم الصغيرة والمستقلين في العبور،
خاصة في بيئة انتخابية تتسم بسيطرة الأحزاب التقليدية على الموارد والآلة التنظيمية.
قانون
يخدم الكبار
وفي
هذا السياق، يقول الخبير القانوني محمد جمعة إن الصيغة المعتمدة "مخصصة أصلاً
للكتل الكبيرة"، فكلما ارتفع معامل سانت ليغو فوق 1.5 يصبح النظام مصمماً لصالح
القوى الكبيرة فقط، وعند 1.7 لا يمكن لأي كتلة صغيرة أن تنتصر إطلاقاً، "فهو نظام
انتخابي مهيّأ للأحزاب المهيمنة، ولا يسمح بمنافسة حقيقية للقوى الجديدة".
ويشير
جمعة خلال حديثه لوكالة شفق نيوز إلى أن القوى المتنفذة اعتادت تغيير القانون قبل كل
دورة انتخابية بما يلائم مصالحها، مستشهداً بانتخابات 2021 التي قامت فيها الكتل الكبيرة
بمحاولات متعددة لإعادة صياغة القانون بعد اعتماد الدوائر المتعددة.
ويضيف
أن "صيغة 1.7 تجعل من المستحيل تقريباً على أي كتلة ناشئة أو مستقل أن ينافس،
لذلك القانون مفصّل بما يتناسب مع وضع الكتل المتحكمة بمجلس النواب".
المستقلون
والقوى الناشئة
من جانبه،
يرى رئيس كتلة "إشراقة كانون" زهير الفتلاوي، أن الصيغة المعدّلة من سانت
ليغو "زادت بشكل ملموس من صعوبة دخول الكتل الصغيرة والمستقلين"، قائلاً
إن "هذا القانون رُفض شعبياً ودينياً، لكنه فُرض رغم ذلك، وفي الدورة السابقة
كان هناك مستقلون في البرلمان، لكن معظمهم فقدوا مقاعدهم في الدورة السادسة بسبب
1.7".
ويؤكد
الفتلاوي لوكالة شفق نيوز أن البيئة الانتخابية أصبحت "أكثر ملاءمة للأحزاب الكبيرة
التي تمتلك المال السياسي والجماهير المؤدلجة"، لكنه يلفت إلى أن القانون لم يقض
نهائياً على ظهور قوى ناشئة، مستشهداً بتجربة "إشراقة كانون" التي ضاعفت
أصواتها من 102 ألف إلى 204 آلاف وحصدت 8 مقاعد في الانتخابات الأخيرة.
ويتابع
الفتلاوي أن "العتبة الفعلية للتمثيل تبدأ عند 1.7 وكان الأصل أن تكون 1.4، وحتى
بعض الأحزاب التقليدية تضررت من القانون، لذلك يجب على البرلمان السادس تغيير هذا القانون
والعودة إلى الدوائر المتعددة والتصويت الفردي".
القوى
الكبرى تسيطر
أما
السياسي المستقل أثير الشرع فهو يذهب أبعد في تشخيص المشهد، إذ يرى أن التعديلات المصاحبة
لقانون سانت ليغو تتضمن "عوائق إدارية" ودوائر "مُصمّمة سياسياً"،
ما يجعلها تميل بالكامل لصالح الأحزاب المتنفذة.
ويقول
الشرع لوكالة شفق نيوز إن "هذا الأمر أدى إلى تراجع محسوس بقدرة الكتل الصغيرة
والمستقلين على الوصول إلى البرلمان، إذ أن البيئة الانتخابية الحالية لا تسمح بظهور
أي قوة ناشئة يمكنها منافسة الأحزاب التقليدية".
ويوضح
أن النسخة "النقية" من سانت ليغو، لو طُبقت ضمن دوائر متعددة، لكانت منصفة
للقوائم الصغيرة، لكن اعتماد الدائرة الواحدة جعل المنافسة شبه مستحيلة، قائلاً:
"النسخة المعدّلة الحالية فُصّلت تماماً لصالح الكتل الكبيرة، لذلك المستقلون
لم يحققوا أي نجاح، والكتل المدنية شُطبت بالكامل، وحتى رجال الأعمال وشيوخ العشائر
لم يتمكنوا من الفوز رغم دخولهم ضمن قوائم كبيرة".
ويذهب
الشرع إلى أبعد من ذلك بوصفه الوضع بأنه "أشبه بدكتاتورية مقنّعة، حيث تتصرف القوى
الكبيرة وفق مصلحتها وتحمي مكاسبها، وتمتلك الإعلام والمال والماكينات الانتخابية،
ولا تسمح بصعود أي شخصية جديدة".
وبناءً
على ذلك، يشدد الشرع في الختام على ضرورة إصلاح القانون بالقول إن "هناك حاجة
إلى قانون جديد يضمن للكتل الصغيرة فرصاً حقيقية، كما لا يمكن تطبيق قانون مجالس المحافظات
على انتخابات مجلس النواب".