شفق نيوز/ يزور رئيس إقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني، يوم الأحد، إيران في زيارة هي الخامسة خلال 11 عاماً، يعتزم خلالها تعزيز العلاقات بين الإقليم وطهران.
هذه الزيارة التي وصفها مسؤول في مكتب بارزاني لوكالة شفق نيوز، بالمهمة، تأتي بعد جولة مباحثات موسعة مع القادة السياسيين في بغداد، قال رئيس الإقليم إنه يدشن فيها مرحلة جديدة من العلاقة.
كما تأتي بعد مجيء الرئيس التركي إلى بغداد وأربيل الشهر المنصرم، في زيارة اعتبرت تاريخية.
الجذور التاريخية
تتميز علاقات إقليم كوردستان مع إيران بتركيبة معقدة تتسم بالتاريخ المشترك، والروابط الثقافية والعرقية، والمصالح المتبادلة، إلى جانب التحديات والصراعات الجيو-سياسية.
إقليم كوردستان بالإضافة إلى تواجده في العراق بغالبيته العربية، يقع ايضاً بين إيران وتركيا وسوريا، حيث التشاطر القومي الكوردي في جميع هذه البقع المحيطة.
وتعززت هذه العلاقات خلال الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979، حيث وقف الكورد في العراق إلى جانب إيران في حربها ضد نظام البعث الحاكم، وبعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003، شهدت العلاقات بين الجانبين تعاوناً دبلوماسياً واقتصادياً وثيقاً.
حيث يتمتع إقليم كوردستان بحدود مشتركة مع إيران بطول 600 كيلومتر، مما يسهل حركة التجارة والتنقل عبر خمس بوابات رسمية وعدة بوابات غير رسمية.
وعلى الرغم من وجود الكثير من القواسم المشتركة بين إقليم كوردستان والجمهورية الإسلامية سواء داخل العراق أو في الإقليم، لكن لم تسر الرؤى في القضايا المختلفة وبخاصة القومية منها على النسق نفسه بين الجانبين.
وبعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003، سارعت إيران كأولى الدول إلى افتتاح مكتبين قنصليين في مدينتي أربيل والسليمانية، ودخلت في قالب دبلوماسي رسمي، لكن بسبب التقاطعات القومية والسياسية، شهدت العلاقات تجاذبات، بخاصة بعد الهجمات الصاروخية التي تعرضت لها مدينة أربيل من قبل القوات الرسمية الإيرانية، أو فصائل مسلحة مقربة من طهران.
القيود الجغرافية وتحديات عدة
تُعدّ علاقات إقليم كوردستان مع إيران نموذجاً على الروابط المعقدة التي تُشكل واقع المنطقة. فمن ناحية، تُشكل الجغرافيا والتاريخ المشترك والمصالح المتبادلة أرضية مشتركة للتعاون. ومن ناحية أخرى، تُلقي التحديات الجيو-سياسية والاختلافات السياسية بظلالها على هذه العلاقات، مُخلّفةً مساحة واسعة للنقاش والتحليل.
يواجه إقليم كوردستان قيوداً جغرافية واضحة تتمثل في افتقاره إلى منفذ على البحر، بينما تُحيط به دولٌ ذات نفوذ إقليمي كبير، مثل تركيا والعراق وسوريا وإيران. تُعيق هذه القيود قدرة الإقليم على اتخاذ إجراءات جادة دون مراعاة مصالح هذه الدول، خاصةً إيران التي تتمتع بنفوذٍ كبيرٍ في المنطقة.
يقول مسؤول في مكتب رئيس الإقليم لشفق نيوز: "يُدرك الرئيس تمامًا هذه الديناميكية، ولذلك يسعى إلى التفاعل البناء مع إيران بدلاً من المواجهة".
في حين اتّخذ الجهاز الدبلوماسي الإيراني نهجاً حذراً وخالياً من التوتر تجاه إقليم كوردستان، إلا أن السلوك العسكري لبعض الأجهزة الإيرانية أضرّ بالقوة الناعمة لإيران في الإقليم.
فقد أثارت الهجمات الصاروخية على أربيل ردود فعلٍ من قبل رئيس إقليم كوردستان، الذي أكّد على عدم تشكيل الإقليم أيّ تهديدٍ لإيران، وأنّ الهجمات الجوية والصاروخية التي تستهدف المدنيين لا تُنسجم مع العلاقات الودية بين الجانبين.
كما أكد أن "إيران لم تقدم أي وثائق تثبت ادعائها بشأن وجود مقرات إسرائيلية في إقليم كوردستان"، وهي الحجة التي دفعت طهران لهجماتها الصاروخية.
من بين التحديات الأخرى التي تعتري العلاقة بين الجانبين، هو الشق الاقتصادي، ففي حين تُعدّ الأطر السياسية مع إيران أكثر عمقًا، إلا أن الوجود الاقتصادي التركي في إقليم كوردستان أكبر بكثير من الوجود الإيراني.
وعلى عكس الاتجاه التصاعدي الذي شهدته الصادرات إلى كوردستان والعراق حتى نهاية عام 2021، فإن هذا الاتجاه لم يستمر في عام 2023.
ففي عام 2023 سجلت الصادرات إلى كوردستان نحو 6-8 مليارات دولار، مقارنة بنفس الرقم في عام 2022، مما يشير إلى انخفاض بنسبة 13% في قيمة الصادرات إلى العراق.
وهو ما أكده ناظم الدباغ، ممثل حكومة إقليم كوردستان في إيران، في تصريح سابق، بحقيقة التفوق الاقتصادي التركي، ومدى التراجع الإيراني، التي سجلت في وقت ما يقرب من 450 شركة في السليمانية فقط، في حين تسجل تركيا أكثر من 2500 شركة في الإقليم، مع تراجع الشركات الإيرانية اليوم إلى أقل من 150 في الإقليم ككل.
موسم تخفيف التوتر
يعمل المسؤولون في إيران أو إقليم كوردستان اليوم نحو التخفيف من حدة التوتر وتعزيز التعاون. وهو ما تُظهره تصريحات رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني، ورغبة المسؤولين الإيرانيين في عقد لقاءات رسمية، وجود إرادة جادة من كلا الجانبين للحفاظ على علاقاتٍ ممتازة.
وتُشكل هذه التطورات إشارةً إيجابيةً لِمُستقبل العلاقات بين الجانبين.
وقال بارزاني في مناسبات مختلفة: نحن عازمون على فتح صفحة جديدة في العلاقات مع إيران وتطوير العلاقات القائمة في المجالات كافة.
ومن الواضح، في هذه الأثناء، أن إيران، باعتبارها قوة كبرى في المنطقة ولها نفوذ ومصالح سياسية وثقافية ودينية، تريد أيضًا شراكة فعالة في المشاريع الاقتصادية لإقليم كوردستان والعراق.
ويرى الخبراء السياسيون أن الجمهورية الإسلامية لعبت دورا مهما في الحوار بين الأطراف الكوردية، كما تتمتع طهران بعلاقات جيدة مع الحكومة الاتحادية في بغداد، وهو ما مكنها من التأثير سياسياً في الإقليم، حيث من المتوقع أن تشكيل هذا التوازن عبر مثلث طهران-بغداد-أربيل.
وعلى وجه الخصوص، أكد بارزاني، في اجتماعه الأخير مع سفير إيران لدى العراق، على أهمية العلاقات مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية باعتبارها جارة مهمة، وأن الإقليم لن يسمح باستخدام أراضيه لتهديد إيران.
وقال نيجيرفان بارزاني ايضاً على هامش زيارته القنصلية الإيرانية في أربيل، ومشاركته في مراسم إحياء ذكرى ضحايا التفجير الإرهابي في كرمان، "لن نشكل تهديدا لجيراننا، وخاصة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بأي شكل من الأشكال". ونوه إلى أن إقليم كوردستان ملتزم بأمن الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وقد صرح مرات عديدة في رسالة واضحة: لقد كانت إيران دائما إلى جانبنا حين كنا نواجه المشاكل، فنحن مدينون إلى إيران.
ومن ناحية أخرى، اعتبر حسن قشقاوي، نائب القنصل والمجلس والشؤون الإيرانية بوزارة الخارجية الإيرانية آنذاك: وجود الإيرانيين والكورد أمراً حتمياً، ونتيجة للنضالات المشتركة يجب علينا أن نبقى مع هؤلاء الأحباء"، في إشارة إلى القادة الكورد.
الزيارة الخامسة
شهدت زيارتان سابقتان لنيجيرفان بارزاني من بين خمس زيارات خلال 11 عاماً، موقفاً ملفتاً من قبل طهران، حيث استقبلته برفع علم إقليم كوردستان خلال حفل تنصيب "حسن روحاني" رئيس إيران السابق، وبعدها عند زيارته للقاء إبراهيم رئيسي الرئيسي الإيراني، وهو أمر شهد على الفور انعكاسات في وسائل الإعلام الإيرانية.
اعتبر رئيسي في لقائه الأخير عام 2021 مع نيجيرفان بارزاني، أن العلاقات بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والعراق وإقليم كوردستان متجذرة ونابعة من القلب".
وبحسب بعض قادتها وكوادرها الرفيعة، تعمل حكومة إقليم كوردستان، وخاصة الحزب الديمقراطي، على تهدئة التوترات وتحسين العلاقات مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهو ما أكده أيضاً بعض المسؤولين الإيرانيين، يحاول كلا الجانبين الاقتراب من بعضهما البعض لأن كل منهما يدرك تمامًا القدرات الإيجابية أو المثبطة للآخر وقد توصلا إلى إدراك أن الآن هو الوقت المناسب للحوار، وهو أمر يلقى تفاعلاً عند القادة الكورد.
ويقول مراقبون: "من المعلوم أن لإيران علاقات وطيدة مع حزب الاتحاد الوطني الكوردستاني في السليمانية، لكن يبدو أن طهران تعمل مع أربيل إلى تحسين وتعزيز العلاقات المتبادلة مع بعضهما البعض. وهو أمر يعني أن تميل استراتيجية طهران أكثر صوب الحزب الديمقراطي، كما تعلم إيران جيداً أن نيجيرفان بارزاني، هو الشخصية السياسية الأنسب لأي حوار أو اتفاق.
عتب كوردي
ويعتقد القادة في الإقليم أن "إيران لن تجد صديقاً أفضل من الكورد"، لكنهم يعتبون على طهران بعدم قدوم مسؤول كبير على مستوى رئيس إلى أربيل على غرار المسؤولين الغربيين أو الإقليميين، أو ما شكلته الزيارة الأخيرة للرئيس التركي.
وفي الرحلات التي قام بها المسؤولون الكورد إلى إيران، وجهوا دعوات لزيارة كوردستان، وصولاً إلى تعزيز العلاقة بين الطرفين، فهل يفعلها رئيسي كما فعلها نظيره التركي أردوغان أو الفرنسي ماكرون؟