شفق نيوز/ خلص موقع "غلوبال فيليج سبايس" الذي يتخذ من اسلام اباد مقرا له، والمتخصص بالقضايا الجيوسياسية العالمية، الى انه في ظل الخروج الامريكي من المنطقة من اجل الاهتمام بالتحديات الصينية والروسية، فان ايران تتجه لتحقيق "انتصار" على السعودية في صراعهما، لكن تحقيق الاستقرار في الشرق الاوسط، لن يتحقق سوى بتعاون بين التكتلين اللذين تقودهما طهران والرياض.
وبعدما لفت تقرير الموقع الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، الى ان الشرق الاوسط "فقد اهميته المركزية في الحسابات الاستراتيجية للقوة الكبرى" المتمثلة في الولايات المتحدة، والى ان هناك مرحلة ما بعد الولايات المتحدة التي تراجع اعتمادها الكبير على نفط الشرق الاوسط، الا ان التقرير اعتبر ان الشرق الاوسط ما زال يمثل مصدر قلق ثانوي للولايات المتحدة، لان جزءا كبيرا من امدادات الطاقة في العالم مصدرها من الخليج، والاستقرار في هذه المنطقة حيوي من اجل الحفاظ على سوق النفط العالمي واستقرار النظام الاقتصادي الدولي .
واوضح التقرير ان التركيز الرئيسي للسياسة الخارجية الامريكية اصبح منصبا على منطقة آسيا والمحيط الهادئ وعلى صعود الصين كقوة اقتصادية وعسكرية وتكنولوجية، مشيرا الى ان الولايات المتحدة تحتفظ حتى الان باكثر من 40 الف جندي على الارض في جميع دول الشرق الأوسط تقريبا، باستثناء ايران، والى ان البنتاغون قام بسحب بطاريات "باتريوت" و"ثاد" المضادة للصواريخ من اربع دول في المنطقة، بما في ذلك العراق والسعودية.
الا ان التقرير لفت الى ان فك الارتباط الاميركي بدأ سياسيا مع سياسة الرئيس الاسبق باراك اوباما حول آسيا، ورفضه للتدخل في الحرب السورية بعد استخدام الاسلحة الكيميائية وتردده في احتواء تهديد داعش.
لكن التقرير اعتبر ان المفارقة تتمثل في ان تراجع القوة الاميركية في المنطقة بدأ مع غزوها للعراق، مشيرا الى ان هذا عزز من حدة الاشكالية الامنية بالنسبة الى ايران التي بدروها راحت تصعد من جهودها السرية للتأثير في المناطق التي يسيطر عليها الشيعة في الشرق الأوسط ، بما في ذلك العراق.
وتابع ان التكاليف العسكرية والمالية للانخراط الامريكي في العراق بالاضافة الى انخفاض الاعتماد الامريكي على النفط، والركود المالي في العام 2008، ادت الى حدوث تحول في نزعة المغامرة في عهد جورج بوش.
واضاف انه بينما كانت واشنطن تتبنى نهجا اكثر ليونة تجاه المنطقة، "انفجر المازق الاجتماعي والاقتصادي للدول العربية على شكل الربيع العربي في العام 2011، وادى الى حروب اهلية في ليبيا وسوريا واليمن وصعود داعش"، مشيرا الى ان هذه الحروب الاهلية تحولت الى حروب بالوكالة بين خصوم اقليميين وخارج الاقليم، وان ايران والسعودية وتركيا اختارت ورعت فصائلها في هذه الصراعات.
واعتبر التقرير انه برغم ان موسكو اصبحت عنصرا مهما في المنطقة وتتمتع ايضا بدعم ايران، الا ان المشهد الجيوسياسي الحالي قسم المنطقة الى ثلاث كتل، واحدة تهيمن عليها ايران، والثانية تهيمن عليها السعودية، والثالثة اصغر حجما وتقودها تركيا.
واوضح ان الدول الثلاث ترى ان لها ادوار لتلعبها في ظل تراجع قدرة واشنطن على صياغة الاحداث في المنطقة، مشيرا الى ان تركيا لم تصبح لاعبا فاعلا الا بعد الحرب الاهلية السورية، بينما حظيت السعودية برعاية امريكية كاملة من اجل موازنة التهديد الايراني المفترض او الحقيقي، في حين ان طهران من جهتها، كان يدفعها الاحساس الملح بعدم الامان والذي اثاره وفاقمه التدخل الامريكي في العراق، موضحا ان التصرفات الامريكية في العراق أدت بطبيعة الحال الى تعزيز الاشكالية الامنية في طهران.
ولهذا، اعتبر التقرير ان ايران عززت استثمارها في القوى والوكلاء والميليشيات بشكل كبير، ونجح هؤلاء الوكلاء بالاضافة الى فراغ السلطة، في تأمين تاثير كبير لايران في العراق وسوريا ولبنان واليمن، مضيفا انه برغم ان السعودية وتركيا تتمتعان بتفوق عسكري ومالي وتقليدي، الا انه ليس بامكانهما الصمود امام استخدام ايران للوكلاء كادوات في النزاعات.
كما انه رغم تمتع السعودية برعاية الولايات المتحدة، فان ميزان القوى الحالي يصب في صالح ايران، حيث انه في سوريا واليمن، تتمتع القوى المدعومة من ايران، بالسيطرة.
وتابع ان الامريكيين "برغم كل مناوراتهم واكراههم ودبلوماسيتهم، يبدو انهم لم يعودوا قادرين على صياغة الواقع الجيوسياسي والسيطرة عليه في الشرق الاوسط بعد الان".
وختم التقرير بالقول انه "تم بالفعل تحديد مرحلة ما بعد الولايات المتحدة والشرق الاوسط، والمرجح هو ان تنتصر ايران على السعودية".
وتابع انه في حالة حدوث انسحاب كبير للولايات المتحدة من المنطقة، فان السيناريوهات التالية يمكن ان تحدث وهي، اولا، استمرار حروب الوكالة بين ايران والسعودية اللذين يتنافسان على الهيمنة، مشيرا الى ان استمرار النزاعات في اليمن وسوريا من شانه ان يفاقم المزيد من عدم الاستقرار وقد يخترق الصراع حدود هاتين الدولتين، مثلما حدث بالفعل في هجمات الحوثيين على الداخل السعودي.
والسيناريو الثاني هو حدوث نوع من الانخراط بين ايران والسعودية لفك الاشتباك بينهما في الصراعات النشطة في الشرق الاوسط وذلك من اجل تجنب التصعيد.
اما السيناريو الثالث، فقد يكون من خلال تحالف بين اسرائيل والامارات والسعودية وبقية دول الخليج لمواجهة نفوذ طهران. لكن التقرير اوضح انه برغم وجود تفاهم ضد ايران، بين اسرائيل ودول الخليج، فانه من غير المرجح ان تسعى دول الخليج، بما في ذلك الامارات، من اجل تطبيق هذا السيناريو لانه يضعها مباشرة تحت غضب الميليشيات والوكلاء الايرانيين، وهو احتمال اكثر وضوحا في ظل غياب الولايات المتحدة.
وخلص التقرير بالتأكيد على ان الولايات المتحدة ادركت فعليا حدود قدرتها على صياغة الاحداث الجيوسياسية، وبالتالي، فان الخيار الوحيد المتاح يتمثل في منع الحرب الباردة الاقليمية من التصعيد من خلال تشجيع السعودية على اشراك ايران ضمن اهداف استراتيجية واضحة، موضحا انه "يجب على الولايات المتحدة ان تقنع الرياض بانهاء الحرب في اليمن وايجاد تسوية سياسية مع الحوثيين".
كما انه يجب ايضا اعادة اشراك ايران من خلال احياء خطة الاتفاق النووي، بحسب خلاصة التقرير الذي تابع قائلا انه "يبدو ان الولايات المتحدة، ستنسحب عاجلا ام اجلا، بشكل كبير من المنطقة للتركيز كليا على الصراع الجيوسياسي مع الصين وروسيا".
ولهذا، اعتبر التقرير ان "التعاون بين الكتلة التي تقودها السعودية وتكتل الدول الاقليمية بقيادة ايران، هو السبيل الوحيد للحفاظ على الاستقرار في الشرق الاوسط".