شفق نيوز/ اعتبر "معهد الشرق الاوسط" الامريكي ان مشروع الفاو الكبير سيشكل احد الركائز الاساسية لاقتصاد العراق، وان المشروع وغيره، قد يعكس التنافس المتزايد مع ايران على خطوط النقل الاقليمية والعالمية، وقد يوتر العلاقة مع طهران، لكن المشروع بامكانه ان يكون نقطة التقاء لمصالح البلدين وترسيخ مكانتها كمركز للعبور الاقليمي.
وبداية، ذكر التقرير الامريكي الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، ان العراق اصبح خلال السنوات الاخيرة، احد الوجهات الاساسية للاستثمارات الصينية في الشرق الاوسط، ومحطة مهمة للربط مع "مبادرة الحزام والطريق" الصينية، مضيفا ان العراق من اجل ان يستفيد من موقعه الجغرافي الاستراتيجي ومكانته المركزية في المبادرة الصينية ، يقوم بتطوير مشروع ميناء الفاو الكبير على مساحة 54 كيلومترا مربعا، وهو ما سيؤدي الى الحد من اعتماد الدولة على واردتها، على موانئ الخليج والمعابر البرية من ايران وتركيا.
ولهذا، يعتبر التقرير ان المشروع يظهر ايضا التنافس الاقتصادي المتزايد بين العراق وايران، فيما يسعى كلا البلدين الى التمتع بمكانة متشابهة في التعامل مع حركة المرور الاقليمية.
ورأى التقرير ان هناك عدداً من العقبات التي تعيق جهود العراق لتنويع اقتصاده، بما في ذلك النقص الحاد في الاستثمار والفساد المستشري، لكن توجد مؤشرات على ان التغيير قد يلوح في الافق، كما في الاتفاق الاخير مع "توتال انيرجيز" (27 مليار دولار)، واتفاق تموز/يوليو 2021 ، بين وزارة النفط العراقية والشركة الوطنية الصينية للهندسة الكيميائية. الا ان التقرير اشار الى ان نجاح مثل هذه المشاريع يعتمد على مجموعة من العوامل، بما في ذلك الظروف الامنية والاستقرار السياسي. وقدرة الحكومة على خلق مناخ استثماري مناسب. وبالاضافة الى ذلك، قال التقرير انه فيما يتعلق بالفساد، فإنه لا يزال امام العراق طريق طويل للغاية لمعالجة المشكلة.
ومع ذلك، اعتبر التقرير انه بمجرد اكتمال مشروع الفاو الكبير، فإنه من المتوقع ان يصبح احد الركائز الاساسية للاقتصاد العراقي، مشيرا الى انه من المقرر الانتهاء من المرحلة الاولى في العام 2025 بقدرة التعامل مع ما بين 20-45 مليون طن سنويا من البضائع. كما ان القناة الجافة ستؤمن اتصالا بريا بالحدود التركية عبر الطرق والسكك الحديدية، وربطها بالبنية التحتية للموانئ والسكك الحديدية في تركيا، وخاصة في مرسين واسطنبول.
ولفت التقرير الى انه في حال اكتمل المشروع بنجاح، فان الفاو ستكون قادرة على الاستفادة من موقعها وارتباطها بتركيا وسوريا، لتتحول الى محطة حاويات رائدة واحد اكبر الموانئ في العالم. واضاف ان الهدف المركزي للعراق في ربط هذا المشروع ب"مبادرة الحزام والطريق" الصينية الاوسع كجزء من طريق بديل لقناة السويس والممر بين الشمال والجنوب.
وذكر التقرير بان الاستثمارات الصينية في الشرق الاوسط وشمال افريقيا وتركيا بلغت بين عامي 2005 و 2022 ما مجموعه 273 مليار دولار، مشيرا الى ان العراق اصبح شريكا مهما بشكل متزايد بالنسبة الى بكين في السنوات الاخيرة حيث يركز الصينيون على قطاع الطاقة، ووقعوا صفقات مع بغداد بقيمة 10.5 مليار دولار في العام 2021 وحده، بالاضافة الى الاستثمار في الاتصالات السلكية واللاسلكية والزراعة.
الى ذلك، ذكر التقرير ان التركيز على مشروع الفاو واستثمارات الصين في العراق، اظهر ان ايران دورها محدود في العبور والتجارة الدولية بالرغم من موقعها المركزي كجسر بين جنوب ووسط اسيا والشرق الاوسط، حيث بامكان ايران ان تلعب دورا رئيسيا في كل من ممرات الشرق والغرب والشمال والجنوب، بالربط بين القوقاز واسيا الوسطى والصين بالشرق الاوسط واوروبا، والربط بين روسيا واسيا الوسطى بالخليج والهند.
الا ان التقرير لفت الى ان ايران لم تستغل اي من الفرصتين، وانه بالرغم من موقعها هذا ومزاياها، الا انها فشلت في ان تكون مركزا استراتيجيا مهما لنقل البضائع بسبب مجموعة من العوامل، بما في ذلك العقوبات الاقتصادية وعدم الاستقرار السياسي والبنية التحتية القديمة للنقل، خاصة بالنسبة للسكك الحديدية والموانئ.
ولهذا، قال التقرير ان تطوير العراق لمياء الفاو الكبير يشكل تحديا اضافيا لتطلعات ايران، مشيرا الى ان العراق، بمساعدة من تركيا والامارات، يحاول ربط الفاو بسكة الحديد الوطنية بتركيا في الشمال، مما يعني خلق ممر نقل بديل من المحتمل ان يكون له تاثير سلبي على حركة العبور من ايران.
وفي الوقت الراهن، هناك نحو 90٪ من حركة المرور العابر عبر ايران تتم برا، وانه برغم وجود سكة حديدية قائمة بين ايران وتركيا، الا انها محدودة وغالبا ما تتعطل بسبب التوترات السياسية بين البلدين. وتابع التقرير انه برغم ان حجم التجارة بين ايران وتركيا كبير ووصل الى 6.42 مليار دولار في عام 2022 ، ارتفاعا من 5.59 مليار دولار في العام السابق، الا تزايد هذه التجارة تتعرقل بسبب الافتقار الى بنية تحتية موثوقة للنقل.
واشار التقرير الى ان المسؤولين الايرانيين يتهمون الولايات المتحدة بالتدخل حيث تتعرض بغداد لضغوط من واشنطن لعرقلة تطوير ايران لممر عبور شمال غربي قابل للحياة، كما أن المسؤولين يقولون ان تركيا تمارس نفوذها على العراق لدعم ربط السكك الحديدية باسيا، بما يتلاءم مع طموح انقرة في التحول الى مركز اقليمي للطاقة والاتصالات.
ولهذا، لا يستبعد المعهد الامريكي ان تستخدم ايران الاجراءات العراقية في هذا المجال، في مفاوضاتها الثنائية حول تجارة الطاقة والزراعة، وقد يؤدي ذلك الى توتر العلاقة بين الدولتين في المستقبل.
الربط الاقليمي بالسكك الحديدية
كما اشار التقرير الى مشروع خط سكة حديد جديد يمتد من الخليج عبر العراق الى تركيا ثم في النهاية الى اوروبا، وهو جزء من تطوير ميناء الفاو الكبير، ويمكن ان يكون بمثابة بديل للبحر الاحمر عبر قناة السويس، وانه في حال سارت الامور كما هو مخطط لها بحلول العام 2025، سيكون العراق قادرا على التعامل مع معظم حركة السكك الحديدية بين الخليج واوروبا.
وفي المقابل، رأى التقرير انه لكي تتمكن ايران من المنافسة مع ميناء الفاو وتطور خطوطها للنقل عموما، فانها بحاجة الى تعزيز البنية التحتية للسكك الحديدية، بما في ذلك الفرصة التي يمثلها ربط ميناء جاسك على خليج عمان بسرخس على حدود تركمانستان ومن هناك الى اسيا الوسطى عبر ممر للسكك الحديدية يمر عبر ايرانشهر وزاهدان ومشهد، وكذلك ربط ميناء تشابهار بشلامجة على طول الساحل الخليجي ثم الى البصرة. واوضح التقرير الخط المتمثل بتشابهار-شلامجة، يمكن ان يكون بديلا لخطط تحويل الفاو الى بوابة لعبور البضائع المتجهة الى اوروبا.
تنافس ايران والعراق
وذكر التقرير ان لدى ايران عدد من المخاوف الرئيسية بشان طموحات العراق بخطوط العبور وتعاونه مع الصين، بما في ذلك ضعف موقفها في تجارة الترانزيت الى ان ميناء خرمشهر الايراني المجاور لا يتمتع بنفس الموقع الجيوسياسي مثل الفاو، وهو ما يسلط الضوء على حقيقة عزلة ايران الدولية وتاثير العقوبات.
وبالاضافة الى ذلك، ذكر التقرير ان ايران تشعر بالقلق بشكل خاص من احتمال ان يتغلب عليها العراق كلاعب اقليمي في النقل البحري. وتابع التقرير ان قطاعات النقل والموانئ والعبور واللوجستيات في ايران اصبحت رهينة للسياسة وتاثير التوترات الجيوسياسية والعقوبات الدولية، مضيفا انه الى ان يتغير هذا الوضع، ستظل جهود طهران من اجل تطوير وتوسيع هذه القطاعات تتعرقل، ولن تكون قادرة على تحقيق امكاناتها كقائد اقليمي في النقل والتجارة.
وختم التقرير بالقول ان مشروع ميناء الفاو يوفر العديد من الفرص امام العراق من اجل تعزيز دوره في العبور الاقليمي وموقعه الجيوسياسي، لكن يتحتم عليه اولا معالجة التحديات الداخلية، مثل الفساد والانقسامات السياسية والتحديات الخارجية كالمنافسة الاستثمارية بين الصين والولايات المتحدة.
وتابع قائلا ان ان مشاريع مثل مشروع الفاو تبدو كأنها تمثل تهديدا لبعض الدول، مثل ايران، بينما من المحتمل ان تفيد دولا اخرى، مثل تركيا وقطر وسوريا. واضاف انه بالرغم من الصعود الكبير المحتمل للعراق، اقتصاديا وسياسيا، فانه لن يكون من السهل التغلب على التحديات المرتبطة به.
وخلص الى القول ان المنافسة بين ايران والعراق في ممرات العبور البحرية والبرية الاقليمية، هي مؤشر على التنافس الاقتصادي والسياسي الاوسع بينهما، مضيفا ان مشروع ميناء الفاو الكبير يشكل تحديا كبيرا لجهود ايران لتطوير ميناء تشابهار وترسيخ مكانتها كمركز عبور اقليمي. الا ان التقرير ختم بالقول ان هذه المنافسة بين البلدين لا يجب ان تكون صفرية، اذ ان البلدين بامكانها ان يكسبا الكثير من خلال زيادة التعاون الاقتصادي والتكامل، مضيفا ان نجاح هذه المشاريع الضخمة يعتمد على مجموعة من العوامل، بما في ذلك الاستقرار السياسي والامن الاقليمي واستعداد جميع الاطراف المعنية، العمل معا من اجل تحقيق اهدافهم المشتركة.