شفق نيوز/ تصاعد استخدام الطائرات المسيّرة "الدرون" في تنفيذ عمليات الاستهداف من قبل "فصائل المقاومة الإسلامية" ضد القوات الأمريكية وقوات التحالف الدولي في العراق وسوريا إلى أكثر من 100 هجوم منذ بدء العمليات في 17 تشرين الأول/أكتوبر 2023 ومستمرة حتى اليوم، ويعود لجوء الفصائل لهذا السلاح المتطور لكلفته القليلة وتأثيره الكبير في إلحاق الضرر بالهدف، وفق مراقبين.
وآخر تلك الاستهدافات ما أكده جهاز مكافحة الإرهاب في إقليم كوردستان، أمس الثلاثاء، إحباط هجوم بواسطة طائرة مسيّرة مفخخة على القاعدة العسكرية للتحالف الدولي المناهض لتنظيم داعش في مطار أربيل.
وذكر الجهاز في بيان أن طائرة مسيّرة مفخخة أطلقتها الميليشيات الخارجة عن القانون، حاولت من خلالها في الساعة 9:52 من صباح اليوم استهداف قاعدة للتحالف في مطار أربيل الدولي إلا أنه تم اسقاطها.
وكانت حكومة إقليم كوردستان، قد أفادت يوم الأحد الماضي، بتعرض مقر لقوات البيشمركة في أربيل إلى هجوم بطائرتين مسيّرتين مفخختين نفذته قوة "خارجة عن القانون"، محمّلة الحكومة الاتحادية مسؤولية هذا الهجوم الذي وصفته بـ"الإرهابي".
بدوره وجهّ القائد العام للقوات المسلحة محمد شياع السوداني، بفتح تحقيق شامل بحادثة الاعتداء على حرس إقليم كوردستان الذي وصفه بـ"الإجرامي".
وصعّدت الفصائل الشيعية المسلحة، من هجماتها على القواعد العسكرية لقوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في العراق وسوريا بعد أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي في فلسطين (طوفان الأقصى).
استهداف مختلف
وفي هذا السياق، قال المحلل السياسي، ياسين عزيز، إن استهداف الإقليم قبل يومين كان تطوراً خطيراً من عدة جهات، الأُولى إنه استهدف مقراً تابعاً لقوات البيشمركة التي هي جزء من منظومة الدفاع الوطنية، كما إنه يعد الاستهداف الأول من نوعه بعد أن كانت الاستهدافات الماضية توجه ضد القواعد الأمريكية ومصالحها في مختلف مناطق العراق ومنها في إقليم كوردستان.
لكن الأمر الملفت - بحسب ما تحدث به عزيز لوكالة شفق نيوز - هو ردة الفعل الخجولة والضعيفة للحكومة الاتحادية تجاه هذا الخرق الخطير، وكان الأولى من الحكومة الاتحادية "عدم التركيز على تراشق البيانات مع حكومة الإقليم، والتركيز الفعلي على كشف من يقف وراء هذا الاستهداف، وهذه مهمة القيادة العامة للقوات المسلحة والأجهزة الاستخبارية والأمنية التي تخضع لسلطة رئيس الحكومة الاتحادية".
ولغاية أمس الثلاثاء، أعلنت ما تسمى بـ"المقاومة الإسلامية في العراق"، شن هجمات واسعة على ثلاث قواعد عسكرية للقوات الأمريكية في سوريا.
وذكرت "المقاومة" في بيانات منفصلة وردت للوكالة، أنها واستمراراً بنهجها في "مقاومة قوات الاحتلال الأميركي في العراق والمنطقة، وردّاً على مجازر الكيان الصهيوني بحق أهل غزّة.. هاجم مجاهدو المقاومة الإسلامية في العراق، قاعدة الشدادي المحتلة في سوريا، برشقة صاروخية".
وأشارت إلى أنها أيضاً قصفت "قاعدة الرميلان المحتلة في سوريا، بواسطة الطيران المسيّر"، مضيفة أنها هاجمت "بواسطة الطيران المسيّر، قاعدة المالكية شمال شرق محافظة الحسكة السورية".
الكلفة والتأثير
وتعود هذه الهجمات إلى ما أعلنته "فصائل المقاومة الإسلامية" بأنها سوف تستهدف القواعد التي تستضيف القوات الأمريكية وقوات التحالف الدولي لاشتراكها في العدوان الصهيوني على قطاع غزة، وفق مدير مركز الاعتماد للدراسات العسكرية والاستراتيجية اللواء الركن المتقاعد الدكتور عماد علو.
وبدأت عمليات "فصائل المقاومة" منذ 17 أكتوبر الماضي ومستمرة لغاية اليوم بالتعرض على هذه القواعد في العراق وسوريا عبر استخدام أسلحة متنوعة من ضمنها الطائرات المسيّرة كما تعلن الفصائل عن ذلك في بياناتها.
وعن كثرة استخدامها في العراق، لفت علو، خلال حديثه للوكالة، إلى أن الطائرات المسيّرة هي السلاح المستخدم في الجيوش الحديثة، وهي سلاح فعّال من حيث كلفتها القليلة وتأثيرها الكبير، ونتيجة لذلك بات هذا السلاح في متناول التنظيمات المسلحة في العراق وغيره.
واستخدمت الطائرات المسيّرة بعد ظهور تأثيرها الكبير في مجريات الحرب الروسية الأوكرانية، وهي متوفرة أيضاً لدى القوات المسلحة العراقية، وتعاقد الجيش العراقي مع الصين لاستيراد مثل هذه الطائرات المتطورة.
وهناك طائرات مسيّرة متوفرة في الأسواق، تبدأ أسعارها من 500 دولار وصعوداً، وهناك صفحات عراقية في فيسبوك تبيع هذه الطائرات كما يمكن تصنيعها محلياً، وهناك طائرات تستورد من إيران وغيرها.
لكن هذه الطائرات - بحسب علو - تختلف عن الطائرات التجارية المتوفرة في الأسواق من حيث قدرتها على حمل أوزاناً أكبر لتستطيع حمل مواداً متفجرة.
حرب المسيّرات
من جهته، أشار الخبير الأمني، علاء النشوع، إلى أن تواجد الطائرات المسيّرة هذه الأيام ليس بجديد على المهتمين بالشأن العسكري والأمني الدولي بشكل عام ومنطقة الشرق الأوسط بشكل خاص، فقد صرّح الجنرال كيسي وهو قائد القوات المركزية الأمريكية في عام 2019، أن الحرب المقبلة هي حرب الطائرات المسيّرة في العالم والشرق الأوسط.
وكانت توقعات كيسي بهذا الخصوص صحيحة ومؤكدة، فقد استخدمت بشكل كبير في الحرب الروسية الأوكرانية من كلا الجانبين، وحققت نجاحات ميدانية كبيرة، وأسهمت في تغيير قواعد الاشتباك التعبوي والسوقي في الكثير من الجبهات، وتطور الأمر كثيراً في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة في العراق وسوريا وفلسطين التي تشهد الحرب في غزة.
وقال النشوع خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، إن استخدام الطائرات المسيّرة زاد في مناطق تبتعد عن جغرافية الصراع بشكل يعطي انطباعاً أن المنطقة العربية تعيش حالة قلق وعدم استقرار بسبب تداخل المواقف وتعدد التصريحات وخلط الأوراق التي من خلالها استطاعت إيران وميليشياتها وأذرعها من زيادة التصعيد ومحاولة زج المنطقة بحرب شاملة مستخدمة شعار المقاومة ونصرة القضية الفلسطينية لتحقيق أهدافاً سوقية واستراتيجية.
وأول تلك أهداف، وفق النشوع، إبعاد جغرافية إيران عن أي تدخلات إقليمية ودولية في حال نشوب حرب شاملة، مع إن الضغط الإيراني تزايد بشكل يدعو إلى طرح أسئلة عديدة منها، أن أمريكا ومصالحها وقواعدها تتعرض يومياً إلى قصف بالطائرات المسيّرة، ولا يوجد أي رادع لهذه القوى العاملة التي لا يمكن إيقافها من خلال ردود ضعيفة وخجولة لا تتناسب وحجم القوة العسكرية التي تمتلكها الولايات المتحدة.
وأوضح أن إيران وبعض القوى لها، تعلم جيداً أنها لا تستطيع أن تعلن عن أي عمليات عسكرية مباشرة ضد الولايات المتحدة، لذلك لجأت إلى استخدام حرب المسيّرات ذات التكلفة الأقل عن باقي الأسلحة التي تصل أهدافها مثل الطائرات والصواريخ بعيدة المدى.
فالطائرات العاملة في سلاح الجو لأي دولة يكلفها الكثير من المقدرات والموارد، بالإضافة إلى الخسائر البشرية وصرفيات الوقود والدورات التدريبية.
إذن، فإن استخدام الطائرات المسيّرة يحقق الكثير من الأهداف بأقل ما يمكن من التكلفة، والوصول إلى معرفة تعبئة الخصم وردود فعله في كل الظروف التي تفرضها ضغوط المعركة وتوسعها.
وتعرضت القواعد الأمريكية في العراق وسوريا لأكثر من 100 هجوم بالطائرات المسيّرة واستطاعت أن تقوم بمخادعات سوقية في بعض الأماكن وجعلت من موازين القوى في المنطقة تحسب حسابات جديدة في كيفية فرض سيطرتها وحمايتها.
وعلى وجه الخصوص، الأجواء العراقية الخاضعة للمسيطر الجوي الأمريكي منذ عام 2003، فمع إعلان حرب مباشرة ما بين الفصائل الموالية لإيران والولايات المتحدة في الساحتين العراقية والسورية، كان رجوح الكفة لصالح هذه الميليشيات التي انتشرت بشكل كبير وواضح بعد عام منذ ذلك الحين، بحسب النشوع.
تهديد للطائرات المدنية
وبالعودة إلى عماد علو، فإنه أكد أن الطائرات المسيّرة في حال تعرضها للمطارات فإنها تسبب ارباكاً لحركة الطائرات والنقل الجوي، لأن وجودها ضمن المجال الجوي للمطار قد يعرض الطائرات المدنية للخطر، لذلك يجب ملاحظتها من قبل سلطة الطيران والجهات الأمنية المسؤولة عن أمن المطارات.
واتفق الباحث والاستشاري في شؤون الطيران، فارس الجواري، مع ما ذهب إليه عماد علو، إذ أوضح أن وجود أي جسم طائر قريب من الطائرة يمكن أن يحدث ضرراً عليها لأن بداية محرك الطائرة عبارة عن ساحبة هواء وبدخول أي جسم طائر إلى المحرك سيحدث ضرراً عليها وقد تسقط الطائرة.
وبين الجواري، خلال حديثه للوكالة، أن الطائرة تحلق بارتفاع أعلى من الطائرات المسيّرة "الدرون"، لكن في مرحلة الهبوط أو الاقلاع تكون الطائرة في مستوى طيران الطائرة المسيّرة، لذلك في حال وجود الأخيرة قرب الطائرة قد تحدث كارثة.
وخلص بالقول إلى أن"الطائرة المسيّرة أصبحت في متناول كل شخص وهي منتشرة بكثرة في العالم أجمع وليس في العراق فقط، وليس هناك تنظيم لها للحد من حركتها".
وهناك أنواع وأشكال مختلفة للطائرات المسيّرة، ومن سلبياتها الاستخدام غير الصحيح لها وهو ما يحصل في هذه الأيام من تفخيخ هذه الطائرات وإرسالها إلى أماكن وتفجيرها.
لكن في المقابل لها إيجابيات منها رسم الخرائط وتحديد النقاط، كما دخلت هذه الطائرات المسيّرة في مجالات الزراعة والصناعة والطب وإيصال البريد وغيرها الكثير من الفوائد.