شفق نيوز/ دخلت إيران عهدا جديدا مع إعلان فوز مسعود بزشكيان، الطبيب الجراح والوزير السابق، المتحدر من أصول أذربيجانية وكوردية من جهة والدته، بانتخابات الرئاسة بعد معركة انتخابية تطلبت جولة ثانية بينه وبين المرشح "المحافظ" سعيد جليلي.
وما أن أعلنت النتائج الاولى من صناديق الاقتراع، حتى خرج بزشكيان مخاطبا الايرانيين قائلا "أقسم بشرفي اني لن اترككم وحدكم في هذا الطريق فلا تتركوني لوحدي"، متعهدا بمد "يد الصداقة للجميع لاننا شعب هذا البلد".
وشكل انتصار بزشكيان مفاجأة نوعا بالنسبة لكثيرين، على الرغم من انه تصدر نتائج الجولة الأولى التي جرت قبل أسبوع عندما حصل على نحو 10 ملايين صوت متقدما على جليلي الذي نال نحو 9.4 ملايين صوت، فذهبت التقديرات بأن جليلي سيتمكن من الانتصار في الجولة الثانية لأنه سيحصل على أصوات الناخبين المحافظين الذين كانوا صوتوا للمرشحين الآخرين خصوصا محمد باقر قاليباف و مصطفى بور محمدي.
لكن ذلك لم يتحقق مثلما اشتهى جليلي، اذ يبدو ان بزشكيان نجح في استمالة شريحة أكبر من الايرانيين الذين لم يدلوا بأصواتهم في الجولة الاولى، وارتفعت أعداد المشاركين إلى أكثر من 30 مليون ناخب، حصل منهم بزشكيان على اكثر من 16 مليون صوت، مقابل جليلي الذي حصل على 13 مليون صوت.
وبحسب وزارة الداخلية الإيرانية، فقد حصل بزشكيان على 53.67% مقابل %44.34 لجليلي.
وللدلالة على نجاح التيار الإصلاحي في استمالة الناخبين المترددين أو "الرماديين"، فإن نسبة الاقتراع غير نهائية حتى الآن، سجلت 49.8%، مقارنة ب40% فقط سجلت في الدورة الاولى.
ومن المبكر القول ما اذا كان بزشكيان سينجح في تخطي ما وصفه في كلمته للإيرانيين بـ"الطريق الصعب الذي أمامنا، لكنه يراهن على التصاق شعبي اكبر بمؤسسة الحكم في طهران بقوله للايرانيين ان "الطريق لن يكون سلسا إلا برفقتكم وتعاطفكم وثقتكم"، وهو موقف يعكس بالتأكيد رهانات مؤسسات الدولة ورجالاتها، خصوصا من جانب مرشد الجمهورية علي خامنئي، الذي يحرص على إظهار ارتباط النظام بالشعب كرسالة واضحة للغرب.
وبخلاف نظرية "الأبيض أو الأسود" في النظرة الى مشهد التنافس الايراني في الانتخابات، فان فوز بزشكيان، وبرغم انتمائه الى التيار الإصلاحي، فانه لا يشكل اخلالا بموازين الحكم، وإنما كما يقول مراقبون، محاولة "تجميل" إن صح التعبير، لصورة السلطة، موجهة نحو الداخل والخارج على السواء.
وسبق لـ بزشكيان أن تولى حقيبة الصحة في حكومة الإصلاحيين للرئيس الأسبق محمد خاتمي (2001-2005)، كما عمل من داخل البرلمان بتوليه منصب نائب رئيس مجلس الشورى بين عامي 2016 و2020. لكنه أيضا من الجنود القدامى الذين قاتلوا في الحرب العراقية-الايرانية، وعمل كطبيب ومقاتل.
وبزشكيان من مواليد مهاباد، وهو من اصول اذربيجانية وامه من اصول كوردية، وخدم عسكريا في محافظة سيستان وبلوشستان العام 1973.
وخلال الحرب مع العراق، استكمل دورة الطب العام وبدأ التدريس ايضا، ونال اجازة في الجراحة العامة من جامعة تبريز العام 1990 ، كما تولى رئاسة جامعة تبريز للعلوم الطبية بين عامي 1995 و2001، ودخل البرلمان في العام 2006 عن محافظة أذربيجان الشرقية.
وخاض معركته الانتخابية الحالية وبرفقته وزير الخارجية الأسبق محمد جواد ظريف الذي وجه العديد من الانتقادات لأداء التيار المحافظ في السنوات الماضية، بينما يقول العديد من المراقبين ان عهد بزشكيان سيكون بمثابة امتداد لعهدي الرئيس الأسبق حسن روحاني.
وفي حملته الانتخابية، كان يدعو الى إصلاحات جذرية في النظام الإداري للدولة، وينادي بتطبيق سياسات تنموية أفضل في المحافظات والتركيز على دعم المناطق المهمشة على غرار كوردستان وسيستان وبلوشستان وخوزستان، بالاضافة الى ان مواقفه من قضية فرض الحجاب، أقل تشددا من منافسيه المحافظين.
ومما رصد حوله أيضا من مواقف، انه من دعاة تعزيز العلاقات مع دول الجوار العربية والإسلامية، وهي نهج طان عززه الرئيس ابراهيم رئيسي الذي قتل في حادث الطائرة منذ أسابيع.
اما في موضوع العلاقات مع الغرب، فان بزشكيان، من دعاة تحسين العلاقات مع الغرب فيما يتعلق خصوصا بمستقبل المفاوضات النووية، بهدف تخفيف حدة العقوبات عن المواطنين الإيرانيين.
لكن المراقبين يلفتون إلى أن نهج الانفتاح على الغرب مني بنكستين كبيرتين، الأولى في عهد خاتمي الذي كان يضم بزشكيان في صفوفه، عندما كان ينادي بحوار الحضارات والثقافات، لكن الأمريكيين أطلقوا "الحرب على الارهاب"، و"طوقوا" إيران من جهة أفغانستان بعد غزوها، ثم من جهة الغرب بعد غزوهم العراق العام 2003، وهو ما أثار قلق الإيرانيين ومخاوفهم، ومهد ذلك لصعود الشخصية المحافظة احمدي نجاد الى الرئاسة.
أما النكسة الثانية فتمثلت بابرام الاتفاق النووي العام 2015 مع الغرب، والذي جاءت ادارة دونالد ترامب سريعا لتنقلب عليه، وتطبق ضد طهران سياسة العقوبات الأقصى.
ويبدو أن اي وجهة سيسير فيها بزشكيان، لن تكتمل صورتها ربما قبل تشكيل حكومته وبدء عملها. ولهذا، فإن تداعيات الانتخابات الـ14 لانتخابات الرئاسة الايرانية، لن تكون مجرد حسابات بسيطة بالارقام.
اعداد وكالة شفق نيوز