شفق نيوز / عد تقرير لمركز أبحاث أمريكي، اليوم الجمعة، أن هناك تناقضاً في تصورات حول دور الولايات المتحدة في العراق في ظل التطورات الحالية، وفيما تساءل عن أهداف "الخضة" الصدرية في ظل التظاهرات التي يقودها، أكد أن المأزق العميق في العراق لن يتم كسره قريبا والتغيير يكمن بعملية سياسية معبرة عن "إرادة" العراقيين.
وقال "معهد السلام الأمريكي" للأبحاث في قراءة الأحداث العراقية الحالية، إن "مصلحة واشنطن في عراق مستقر وآمن وقدرتها على العمل مع قوى عراقية ودولية عدة من أجل تحقيق ذلك"، متسائلا عما "يسعى اليه الزعيم الصدري مقتدى الصدر من خلال إحداث هذه الخضة في السياسة العراقية".
وذكّر تقرير المعهد الممول من الكونغرس الأمريكي، بــ"اقتحام الصدريين مبنى البرلمان، ومحاولات الصدر خلال الشهور العشرة الماضية تشكيل الحكومة، واستقالة النواب الصدريين من البرلمان"، مبيناً أن "استقرار البلد ما زال على المحك في ظل استمرار هذه المواجهة بين التيار الصدري وخصومه السياسيين".
ولفت التقرير إلى "وجود مشاعر مختلطة بين العراقيين حول أهداف الصدر والتكتيكات التي يعتمدها، إلا أن شريحة كبيرة من الرأي العام ينظرون إليه على أنه عنصر مطلوب للتغيير في ظل فشل النظام السياسي العراقي".
وبعدما أشار إلى النتائج التي أفرزتها انتخابات 2021، ومسعى الصدر لتشكيل حكومة الاغلبية، عوضاً عن حكومة التوافق الوطني التي ميزت تشكيل الحكومات منذ العام 2003، لفت التقرير إلى "قرار المحكمة العليا الذي أكد على أن قراءة المادة 70 من الدستور، تعني أن هناك حاجة لأغلبية الثلثين عندما يجتمع النواب لاختيار رئيس للجمهورية الذي بدوره يكلف رئيس الوزراء الجديد، وهو شرط لم يتمكن الصدر من تحقيقه".
ولفت التقرير الامريكي إلى "نقطة مثيرة للاهتمام، وهي أن المطلب الدستوري كان يهدف فيما مضى إلى ضمان عدم تهميش الاغلبية العربية، للكورد في عملية تشكيل الحكومة، كما أنه بالنسبة الى السنة، فإن الهدف كان هو ضمان أن الكورد والشيعة لن يعمدوا الى تهميشهم"، مبيناً أن "هذه الضمانة الدستورية جاءت هذه المرة لصالح (الاطار التنسيقي)، بدلاً من خدمة أهداف السنة والكورد المتحالفين مع الصدر".
وبين التقرير في هذا الصدد؛ أن "هذا البند الدستوري تسبب في منع العملية السياسية من التقدم في ظل عدم وجود الإجماع الكبير، ليخدم بذلك جماعة مختلفة عن المكونات التي المقصود أن يخدمها في الأصل".
وطرح التقرير تساؤلات "عما يريده الصدر من خلال استقالة نوابه، وعما إذا كان تلقى تهديداً يجبره على الخروج، ومسارعة الإطار التنسيقي الى استبدال نوابه المستقيلين"، لافتاً إلى أن "خصومه لم يؤيدوا دعوته لاسقاط النظام السياسي واشعال اقتتال شيعي، كما ان المرجعية العليا في النجف والمجتمع الدولي، لم يؤيدوا تحركاً صدرياً في هذا الإطار، في حين أن ايران رفضت بالطبع اخراج حلفائها من السلطة أو إشعال صراع شيعي داخلي".
واعتبر التقرير أنه في "تفكير خصوم الصدر، فإن الحرب الروسية في أوكرانيا بدلت الأمور، والولايات المتحدة وأوروبا بحاجة الى موارد الطاقة العراقية، اذ فيما وصل إنتاج دول الخليج من النفط والغاز إلى مستوياته القصوى، فان بامكان العراق التعويض وزيادة انتاجه، ولهذا فانهم يعتقدون ان واشنطن وبروكسل بامكانهما تقبل وجود حكومة يشكلها الإطار التنسيقي تضع في اولوياتها إنتاج الطاقة بدلا من الإصلاح وغيرها من قضايا الحوكمة".
هل هناك دور للولايات المتحدة؟
واشار التقرير الى "وجود تناقض في التصورات حول دور الولايات المتحدة في العراق"، موضحاً ان "هناك اعتقاد عام بانه بلا موافقة واشنطن وطهران، لن يتم تعيين أي رئيس للحكومة كما أنه ليس بمقدوره النجاح بلا موافقتهما".
وفي المقابل، هناك أيضا "اعتقاد بين العديد من الجهات الفاعلة سياسياً بأن دور الولايات المتحدة ونفوذها قد تراجعا بشكل كبير".
وبرغم ذلك، يقول التقرير أنه "رغم وجود تاريخ صعب يجمع بين الصدر والولايات المتحدة، فان البعض يعتقد ان واشنطن فضلت تشكيل الصدر لحكومة بهدف تقوية موقف العراق في مواجهة إيران وحلفائها المسلحين"، لافتا في الوقت ذاته "وفيما قد يكون هناك براغماتيون يعتقدون أن هذا هو الوسيلة الأفضل للحد من نفوذ إيران في العراق، غير أن آخرين متفاجئون من أنه يتم النظر إلى الصدر على انه مناهض لإيران بينما هو يشاركها نفس القيم مع الثيوقراطية".
وفي المجمل، يعتبر التقرير أن "هناك مصلحة للولايات المتحدة في عراق ديمقراطي ومستقر وسلمي ويتمتع بالسيادة"، مضيفاً أن "بإمكان واشنطن العمل مع حلفائها الأوروبيين والأمم المتحدة عبر الطيف السياسي العراقي من أجل تشجيع الحوار بين مختلف الجهات الفاعلة لمنع العنف، وكسر الجمود السياسي وتمكين الحكم الناجح".
إلى أين يتجه العراق من هنا؟
وأشار التقرير الى ان "تطورات عديدة شهدها العراق مؤخرا كان من الممكن ان تقود الى اندلاع صراع عنيف، بما في ذلك محاولة اغتيال رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، ومهاجمة مكاتب الحزب الديمقراطي الكوردستاني ورئيس مجلس النواب الحلبوسي، الا ان النظام السياسي العراقي والجهات الفاعلة السياسية الرئيسية اظهرت قدرتها على امتصاص هذه الصدمات ومنع اندلاع عنف واسع".
وذكر التقرير أن "زعماء العشائر وقادة المجتمع المدني والمعلقين الإعلاميين والجمهور العراقي حثوا القادة السياسيين على تسوية خلافاتهم عبر الحوار والعمل من أجل خدمة الناس وليس مصالحهم الخاصة"، إلا ان هذه المرونة لا يجب النظر اليها على انها من الامور المسلم بها ولا يجب الاستهانة بخطر العنف، لان الصدر وخصومه لديهم قوات مسلحة والاتباع في الشارع".
واعتبر التقرير أن "عدم رغبة اللاعبين السياسيين في تقبل الآخر أو آرائهم هو القضية الحقيقية في الفضاء السياسي العراقي، وليس انعدام الثقة".
وفيما لفت التقرير الى ان "الدستور العراقي بالرغم من عيوبه، إلا أنه يتضمن المبادئ والضمانات الرئيسية لدولة ديمقراطية وتعددية وشاملة ومستقرة وسلمية"، مبيناً أن "الأطراف المختلفة لا تنفذ جوانب مختلفة من الدستور لأنهم لا يقبلونها او لا يتقبلون تفسيرها من قبل الآخرين".
واعتبر التقرير أنه "بالرغم من العديد من التغييرات التي جرت في العراق، الا ان القضايا الاساسية هي نفسها، حيث هناك اختلال في توازن القوى، واستمرار عدم الرغبة في تقبل الآخر، ولا تبذل سوى جهود محدودة لتنفيذ ما يجري الاتفاق حوله، كما أن الطبقة السياسية منفصلة عن معاناة الناس وتتصرف بلا مبالاة".
وأقر التقرير ان "لإيران وتركيا ودول اخرى نفوذ قوي في العراق، وان الأزمة الحالية تعتبر بمثابة فرصة اضافية لتعزيز هذا النفوذ"، الا انه في الوقت ذاته أن "الخلل الداخلي في العراق هو الذي يؤمن مساحة للآخرين لممارسة نفوذهم، ولهذا فإن حل مشاكل العراق أو التقليل من حدتها، يتحقق في حال عمل العراقيون مع بعضهم البعض بشكل أفضل".
وأوضح التقرير الامريكي أن "العراق ما زال مهما لاستقرار المنطقة ولمصالح الأمن القومي للقوى الاقليمية والعالمية"، مشيرا الى ان "العراق يمتلك العديد من العناصر اللازمة من أجل تحقيق التغيير الإيجابي، بما في ذلك جيل الشباب الناشط بشكل متزايد والمجتمع المدني، وزعماء العشائر الذين يتمتعون بعقلية الحكم، بالاضافة الى ديناميكية المشهد الاعلامي الذي يعكس العديد من وجهات النظر، الى جانب نفوذ آية الله العظمى علي السيستاني، الذي ينحاز غالبا الى مطالب العراقيين بالتغيير".
وخلص التقرير الى القول إنه "برغم الجهود لكسر ازمة البلد السياسية، الا ان المأزق العميق في العراق لن يتم كسره قريبا"، مضيفا ان "التغيير الحقيقي ممكن في حال صارت العملية السياسية معبرة بدرجة أكبر عن ارادة العراقيين، نتيجة عدم مشاركة أكثر من 60% منهم لم يشاركوا في انتخابات تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ولم يوافقوا على هذه الطبقة السياسية".
ترجمة: وكالة شفق نيوز