شفق نيوز/ استعاد موقع "إذاعة آر تي ايه" الايرلندي قصة ممرضة ايرلندية أمضت سنوات من العمل في العراق خلال الحرب العالمية الأولى، والتي تظهر الظروف الصعبة في تلك المرحلة بما فيها تحديات الحرب والأمراض والأحوال المناخية القاسية.
وبحسب التقرير، فقد عملت آنا ميني، في البصرة والعمارة وبغداد في العام 1916، وواجهت العمل في ظروف خطيرة في ظل انتشار أمراض مثل الملاريا والحمى الراجعة والطاعون، واستمر نشاطها في العراق أكثر من 3 سنوات.
ولفت التقرير البريطاني الذي ترجمته وكالة شفق نيوز؛ إلى أن آنا ميني، وشقيقتها هانا، وهما من مدينة واترفورد الايرلندية، كان من ضمن الممرضات العشرة آلاف اللواتي خدمن في مؤسسة مؤسسة الملكة الكسندرا للخدمات التمريضية، التابعة للجيش البريطاني. وعندما اندلعت الحرب العالمية الأولى، توجهت هانا، الى فرنسا، أما آنا فتوجهت الى العراق حيث اصبحت الأمراض القاتلة بمثابة العدو الحقيقي.
وتابع التقرير أن ابن اخيها الاكبر بول لوبي هو الذي روى قصة حياتها، مشيرا الى انها ولدت في العام 1890 في مقاطعة واترفورد، وتلقت تعليمها في مدرسة "دير يسوع ومريم" في ويليسدن في لندن، قبل أن تعود إلى مستوصف المقاطعة والمدينة في واترفورد لتتدرب كممرضة مع اختها الكبرى، هانا.
وذكر التقرير أن آنا كانت تبلغ من العمر 25 عاما عندما اندلعت الحرب العالمية الأولى في آب/ أغسطس 1914، مشيرا إلى أنه مع نهاية ذلك العام، كان الجيش البريطاني قد تكبد 90 ألف ضحية على الجبهة الغربية. وتابع قائلا إنه بينما كانت المستشفيات العسكرية تعاني من الأعداد الهائلة من الجرحى، صدرت الدعوة للممرضات لكي ينخرطن في الخدمة، حيث وقعت أكثر من 2200 امراة عقودا مع مؤسسة التمريض الوحيدة التابعة للجيش وقتها بحلول نهاية العام 1914، بينما تم تجنيد 12 الف امراة على مدار سنوات الحرب، من بينهم آنا التي تقدمت بطلب للانضمام الى الاحتياط في 15 نيسان/ ابريل العام 1915.
وبعد فترة خدمة قصيرة في بريطانيا نفسها مع جرحى الحرب، قال التقرير إن آنا غادرت الى منصب جديد في 11 حزيران/ يونيو 1916، وشمل خط سير رحلتها جبل طارق والسويس وعدن وبومباي، واخيرا، في 5 اكتوبر/تشرين الاول العام 1916، وصلت الى ميناء البصرة، في ما كان يعرف آنذاك باسم بلاد ما بين النهرين.
وتابع التقرير أن آنا على مدى السنوات الثلاث التالية، خدمت في المستشفيات العسكرية في البصرة والعمارة وبغداد، فيما كانت الحرب في بلاد ما بين النهرين قد احتدمت.
مناخ قاسٍ
وذكر التقرير أن الجنود والممرضات عانوا من الظروف المناخية القاسية في العراق حيث كان الصيف شديد الحرارة، حيث كانت تصل إلى الأربعينيات وحتى الخمسينيات مئوية. واضاف انه الحراة في البصرة كانت متفاقمة بسبب ارتفاع نسبة الرطوبة، وتسببت ضربات الشمس في مرض ومقتل الآلاف، بينما كانت آنا وغيرها من الممرضات، يعملون بلا تكييف الهواء، وأنشأوا أجنحة خاصة مزودة بمراوح كهربائية وثلج لتأمين بعض البرودة للمرضى.
واشار التقرير الى ان حالات الحمى كانت مميتة بشكل خاص في ظل درجات الحرارة العالية، وكان يتم تغطية المرضى باغطية مبللة ووضعهم تحت مراوح في الجزء الأكثر برودة من الجناح. واضاف ان حلول فصل الشتاء، لم يكن أحسن حالا بكثير، إذ في الفترة بين نوفمبر/ تشرين الثاني وابريل/ نيسان، فان الأمطار الغزيرة أدت إلى تحويل الشوارع غير المعبدة الى مستنقعات من الطين، بينما تسببت فيضانات نهر دجلة والفرات على إلى غمر مناطق واسعة.
وتابع التقرير أن الرياح الآتية من الشمال، جلبت الغبار والهواء البارد من جبال الأناضول المغطاة بالثلوج، في حين ان الخيام وأماكن الإقامة المخصصة للطقس الحار، لم توفر أي حماية عازلة ضد برد الشتاء، في وقت سعت الممرضات عبثا الى تدفئة القاعات المعرّضة للتيار الهوائي، من خلال مواقد محمولة لتدفئة المرضى.
المرض القاتل
وذكر التقرير انه لم يكن من المستغرب أن تتسبب الأمراض في وقوع إصابات في بلاد العراق اكثر من أفعال العدو، مشيرا الى ان اسراب البعوض وذبابة الرمل كانت تتسبب بتفشي الملاريا وحمى ذبابة الرمل، بينما كانت الامراض الشائعة الاخرى التي تنقلها الحشرات، كانت تتضمن التيفوس والحمى الراجعة والطاعون الدبلي.
وبالإضافة إلى ذلك، لفت التقرير إلى أن الأغذية والمياه الملوثة كانت تتسبب في إصابات امراض التيفوئيد والدوسنتاريا الاميبية والبكتيرية الى جانب الكوليرا.
وبحسب التقرير، فإنه ما بين عامي 1914 و1918، قتل أكثر من 11 الف جندي بريطاني وهندي أثناء الحرب في بلاد ما بين النهرين، بينما اصيب اكثر من 50 ألفا آخرين، كما جرى ادخال اكثر من 820 ألف شخص الى المستشفى لأسباب "غير قتالية"، أي بمعدل دخولين الى المستشفى لكل رجل.
وتابع التقرير أن أفراد الطاقم الطبي لم يكونوا أكثر تحصينا حيث اصيبت آنا، بثلاث نوبات من "الوهن"، الاولى في أبريل/ نيسان 1917 في العمارة، والثانية في يوليو/تموز 1918 في بغداد، والثالثة في أبريل/ نيسان 1919 في البصرة.
لا هدنة مع المرض
واشار التقرير الى ان الدولة العثمانية وقعت في 30 تشرين الأول/ أكتوبر العام 1918، هدنة مودروس، منهية بذلك انخراطها في الحرب، وانتهت حملة بلاد ما بين النهرين، وبعدها باسبوعين ايضا انتهت بذلك الحرب العالمية الاولى، الا انه لم تكن هناك هدنة مع المرض حيث استمر نشاط آنا وزميلاتها الممرضات، وبقيت هي في بغداد حتى منتصف شباط/ فبراير العام 1919 قبل أن يتم استدعاؤها إلى البصرة.
خلال السنوات ال3 التي أمضتها في بلاد ما بين النهرين، حصلت آنا على اجازة لمدة 3 شهور فقط بين يناير/ كانون الثاني وآذار/ مارس العام 1918، والتي أمضتها في الهند. ولفت التقرير إلى أن آنا تمت مكافأتها على تفانيها في العمل وترقيتها أكثر من مرة لجهودها في رعاية الجرحى والمرضى.
وختم التقرير بأن آنا غادرت في 4 ايار/ مايو العام 1919، البصرة إلى بومباي، ثم الى ساوثهامبتون في 12 تشرين الثاني/ نوفمبر 1919، وجرى تسريحها رسميا في 15 ديسمبر/ كانون الأول، بعدما عملت اكثر من 4 سنوات لمؤسسة التمريض العسكرية. لكن آنا لم توقف نشاطها في ميدان التمريض، حيث انضمت لاحقا الى طاقم مستشفى للمحاربين القدامى في دبلن. وكانت تساهم في رعاية الجنود الذي يعانون من الجروح الجسدية والنفسية بسبب الحرب.
وكانت آنا تزوجت في العام 1941 من ريتشارد بي كوين، وهو من قدامى المحاربين الايرلنديين في الحرب العالمية الأولى، لكن حياتهما الزوجية كانت قصيرة، حيث توفي ريتشارد بعد 8 سنوات فقط عن عمر يناهز 56 عاما. ولم تتزوج آنا مرة أخرى، وعاشت هي في بوترس تاون، في دبلن، حتى وفاتها في تشرين الثاني/ نوفمبر العام 1979، ودفنت إلى جانب زوجها الراحل
.ترجمة: وكالة شفق نيوز