شفق نيوز/ هاجم المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي، الولايات المتحدة وإسرائيل بسبب مواقفهما من إيران، واتهمهما بعرقلة التسوية معها، وبدورهما في محاولة محاصرتها وعزلها، منتقدا تستر واشنطن على الترسانة النووية لاسرائيل، وطمس أي محاولة لفتح النقاش حولها.
وفي مقدمة المقابلة مع موقع "تروث أوت" الأمريكي، ذكر التقرير الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، ان الولايات المتحدة خلال العقود الأولى من حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، تعاملت مع ايران على انها واحدة من أقرب حلفائها الجيوستراتيجيين، خاصة بعد أن أطاحت وكالة الاستخبارات المركزية "سي ىي ايه"، بالحكومة الايرانية المنتخبة ديمقراطيا في العام 1953 وأعادت محمد رضا بهلوي كزعيم لإيران.
وتابع التقرير أنه خلال العقدين الماضيين، كانت القضية الشائكة في العلاقة بين واشنطن وطهران تتمثل في البرنامج النووي لإيران، الذي تقول طهران انه ليس عسكريا، ومع ذلك، فإن اسرائيل عارضت البرنامج بقوة، برغم ان اسرائيل نفسها قوة نووية.
واشار الى ان ايران وعدداً من الدول الأخرى بمن فيها الولايات المتحدة، توصلت في العام 2015 الى "اتفاقية خطة العمل الشاملة المشتركة"، والتي تتطلب من إيران تفكيك جانب كبير من برنامجها النووي وفتح منشآتها امام عمليات التفتيش، الا ان ادارة الرئيس دونالد ترامب سحب اعتراف واشنطن بالاتفاقية، بينما استمرت اسرائيل بسياسة التخريب واغتيال العلماء.
ومع توقف المفاوضات النووية بين واشنطن وطهران لاحياء الاتفاق، في ظل وجود امل ضئيل في احراز تقدم قريبا، فيما تحمل الولايات المتحدة طهران مسؤولية ذلك، فان تشومسكي وهو ايضا مؤرخ وناشط سياسي بارز، يعتبر ان الدعاية الامريكية تشوه بشكل كبير حقيقة الوضع، وان العراقيل امام الدبلوماسية ليست سوى اسرائيل والولايات المتحدة نفسهما.
وردا على سؤال حول الكراهية المتبادلة بين الولايات المتحدة وايران، وطبيعة دور اسرائيل في "الدراما المستمرة"، قال تشومسكي ان اتفاق "اطار العمل" بأكمله الذي تتم فيه مناقشة هذه القضية مشوه بشكل خطير، مشيرا الى انه يعكس نظام الدعاية الامريكية.
وذكر تشومسكي بأن الحكومة الامريكية تقول منذ سنوات ان البرنامج النووي الايراني هو احد اخطر ما يمس السلام العالمي، بينما قالت السلطات الاسرائيلية انها لن تتسامح مع هذا الخطر، مضيفا ان الدولتين تحركتا بعنف لمواجهة هذا التهديد من خلال الحرب الالكترونية والتخريب والاغتيالات العديدة التي طالت علماء إيرانيين، والتهديد المستمر باستخدام القوة ما يمثل انتهاكا للقانون الدولي وللدستور الامريكي.
وذكر تشومسكي بأنه حتى وكالة الاستخبارات الامريكية كانت تقول انه قبل تفكيك الولايات المتحدة للاتفاقية المشتركة بشأن الاسلحة النووية، كانت عمليات التفتيش الدولية على البرنامج النووي الايراني ناجحة.
ولفت تشومسكي الى ان انشاء منطقة خالية من الاسلحة النووية في الشرق الاوسط، من شأنه ان يحل "المشكلة المزعجة" للبرنامج النووي الايراني، ويضع حدا للتهديد الخطير بالحرب، متسائلا عن الجهة التي تقف عائقا امام ذلك، قبل ان يضيف انها ليست الدول العربية اذ انها تطالب بذلك منذ عقود، كما ان ايران نفسها تؤيد ذلك، بالاضافة الى "مجموعة ال77" والدول ال132 النامية، وبالإضافة الى الدول الأوروبية، وهو ما يمثل غالبية دول العالم.
واعتبر تشومسكي ان "العائق، بالقيم المتطرفة المعتادة المتمثلة بالولايات المتحدة واسرائيل". واوضح ان "الاسباب معروفة للجميع، فالولايات المتحدة لن تسمح بخضوع الترسانة النووية الإسرائيلية الضخمة، والوحيدة في المنطقة، للتفتيش الدولي".
واوضح تشومسكي ان "الولايات المتحدة لا تعترف رسميا بأن اسرائيل تمتلك اسلحة نووية، والمرجح ان سبب ذلك هو ان قيامها بذلك يعني المساس بقانون اميركي من شأنه ان يجعل تدفق المساعدات الامريكية الضخمة الى اسرائيل غير قانوني".
واكد تشومسكي ان كل هذا غير خاضع للنقاش تقريبا في الولايات المتحدة، مشيرا الى ان وسائل اعلامية اقتربت في مناسبات نادرة من طرح هذا الموضوع المحظور، حيث نشرت مثلا صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا منذ عام تحت عنوان "طريق واحد الى الامام ازاء ايران: خليج فارسي خال من الأسلحة النووية".
ولاحظ تشومسكي استخدام تعبير "الخليج الفارسي، وليس الشرق الاوسط"، مضيفا التقرير تحدث عن ان اسلحة اسرائيل النووية "غير معترف بها وغير قابلة للتفاوض".
الا ان تشومسكي اوضح ان الحقيقة هي انه "غير معترف بها من قبل الولايات المتحدة وغير قابلة للتفاوض من قبل الولايات المتحدة".
وبرغم نظام الدعاية الاميركية العظمية، اشار تشومسكي الى محاولة لطمس حقيقة اخرى تتمثل في الازمة الحالية ظهرت عندما دمرت الولايات المتحدة من جانب واحد "خطة العمل الشاملة المشتركة"، برغم اعتراض جميع الموقعين الاخرين ومجلس الامن الدولي الذي كان صادق عليه بالاجماع، وانه بالاضافة الى ذلك، فان الولايات المتحدة فرضت لاحقا عقوبات قاسية على ايران بهدف معاقبتها.
ولفت تشومسكي الى ان الموقعين الاخرين على الاتفاق النووي "رفضوا لكنهم اطاعوا"، موضحا "ان التهديد الامريكي بالانتقام رهيب".
وحول اسرائيل، قال تشومسكي ان "دورها هو اكثر من لاعب الظل"، مؤكدا ان اسرائيل تقف في قلب القصة، سواء من خلال هجماتها المستمرة على ايران او من خلال الترسانة النووية "غير المعترف بها" التي تعيق الطريق الى تسوية دبلوماسية، وذلك بفضل واشنطن التي وصفها بانها "حامية القوة العظمى لها".
وردا على سؤال حول الكراهية المتبادلة، استعاد تشومسكي ان الحكومتين كانت حلفيتان منذ العام 1953 الى ان "أطاحت واشنطن الحكومة المنتخبة في ايران واعادت تثبيت ديكتاتورية الشاه، وصولا الى العام 1979، عندما اطاحت انتفاضة شعبية بالشاه وتحولت ايران من الصديق المفضل الى العدو المكروه".
وتابع قائلا ان "بعد ذلك تحولت ادارة رونالد ريغان الى داعم بسخاء لصديقها صدام حسين، بينما تكبدت ايران خسائر جسيمة خلال الحرب بين البلدين، وتعرضت لهجمات بالاسلحة الكيماوية بينما اشاح الريغانيون انظارهم بعيدا بل وحاولوا تحميل المسؤولية الى ايران عن حرب صدام الكيماوية المميتة ضد الكورد في العراق".
وبعدها قال تشومسكي ان "التدخل الأمريكي المباشر ادى الى ميلان الحرب لصالح العراق، وبعد الحرب ، دعا الرئيس جورج بوش الاب المهندسين النوويين العراقيين الى الولايات المتحدة من اجل تقلي تدريب متطور في تصنيع الاسلحة، وهو ما يمثل تهديدا خطيرا لايران بالطبع، ثم فرضت الولايات المتحدة عقوبات قاسية على ايران، ولهذا فان القصة تستمر على هذا المنوال".
وبعدما اعتبر ان المفاوضات النووية من خلال وسطاء اوروبيين، قد تم تعليقها الى ما بعد الانتخابات الامريكية في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، اشار الى التقارب الحاصل بين ايران وروسيا منذ بداية الحرب الاوكرانية واحتمال ابتعاد ايران اكثر عن الغرب، قائلا ان "علاقات ايران الوثيقة مع روسيا تعتبر جزءا من عملية اعادة ترتيب عالمية، وتشمل ايضا الدول الاسيوية الكبرى والروابط بين روسيا والصين".
وفي رد على سؤال عن احتمال قيام اسرائيل بمهاجمة المنشآت النووية الايرانية، قال تشومسكي ان "اسرائيل قامت بمهاجمة هذه المنشآت بشكل متكرر من خلال التخريب والاغتيال، ومن المرجح ان تواصل بذل المزيد من الجهود لمنع ايران من امتلاك القدرة على انتاج اسلحة نووية التي تملكها العديد من الدول".
وختم تشومسكي بالاشارة الى ان قادة ايران ادعوا باستمرار بانه ليس لديهم النية لانتاج اسلحة نووية، الا انه اصاف انه "ليس لدي اي فكرة عما قد يكون عليه تفكيرهم الاستراتيجي"، لكنه لم يستبعد ان يكون تفكيرهم مشابها للعقيدة النووية الامريكية منذ الحرب الباردة، بانه "يجب ان تكون الاسلحة النووية متاحة دائما وجاهزة" لانها بمثابة ردع.
وخلص في المقابلة الى التأكيد على موقفه القائل بانه "مهما كانت الدوافع لايران او اي دولة اخرى، فان هذه الاسلحة (النووية) يجب ان تزال عن الارض، من اجل امن كل الحياة على الارض".