شفق نيوز/ كأن لا مكان للابتهاج في شوارع مدينة الصدر وأزقتها الفقيرة المتهالكة. لا مهرجانات تعكس حماسة المواطنين وفرحهم بآمال التغيير من خلال المنافسة الانتخابية البعيدة عنهم مسافة أيام فقط قبل فتح صناديق الاقتراع في 10 تشرين الأول أكتوبر المقبل.
تترك المدينة التي يقطنها نحو 4 ملايين شخص، ومساحتها حوالى 13 كيلومترا مربعا، تحت وطأة اهمالها المزمن. تتعاقب الحكومات منذ ما بعد العام 2003، لكن المرارة واضحة في مدينة الصدر التي تعتقل من أهم معاقل التيار المؤيد لمقتدى الصدر، أو هكذا على الورق.
وجالت وكالة شفق نيوز في مدينة الصدر لترصد هذه المرارة من أن كل مسيرة المدينة ومعاناتها منذ مرحلة القمع الصدامي، وصولا الى ما حل بها من ألم وموت في مرحلة المواجهات الدموية مع القوات الامريكية، ثم الصراع الطائفي وفي تعاقب الانتحاريين والسيارات المفخخة على أهلها وأطفالها وشوارعها، وصولا الى تفشي المرض فيها خاصة مع فيروس كورونا، لم تشفع لها لتحظى ولو بقليل اهتمام من السلطات والهيئات الحكومية او حتى الحزبية التي تتصرف كأنها لا تعترف بوجود هذه المساحة المنكوبة، سوى عندما تحين المواسم الانتخابية.
ويتمنى أهل مدينة الصدر لو ان بعض الاهتمام المأمول يأتي على شكل تطوير وتحسين لحياتهم، ولو بنسبة متواضعة، لهذه البقعة الجغرافية التي دائما ما توصف بأنها بين أكثر مناطق العراق فقرا، والاعلى كثافة سكانيا، وبالتالي، للمفارقة، احد الخزانات الاكبر للأصوات الانتخابية في بغداد.
ولهذا، فإن احزابا مختلفة تنظر بلهفة الان الى هذه المدينة التي برغم انها من معاقل الصدريين، فانه تضم موالين لقوى وتيارات سياسية شيعية عدة، وهي بالتالي تحاول السيطرة على الاصوات الانتخابية فيها.
العشوائية صفة يمكن ملاحظتها بوضوح في مدينة الصدر، في مبانيها وشوارعها وحتى في مشاعر أهلها، وجلهم من جيل الشباب، المحبطين من تراكم الخيبات من كل الاطراف برغم ان التيارات الشيعية الاسلامية تضع امالها عليهم سياسيا.
ويقول شاب من مدينة الصدر، رفض الكشف عن اسمه، "لا أشارك في انتخابات يقودها قتلة اخواني واصدقائي عندما انتفضنا على واقعنا المرير الذي نعيشه"، في اشارة الى تظاهرات أكتوبر 2019.
وتابع الشاب لوكالة شفق نيوز، "اختطفونا والآن يأتون الى شوارعنا بحجة انهم لطفاء ويطالبوننا بالانتخاب بحجة تحقيق المطالب وكأنما نحن مجرد سلع يأتون الينا في اوقات محددة وهي فترة الانتخابات".
الواقع المرير الذي يشير اليه هذا الشاب مجسد في نواح كثيرة، بينها عشرات المراكز الصحية المتهالكة اهمالا، والمستشفيات التي لا تلبي حاجات سكانها بالمستوى اللائق، والمدارس التي لا يستوعب الكثير منها اعداد التلاميذ، خاصة المدارس الثانوية حيث دوامها على ثلاث مراحل كل يوم، لا لشيء سوى لان بعض المدارس التي جرى هدمها بداعي الترميم، لم يعاد بناءها، وتحولت ارضها الى مواقف للسيارات.
ويتجسد الواقع المرير ايضا في ان البعض يطلق عليها اسم مدينة السلاح بعدما اكتسبت اسمها من أحد أهم مراجع الشيعة وهو السيد محمد صادق الصدر، احد ابرز مراجع الفكر الديني، لكنها توسم الان بانها مدينة السلاح المنفلت والعشائري.
ويعاني أهل المدينة من المشاكل والنزاعات العشائرية التي اصبحت تحدث بشكل شبه يومي وتصل الى حدود القتل العلني في الشوارع امام أنظار قوات الامن التي جرى تحجيم دورها داخل أزقة المدينة بسبب الفوضى والشخصيات الحزبية المتنفذة.
وبلغ هذا التفلت حدا أتاح تحويل مدينة الصدر التي كان يطلق عليها سابقا "مدينة الثورة" ايام الزعيم الراحل عبدالكريم قاسم، الى أكبر سوق لبيع السلاح الفردي في العراق، وهي تجارة لم تتمكن اي حكومة عراقية من الحكومات المتعاقبة، من السيطرة عليه، بسبب سطوة الاحزاب المهيمنة عليه.
وقال شاب آخر في المدينة لوكالة شفق نيوز انه "لن يشارك في الانتخابات المقبلة، لاننا سئمنا وضع العراق ووضع مدينتنا وكرهنا كل حزب وتيار اسلامي او غير اسلامي، فالجميع يرقص على جروحنا وعلى وضعنا المأساوي".
وقال آخر "لن اشارك لا انا ولا عائلتي في انتخاب من ينظرون الينا بأننا مجرد ارقام يحاولون ان يستغلوننا في مشاريعهم السياسية وصفقاتهم".
وفي عتاب مباشر أكثر صراحة، انتقد شاب آخر سيطرة احد التيارات المتنفذة على المدينة والتي "بامكانها ان تجعل من المدينة جنة بغداد"، مضيفا انهم "لا يريدون ذلك ولسبب واحد هو حتى يبقى سكان هذه المدينة يشعرون بانهم بحاجة اليهم".
وتابع قائلا ان "الجميع يعرف ان احد التيارات هو من يسيطر على سوق السلاح وعلى اغلب الدوائر وكل ما تحتوي المدينة، فهل تتصور انه لا يستطيع النهوض بالمدينة؟!". واضاف منتقدا "جعلوا ابناء المدينة مجرد ارقام". وختم "لا تستطيع بالقيام بأي مبادرة حتى لو كانت مبادرة خيرية من دون اخذ الاذن من هؤلاء المتنفذين".
ولا ينسب كثيرون مدينة الصدر الى نزيهة الدليمي، السيدة الاولى التي تتولى منصبا وزاريا في العالم العربي، وكانت عضوا في الحزب الشيوعي، عندما ساهمت في تأسيس حي الرافدين والذي صار اسمه "مدينة الثورة" لاحقا خلال عهد عبدالكريم قاسم، ثم "مدينة صدام" عندما تولى صدام حسين الحكم، الى ان تغير اسمها مجددا بعد الغزو الامريكي في العام 2003، واصبح يطلق عليها مدينة الصدر نسبة الى المرجع محمد صادق الصدر الذي اغتيل في العام 1999.