شفق نيوز/ على الرغم من أن العراق ليس طرفاً في الحرب الروسية الأوكرانية، والحكومة العراقية لم تعلن ما إذا كانت مع هذا الطرف أو ذاك، كما أن رحى هذه الحرب تدور بعيداً عن بلاد الرافدين بآلاف الكيلومترات، لكن يبدو أن للتجار العراقيين رأي آخر وسارعوا بإقحام أسعار المواد الغذائية في خضم المعارك لتحقيق أرباح مضاعفة على حساب المواطن.
مع احداث الغزو الروسي لأوكرانيا ارتفعت اسعار المواد الغذائية العالمية الى مستويات قياسية كبيرة نتيجة تعطل صادرات منطقة البحر الأسود المعروفة باسم "سلة الخبز" في العالم لتتماشى مع الارتفاعات التدريجية للمحاصيل الغذائية نتيجة التغير المناخي في العالم.
ونتيجة لذلك قفزت أسعار الحبوب والزيوت النباتية إلى مستويات قياسية جديدة مع عدة ارتفاعات منذ بداية العام الحالي، هذه الارتفاعات كان لها اثر كبير على العراق باعتباره اكثر دول العالم استيرادا لمواده الغذائية من دول العالم.
وشهدت الاسواق المحلية منذ يومين ارتفاعا متواصلا لأسعار المواد الغذائية وخاصة مادة الزيت النباتي الذي ارتفع سعره الى 4000 دينار بعد ان كان يباع بسعر 2500 دينار للتر الواحد، كما ارتفع ايضا الرز الى 2250 دينار للكيلو غرام الواحد، فيما قامت الأفران (المخابز) ببيع 6 خبز الصمون بسعر 1000 دينار بعد ان كانت 8 خبز الصمون.
الدولار مفتاح الارتفاع
يقول الخبير الاقتصادي واستاذ الاقتصاد في الجامعة العراقية، عبد الرحمن المشهداني، في حديث لوكالة شفق نيوز، ان "مفتاح ارتفاع الاسعار الكبير في العراق هو تغيير سعر صرف الدولار، والبقية جاءت مكملة لهذا الارتفاع".
ويضيف "سبب ارتفاع اسعار المواد الغذائية في الوقت الحاضر هو ما يجري حاليا من حرب في اوكرانيا"، مبينا ان "روسيا واوكرانيا يجهزان 60% من دقيق الخبز، اضافة الى انهما يجهزان العالم بكميات كبيرة من زيت الذرة وعباد الشمس".
ويؤكد المشهداني ان "الارتفاع سيترك اثارا اجتماعية في المجتمع وخاصة الفئات الفقيرة التي لم تتلقى الدعم الكافي لمواجهة مثل هذه الازمات وخاصة اننا مقبلون على شهر رمضان وبالتالي يتطلب تدخلا حكوميا عاجلا لتوزيع مفردات البطاقة التموينية والحصة الاضافية والا فان الاسعار ستستمر بالارتفاع بشكل كبير".
الجفاف وكورونا
ويقول الخبير الاقتصادي ضرغام محمد علي، في حديث لوكالة شفق نيوز، ان "ارتفاع اسعار المواد الغذائية المضطرد جاء قبل الحرب الاوكرانية حيث ادت موجات الجفاف والاغلاق في بعض الدول بسبب كورونا الى تراجع رقعة الانتاج الزراعي".
واستدرك في الوقت نفسه، بأن "الحرب في اوكرانيا وما تبعها من مقاطعة لروسيا ادت الى مزيد في نقص امدادات الحبوب والمحاصيل الزيتية الذي انعكس مباشرة على اسعار المواد عالميا".
ويشير علي الى انه "مع قرب شهر رمضان وزيادة الطلب فإن الاسعار تشهد تزايدا اضافة لارتفاعها العالمي ما يولد ضغطا على الشرائح الاقل دخلا".
الاحتكار بحجة الحماية
تاجر المواد الغذائية في منطقة جميلة الصناعية –أهم مركز لبيع المواد الغذائية والفواكه والخضار في العراق- محمد عبد الحسين، في حديث لوكالة شفق نيوز، يعزو ارتفاع المواد الغذائية حاليا الى "زيادة اسعار المواد الاولية عالميا، اضافة الى احتكار بعض الشركات لبعض المواد الغذائية في العراق".
ويلفت الى ان "التجار لا يستطيعون في الوقت الحاضر استيراد الزيوت النباتية وذلك لوجود حماية للمنتج المحلي لهذه المادة حيث ان معامل الزيوت النباتية يتم تعليبها في العراق سواء كان زيت علامة (زير) او زيت علامة (الدار) وبالتالي يُمنع التجار من استيراد هذه الزيوت من الخارج بحجة حماية المنتج".
ويشير الى ان "الحرب في اوكرانيا الموردة للقمح والزيوت ادت الى ارتفاع هذه المواد، فضلا عن ارتفاع سعر صرف الدولار والشحن والنقل الذي ارتفع ايضا الى اكثر من الضعف".
التجارة تطمئن
مدير الشركة العامة لتجارة الحبوب التابعة لوزارة التجارة العراقية، محمد حنون، يقول لوكالة شفق نيوز، ان "هناك خزينا كافيا من القمح لتلبية البطاقة التموينية بمادة دقيق القمح ولحين اكمال تسويق القمح المحلي والتي ستبدأ في شهر أيار المقبل"، مبينا ان "الوزارة بدأت بتجهيز مادة الدقيق ضمن مفردات البطاقة التموينية".
ويؤكد ان "العراق لديه كميات جيدة من القمح المحلي والتي سيتم تضمينها ضمن البطاقة التموينية، كما انه تم التعاقد على شراء القمح من الاسواق الكندية والامريكية"، مشيرا الى ان "هناك شحنتين من القمح الاسترالي ستصل خلال الاسبوعين المقبلين".
ويشير حنون الى ان "باقي المواد الغذائية التي تدخل ضمن السلة الغذائية هي الاخرى متوفرة وسيتم توزيعها تباعا بدون اي تأخير"، مؤكدا ان "تأثير ارتفاع الاسعار لبعض المواد الغذائية التي تشهدها حاليا الاسواق المحلية سيكون تأثيرها ضعيفا مع استمرار توزيع السلة الغذائية للمواطنين".
اسعار الدقيق لم تتوقف عن الارتفاع
يقول صاحب أحد الأفران في منطقة الكرادة ببغداد، في حديثه لوكالة شفق نيوز، ان "اسعار الدقيق لم تتوقف عن الارتفاع طيلة الفترة الماضي حيث ارتفعت مرة اخرى خلال الايام الماضية لتصل الى 55 الف دينار للكيس الواحد بعد ان كان بسعر 43 الف دينار، وبالتالي فان بيع 8 خبز الصمون بألف دينار يتسبب بخسائر لنا خاصة ان هناك مصاريف اخرى كثيرة يجب ان تسدد كالايجار واجور العمال والكهرباء وغيرها".
ويطالب صاحب الفرن الجهات الحكومية "بدعم الافران بالدقيق حتى ولو كان جزئيا لحين انتهاء من الازمة"، مؤكدا ان "الدعم الحكومي للأفران سيوفر اسعارا مناسبة للمواطن ووزن جيد لخبز الصمون".
مواطنون: التجارة مجرد كلام
واعتبر عدد من المواطنين ان ما تتكلم عنه وزارة التجارة من توزيع السلة الغذائية بشكل مستمر هو "مجرد كلام وتخدير" للحالة التي يمر بها العراق.
ويقول المواطن محمد الحسني، في حديث لوكالة شفق نيوز، ان "ما تتحدث به وزارة التجارة مجرد كلام وينطبق عليها المثل الشعبي (تنفخ في قربة مخرومة)"، مشيرا الى انه "طيلة السنوات الماضية لم تتمكن وزارة التجارة من توزيع عادل ومستمر لمواد البطاقة التموينية".
ويضيف ان "الفساد الموجود في البطاقة التموينية اكبر من قدرة التجارة على توزيع هذه المواد سواء كان لدى موظفيها او لدى وكلاء توزيع هذه المواد".
من جهته يقول حسين الخفاجي، في حديث لوكالة شفق نيوز ان "ما نشاهده في الاسواق المحلية لا يمكن تفسيره حيث ان اسعار جميع الغذائية ارتفعت عكس ما يتم تداوله بان الدقيق والزيوت النباتية هي وحدها التي تأثرت اسعارها نتيجة الحرب في اوكرانيا".
ويضيف ان "التجار يستغلون مثل هذه الازمات للحصول على ارباح فاحشة والدولة غير قادرة على حماية المواطن من هؤلاء نتيجة تقصيرها هي الاخرى بعدم توزيع السلة الغذائية بشكل مستمر".
وتلعب روسيا وأوكرانيا دوراً مهماً في توفير الغذاء، وتشكلان معاً نحو ربع شحنات القمح والشعير وخُمس الذرة والجزء الأكبر من زيت عباد الشمس، ومع توقف كميات كبيرة من إمدادات المنطقة، سيضطر المشترون إلى البحث عن أماكن أخرى، رغم أن بعض المستوردين يكافحون لتأمين الإمدادات في مواجهة ارتفاع الأسعار وقلة عروض الشحن.
وقالت منظمة الأغذية والزراعة (فاو) التابعة للأمم المتحدة في كانون الثاني/ يناير 2022، إن أسعار الغذاء العالمية ارتفعت 28% في 2021 إلى أعلى مستوياتها منذ عشر سنوات، وإن الآمال ضئيلة في العودة هذا العام إلى أوضاع السوق الأكثر استقراراً، محذرة من أن ارتفاع الأسعار يعرض الفئات الأفقر للخطر في الدول المعتمدة على الاستيراد.
وتأتي الزيادات في أسعار أصناف متنوعة، مثل الحبوب، والزيوت النباتية، والزبد، والمعكرونة، ولحم البقر، والقهوة، في وقت يواجه فيه المزارعون في العالم مجموعة تحديات، بما في ذلك الجفاف، والعواصف الجليدية التي دمرت المحصولات، وارتفاع أسعار الأسمدة والوقود، ونقص العمالة بسبب جائحة كورونا، ولتأتي اضطرابات سلسلة التوريد، في بعض هذه المحاصيل نتيجة الحرب في أوكرانيا التي تعتبر مع روسيا من اكبر مصدري القمح والزيوت والأعلاف في العالم.