شفق نيوز/ لم يكن اقتحام الكونغرس الأميركي الأسبوع الماضي مجرد احتجاج شعبي قامت به مجموعة مؤيدة للرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، بل كانت صدمة ومفاجأة غير سارة للدول والمجتمعات الغربية والعديد من دول العالم، وفي المقابل رأى فيها خصوم واشنطن فرصة للشماتة والطعن.
اقتحام الكونغرس لم يكن الأول من نوعها على مستوى العالم فقد سبقت أميركا دول عدة تعرضت برلماناتها أو مقرات حكوماتها للاقتحام، وهو ما جعل البعض يراه تهديداً خطيراً للديمقراطية في الدول التي تعتمد هذا النوع من الحكم، خصوصاً مع الانتشار الواسع للأحزاب اليمينية والمتطرفة التي بدأ ظهورها يتنامى في السنوات الأخيرة في أوروبا وأميركا ودولاً أخرى، بحسب تقرير لموقع دويتشه فيله الألماني.
خصوم الولايات المتحدة استقبلوا حادثة الاقتحام بفرح وشماتة، وخاصة تلك الدول التي تنتقدها أميركا بأنها غير ديمقراطية، من فنزويلا في أمريكا اللاتينية إلى الصين في شرق آسيا، وكتبت صحيفة "غلوبال تايمز" الصينية معلقة على الحادث "لقد انفجرت فقاعة الديمقراطية والحرية".
غير أن ما حدث في الكونغرس لم يفاجئ بن رودس، مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، إذ قال في تصريح لوكالة فرانس برس "هذه الصور ستغير بشكل دائم تصور العالم للولايات المتحدة. مع الأسف جاء هذا الانتقاص للديمقراطية في وقت تتقدم فيه الشعبوية القومية في كافة أنحاء العالم".
اقتحام البوندستاغ الألماني
قبل اقتحام الكونغرس بشهور قليلة، شهدت ألمانيا حادثة مماثلة ففي شهر آب 2020 اندفع محتجون ضد إجراءات الوقاية من كورونا على درج البرلمان الألماني (البوندستاغ) محاولين اقتحامه، والكثير من هؤلاء المحتجين الذين حاولوا اقتحام البوندستاغ كانوا يحملون علم الرايخ بلونيه الأحمر والأسود والذي يعود إلى عهد القيصر.
وصحيح أن المحتجين في ألمانيا لم يسافروا إلى العاصمة برلين من أماكن بعيدة كما حصل في الولايات المتحدة حيث أتى كثيرون من ولايات ومدن بعيدة إلى واشنطن للمشاركة في الاحتجاج واقتحام الكونغرس، لكن نظرا للماضي النازي في ألمانيا كانت الصدمة في برلين كبيرة.
وعلق وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، على ما جرى في الكونغرس مقارنا إياه بما حصل في برلين بالقول "الكلمات المحرضة تتحول إلى أعمال عنف على درج البوندستاغ والآن في الكابيتول".
كذلك علق الرئيس الألماني، فرانك فالتر شتاينماير على الحدث مقارنا إياه بما حصل في برلين، وقال موجها كلامه للألمان "الكراهية والتحريض خطر على الديمقراطية، الأكاذيب خطر على الديمقراطية، العنف خطر على الديمقراطية".
وحين كان شتاينماير وزيرا للخارجية وصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي كان يخوض حملته الانتخابية آنذاك، إنه "داعية كراهية".
أما الباحث الألماني المختص في شؤون اليمين المتطرف، ميرو ديتريش، فلا يرى التشابه بين ما حصل في الكونغرس وأمام البوندستاغ في فشل الدوائر الرسمية فقط، وإنما بوجود دلائل على ما حدث في الانترنت قبل ذلك، ويقول "الدوائر الأمنية المسؤولة عن الحماية، لم تر تلك الدلائل. والحقائق البديلة التي تنتشر في الانترنت وتدعو بشكل واضح جدا إلى العنف وتنظمه، لا يتم أخذها على محمل الجد".
ترامب يشكك بالديمقراطية
يرى الباحث في شؤون الأحزاب السياسية، سيباستيان بوكو، أن "الفارق الأساسي بين ما جرى في واشنطن وبرلين هو أن في الولايات المتحدة يتم التشكيك بالديمقراطية من قبل الرئيس نفسه منذ أربع سنوات" في حين أن ما حصل في برلين أمام البوندستاغ قامت به "مجموعة صغيرة جدا من الأقلية المتطرفة في المجتمع".
من جانبه يقول المحلل السياسي، هانز يورغن بوليه، إن "هناك استقطاب كبير جدا في الولايات المتحدة، أكبر بكثير مما في أوروبا" وخاصة في زمن متوتر بسبب "سياسة ترامب أيضا" الذي يرى وكأن من واجبه زيادة الاستقطاب، "ولم تشهد الولايات المتحدة من قبل هكذا رئيس".
الحاضنة الشعبية
يظهر استطلاع رأي أجرته مؤسسة يوغوف للاستطلاع مدى انقسام المجتمع الأميركي حتى تجاه حادثة اقتحام الكونغرس، وتشير نتيجة الاستطلاع إلى أن 45% من أنصار الحزب الجمهوري يؤيدون العنف الذي حصل، في حين يرفضه 43%، وإن 21% ممن شاركوا في الاستطلاع أيدوا اقتحام الكابيتول.
لكن المحلل السياسي هانز يورغن بوليه، يقول "الآن في غربي أوروبا لا يلوح في الأفق تفهم لمثل هذه الأعمال والميل للعنف".
ويرى الباحث السياسي سيباستيان بوكو أن "الرضا عن الديمقراطية ثابت، بل وحتى في ازدياد. لكن وفي نفس الوقت هناك جزء صغير من المجتمع متطرف، يرفض الديمقراطية" في دول أوروبا الغربية.
المشاركة السياسية
يعتقد بوليه أن الشعبوية ليست هي المشكلة الحقيقية، وإنما هي "أحد أعراض العيوب التي يمكن أن تعتري الديمقراطية والحلول السياسية التي يتم طرحها".
ويضيف بأن أفضل حل لمواجهة الشعبوية هو "السياسة الجيدة، التي ليست سياسة الأحزاب والساسة الشعبويين، إنها السياسة العقلانية المنفتحة والتواصل السياسي الجدي" بدون وعود كاذبة.
ويرى الباحث السياسي بوليه، أن هناك مبالغة في العالم فيما يتعلق بالولايات المتحدة كنموذج للديمقراطية، وخاصة من "البسطاء وهؤلاء الذين كانوا يرون في أمريكا الخير والشمس المشرقة على الأرض والبلسم الشافي".
ويضيف بأن الولايات المتحدة أيضا يمكن أن تكون أحيانا "غير بعيدة عن جمهوريات الموز".
هنغاريا أيضاً
ولا يحتاج المرء العودة إلى عهد النازية في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي للعثور على أمثلة مشابهة لما حدث في الكابيتول. ففي عام 2006 اقتحمت عصابة من اليمين المتطرف مبنى البرلمان في هنغاريا واشتبكت لأسابيع مع الشرطة في الشوارع، وهو ما شكل بداية صعود اليمين الشعبوي ورئيس الوزراء الحالي فيكتور أوربان.
للعراق حصة الأسد
كما شهد العراق في العام 2015 احتجاجات شعبية استمرت لعدة أسابيع قبل أن تنتهي باقتحام تيار من المحتجين لمبنى مجلس النواب العراقي في حادثة مشابهة تماماً لم جرى في الكونغرس الأميركي، وفي حينها تعرض عدد من النواب العراقيين لاعتداءات جسدية ولفظية، إلى جانب أضرار مادية، لكن لم تسجل أي حالات وفاة أو إصابات خطيرة.
وفي العام 2019 وتحديداً في شهر تشرين الأول انطلقت تظاهرات حاشدة في بغداد والمحافظات الوسطى والجنوبية، تحولت فيما بعد إلى اعتصام مفتوح، والتي باتت تعرف بـ"انتفاضة تشرين"، وفي العاصمة توجه حشد من المتظاهرين من ساحة التحرير مركز الاعتصام الرئيسي وعبروا جسر الجمهورية لاقتحام المنطقة الخضراء المحصنة والتي تضم مبنى مجلس النواب ومقر مجلس رئاسة الوزراء، ورئاسة الجمهورية وعدداً من الوزارات والمقرات الحكومية الحساسة، إلا أن القوات الأمنية واجهت المحاولة بقمع عنيف أدى إلى سقوط قتلى وجرحى، قبل أن يتم قطع الجسر بالحواجز الكونكريتية.