شفق نيوز/ على الرغم من إحالة مجلس الوزراء العراقي منذ 13 آذار/مارس الماضي، مشروع قانون الموازنة للسنوات 2023 و2024 و2025 إلى مجلس النواب، إلا أن هيئة رئاسة البرلمان لم تحوّل مسودة القانون إلى اللجنة المالية لمناقشتها ومن ثم عرضها على مجلس النواب للتصويت حتى اليوم.
ويعزو مختصون هذا التأخير إلى التجاذبات والخلافات ما بين بعض الكتل السياسية خاصة الأحزاب السنية، التي تحاول إيجاد حلول لمسائل أخرى عالقة من خلال "المساومة" على قانون الموازنة، بالإضافة إلى التفاهمات مع الكُرد ونسبة حصتهم منها، كما يتوقع أن تكون هناك معرقلات للأحزاب المستقلة والنواب المستقلين احتجاجاً على تمرير قانون الانتخابات الأخير.
ويتسبب تأخير إقرار الموازنة بانعكاسات سلبية على النشاط الاقتصادي من جوانب متعددة، في ظل "شلل تام" يشهده القطاع الخاص، بسبب توقف التمويل الحكومي والمشاريع، وتعطل العلاوات والترفيعات الوظيفية، وأزمة الدولار وغيرها من السلبيات التي تنعكس على القوة الشرائية وانخفاض مستويات المعيشة في عموم محافظات العراق، بحسب المختصين.
موازنة غائبة
يقول مستشار رئيس الوزراء للشؤون المالية، د.مظهر محمد صالح، إن "العراق دخل الفصل الخامس من حياته المالية دون توافر قانون اتحادي للموازنة العامة حتى الساعة، إذ مازالت مفاصل الاقتصاد الوطني بمشاريعها وبرامجها تتطلع إلى تشريع قانون الموازنة العامة الاتحادية للعام 2023".
ويضيف صالح لوكالة شفق نيوز، أن "غياب قانون الموازنة العامة على مدار عام ونيف من الزمن، يُشكّل صورة غامضة أمام متخذي القرار في قطاعات الاستثمار والأعمال للنشاط الأهلي، وذلك بسبب ترابط المشاريع والبرامج الجديدة للدولة بعلاقات تشابكية مع قوى السوق، ولاسيما أسواق العمل والتجهيز والمقاولات وغيرها".
ويتابع، أن "الإنفاق الاستثماري الحكومي يُعدّ رافعة تعجيل مهمة في تنامي فرص الدخل والاستخدام واستقرار الأسواق لكون الانفاق الحكومي يمتلك قوة تأثير عالية على عموم مفاصل النشاط الاقتصادي، سواء كان بشكل مباشر أم غير مباشر، وبنسب تأثير مهمة تصل إلى 80% من حالات التشغيل والطلب الكلي في الاقتصاد".
وبناءً على ما تقدم، فإن "اتضاح الصورة المالية التشريعية للبلاد، وإطلاق مفاعيلها وأدواتها من خلال الموازنة العامة، ترتبط ارتباطاً مهماً مع تعاظم النشاط الاقتصادي العام، واستقرار قرارت القطاع الخاص، أو اقتصاد السوق تحديداً"، وفق مستشار رئيس الوزراء للشؤون المالية.
ويوضح صالح، أن "السياسة المالية للبلاد اعتمدت التخطيط المالي المتوسط الأجل بعرض مشروع موازنة للسنتين 2024 - 2025، وهو أمر إذا ما تم تشريعه سيوفر كفاءة معلوماتية عالية تُساعد فرص الاستثمار وصناع السوق تحديداً على بناء قراراتهم بشكل عالي وبوقت مبكر، وهو أمر يقوّي في الوقت نفسه من فرص التشغيل وتشجيع النمو الاقتصادي بلا ريب".
خلافات على الموازنة
يشير عضو اللجنة المالية النيابية، النائب ثامر الحمداني، إلى أن "مسودة قانون الموازنة للسنوات الثلاث تسلمتها هيئة رئاسة البرلمان من الحكومة منذ ما يُقارب من شهر، إلا أن هيئة الرئاسة لم تحوّلها إلى اللجنة المالية حتى يتم مناقشتها وعرضها للتصويت في مجلس النواب لحد اليوم، بسبب تجاذبات وخلافات بين بعض الكتل السياسية".
ويبين الحمداني لوكالة شفق نيوز، أن "بعض الكتل السياسية ترى أن الموازنة ينبغي أن تكون لسنة واحدة، بينما يرى آخرون أن موازنة ثلاث سنوات سوف تُعطي استقراراً سياسياً واقتصادياً".
ويؤكد عضو اللجنة المالية، أن "حجم الموازنة ونسبة عجزها كبيران، لكن من الممكن مناقشتها في اللجنة المالية وتخفيض العجز ومبلغ الموازنة ومعالجة بعض الهفوات فيها، حتى تكون موازنة آمنة، لاسيما هناك تخوف من حصول أزمة جرّاء انخفاض أسعار النفط".
وأعرب الحمداني عن أمله بأن "تُحيل هيئة رئاسة البرلمان قانون الموازنة إلى اللجنة المالية خلال الفترة القليلة المقبلة لتبدأ اللجنة بدورها بعقد اجتماعات لإكمالها وعرضها على مجلس النواب للتصويت، لتبدأ مرحلة المباشرة بتنفيذ البرنامج الحكومي وفق ما ضمنه في الموازنة".
وعن المخاوف من موازنة ثلاث سنوات، لفت النائب إلى أن "تلك المخاوف تعود إلى الوضع الإقليمي والدولي، والارهاصات والمشاكل التي تُحيط بالعراق، من احتمالية انخفاض أسعار النفط لعدم وجود استقرار للسوق، فضلاً عن قضية أسعار صرف الدولار، وهذا التخوّف سلمي أكثر منه سياسي، لأن الجميع يرغب بالخدمة على شرط أن تكون هناك رصانة واطمئنان لقانون الموازنة".
تداعيات تأخر الموازنة؟
يتسبب تأخير إقرار وتشريع قانون الموازنة بانعكاسات سلبية على السوق والحركة النقدية من جوانب متعددة، ويؤثّر بشكل كبير على النشاط الاقتصادي، وفق الباحث في الشأن الاقتصادي، أحمد عيد.
ويضيف عيد لوكالة شفق نيوز، أن "الكثير من النشاطات الاقتصادية والنقدية مُعطّلة، منها العلاوات والترفيعات الوظيفية، فضلاً عن قضية توازن السلم الوظيفي، ورفع الرواتب قياساً بما يشهده البلد من ارتفاع في مستويات التضخم، بالإضافة إلى الارتفاع الكبير في معدلات الفقر بعموم محافظات العراق".
ويوضح، "وهذا كُلّه ينعكس على القوة الشرائية وانخفاض مستويات المعيشة، فضلاً عن تعطيل الكثير من المشاريع الاقتصادية، وتراجع حجم ميزان المدفوعات".
تأثيرات أخرى
ومن التأثيرات السلبية الأخرى جرّاء تأخير الموازنة، أن "القطاع الخاص حالياً في حالة شلل تام بسبب توقف التمويل الحكومي وتوقف اطلاق المشاريع سواء الخدمية أو الاستثمارية أو حتى التشغيلية، نتيجة ارتباط أغلب قطاع الشركات بالقطاع الحكومي"، وفق الخبير الاقتصادي، د.أحمد فؤاد.
ويضيف فؤاد لوكالة شفق نيوز، أن "هناك ارباكاً وقلقاً سائداً عند الموظفين بسبب الاشاعات التي تظهر حول الرواتب والتخصيصات، بالإضافة إلى الدرجات الوظيفية الجديدة، وسلّم الرواتب المزمع تغييره، وهذا الانتظار كلما زاد سوف ينعكس سلباً على ارتفاع الأسعار وأزمة الدولار الأمريكي المرتبط جزء كبير منه بسعر صرف الدولار بالموازنة".
متى تُقرّ الموازنة؟
يشير فؤاد، إلى أن "إقرار الموازنة متوقع بعد عيد الفطر المُقبل، لكن هناك بعض التأخيرات المتوقعة بسبب صراع الأحزاب السياسية فيما بينها على إقرار عدد من القوانين، وخاصة الأحزاب السنية التي تعمل على إيجاد حلول لمسائل أخرى عالقة من خلال المساومة على قانون الموازنة".
ومن المعرقلات الأخرى، يذكر الخبير الاقتصادي، أن "التفاهمات مع الكُرد وحصتهم من الموازنة والإطلاقات المالية التي وعدت بها سراً حكومة السوداني لهم، وكذلك هناك معرقلات متوقعة من قبل الأحزاب المستقلة والمستقلين بسبب تمرير قانون الانتخابات الأخير".
مخاوف انهيار أسعار النفط
يوضح الخبير النفطي، حمزة الجواهري، أن "النفط سلعة استراتيجية، فهو مهم جداً لديمومة دوران عجلات الإنتاج والحياة في جميع البلدان بلا استثناء، والآن تمر دول أوروبا في أزمة نتيجة الحرب في أوكرانيا، وهي دول معظمها غير منتجة للنفط، فهي تستورد النفط، وبذات الوقت تدفع فواتير عالية جداً كمساهمة منها للأوكرانيين الذي يحاربون أقوى دولة في العالم من الناحية العسكرية، لذا وجدوا أنفسهم في معضلة حقيقية لتحمل فواتير الحرب والطاقة العالية".
ويضيف الجواهري لوكالة شفق نيوز، "لذا فإن دول الغرب عموماً تقف بمواجهة حقيقية مع أوبك بلص، والهدف من هذا التمترس هو خفض فواتير الطاقة، ولكن مواقف دول أوبك بلص بالمقابل قوية جداً، كونها تدافع عن سلعتها الاستراتيجية الأكثر أهمية في العالم".
ويتابع، أن "لا أحد من الطرفين يمكنه أن يحسم المواجهة لصالحه، لأنهم يملكون أدوات فعالة بهذه المواجهة، ومن هنا تأتي المخاوف من أن أسعار النفط يمكن أن تنهار في أيّ وقت، وسيكون المتضرر الأكبر هو العراق، كونه يعتمد على إيرادات النفط برفد الموازنة بنسبة 95%، في حين أن باقي دول أوبك بلص لديها موارد مالية أخرى، وليس كما هو الحال بالنسبة للعراق الدولة الريعية بامتياز".
ويبيّن، "ومن هذا المنطلق نرى ضرورة أن يكون السعر الافتراضي للنفط في الموازنة ليس أكثر من 50 دولاراً، ويُفضّل أن يكون السعر 45 دولاراً للبرميل الواحد".
وكان مجلس الوزراء العراقي، وافق في 13 آذار/مارس الماضي، على مشروع قانون الموازنة للسنوات 2023 و2024 و2025 وأحاله إلى مجلس النواب.
وتعدّ موازنة 2023 الأكبر في تاريخ العراق ما بعد 2003، وقال رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، إن إجماليها يبلغ أكثر من 197 تريليون دينار (135 مليار دولار)، منها موازنة تشغيلية تبلغ أكثر من 150 تريليون دينار، واستثمارية تصل إلى نحو 47 تريلوناً،
وقارب نسبة العجز المقدَّرة 63 تريليون دينار عراقي، ومجموع الإيرادات المنتظَرة يعادل أكثر من 134 تريليون دينار، بينما تقدر الإيرادات النفطية بـ117 تريليون دينار على أساس سعر نفط يبلغ 70 دولاراً، بينما غير النفطية تصل إلى 17 تريليوناً.
وتعود آخر موازنة أقرّت في العراق إلى نيسان/أبريل 2021، فيما لم يتم اعتماد واحدة في العام 2022 بسبب الاضطرابات السياسية التي شلّت البلاد لعام بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة.