شفق نيوز/ تساءل "معهد بروكينجز" في تقرير له عن كيفية قدرة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الذي قام بزيارة الى الولايات المتحدة، على مواجهة التحديات الكبيرة التي يواجهها من الانقسام السياسي والاحتجاجات المستمرة بسبب الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية، واحتمال انهيار الاقتصاد في ظل تردي أسعار النفط، الى تأثيرات التوتر الايراني – الاميركي، وتفشي وباء كورونا.
وفيما اشار تقرير المعهد الاميركي الى ان الكاظمي يدرك أهمية معالجة هذه القضايا، والى انه يتعامل مع حكومته على انها حكومة انتقالية تعتزم اعادة بعض الاستقرار الى البلد، الا انه تساءل عن كيفية تخطيه هذه التحديات المتداخلة.
واقترح المعهد ان تقوم واشنطن بانشاء ما أسماه "المحور الخليجي – الاميركي" في بغداد، ومعالجة الخلافات بين أربيل وبغداد أولاً.
واعتبر "بروكينجز" في تقرير كتبه الباحث رانجا علاء الدين، ان "الطريق المهم الوحيد الذي يقود الى التعافي قد يكون من خلال علاقات أوثق مع دول الخليج العربي"، مشيرا الى ان "الممالك الخليجية لم تستثمر حتى الآن بشكل مهم في موارد العراق، فيما أن شركاءهم الاميركيين والاوروبيين كافحوا من اجل تمهيد الطرق امام الاستثمارات والدعم الخليجي من أجل العراق فيما يحاولون جلب الاستقرار للعراق خلال الحرب على داعش في السنوات الأخيرة".
وذكر تقرير المعهد انه "من خلال دعم الولايات المتحدة وقيادتها، بامكان العراق ان يعيد اندماجه في العالم العربي وإعادة احياء علاقته بالخليج على اساس المصالح المشتركة للمساهمة في تنشيط اقتصاده وتقليل اعتماده على ايران".
واستعاد التقرير بعض تفاصيل السنوات الماضية فيما يتعلق بالعلاقات بين العراق ودول الخليج، مشيرا إلى انها تميزت بالتوتر وعدم الاستقرار منذ الغزو الاميركي عام 2003، حيث تحول العراق الى ساحة مواجهة بالوكالة بين ايران والعالم العربي.
كما اشار الى ان العلاقات بين الجانبين وصلت الى ادنى مستوياتها خلال حكم رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، خاصة بعد بداية الربيع العربي وقيام شخصيات سياسية ودينية من العراق بتأييد المتظاهرين الشيعة في دول الخليج. واثار المالكي استياء غالبية العالم العربي فيما ادت سياساته بتهميش السنة، الى ابتعاد ممالك وامارات الخليج.
وفي الوقت نفسه، افتقرت دول الخليج الى سياسة فاعلة، استراتيجية وطويلة الامد إزاء العراق، كما ان بعض دول الخليج تم اتهامها بتمويل جماعات مسلحة في العراق مسؤولة عن هجمات ارهابية كثيرة.
وذكر التقرير ان "الولايات المتحدة تتحمل بعضا من الملامة على تدهور العلاقات"، منوها إلى ان دول الخليج وصلت الى مرحلة اقتنعت فيها ان العراق يمثل قضية خاسرة. ومع ذلك، فقد كانت هناك بعض اللحظات المشرقة مثلما جرى في العام 2017 عندما تعهد ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان بالاستثمار في العراق، فيما كان وزير الخارجية عادل الجبير يقوم بأول زيارة لوزير خارجية سعودي الى العراق منذ سنوات طويلة، في حين قام رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي بزيارتين الى السعودية.
الا ان "ديناميات السياسة الداخلية" في العراق عرقلت هذه الجهود، ولم تساعد اللاعبين السياسيين الأكثر اعتدالا الذين كان بمقدورهم العمل من اجل علاقات اوثق مع الخليج، بل ان نفوذهم عانى من الاضمحلال. وفي الوقت نفسه، فان الجماعات المرتبطة بايران شهدت صعودا، وهي كانت تعارض بقوة فكرة تمتين العلاقات مع دول الخليج العربي لان ذلك يلحق بها ضررا سياسيا، خاصة اذا كان قادتها الولايات المتحدة.
والآن، يقول "بروكينجز"، ان هناك مقاربة ثلاثية الأوجه لدول الخليج تجاه العراق: فحيثما يكون الامر متاحا، هناك أولا الانخراط دبلوماسيا مع الطبقة الحاكمة في بغداد، والثاني تطوير علاقات سياسية واقتصادية، وثالثا احتواء النفوذ الايراني.
وأوضح ان بعض دول الخليج، كالكويت مثلا، احتفظت بعلاقات اكثر ايجابية مع العراق، وكانت الدولة الخليجية الوحيدة التي تمثلت بحضور سياسي كبير في القمة العربية التي عقدت في بغداد العام 2012، كما استضافت مؤتمر اعادة إعمار العراق منذ سنتين.
اما السعودية، فانها ما زالت بلا سفير لها في بغداد على الرغم من الانباء التي تحدثت في ايار/مايو الماضي ان السفير السعودي لدى العراق سيتولى مسؤولياته هناك قريبا. اما العلاقات مع قطر، فانها ضعيفة في ظل حقيقة ان متبرعين قطريين أثرياء اشتبهوا بتمويل مسلحين سنة، وان جماعات موالية لايران، اختطفت مواطنين قطريين في العام 2016.
وللبحرين علاقات متوترة مع العراق خصوصا منذ العام 2011 بعدما تحرك المحتجون ضد حكومة المنامة ولاقوا تشجيعا من طبقة السياسيين الشيعة في بغداد. اما الامارات العربية المتحدة، فانها أقامت علاقات قوية وشخصية مع شخصيات مراكز القوى في كل من بغداد واربيل، وقد استثمرت شركة نفط الهلال التي تتخذ من الامارات مقرا لها، أكثر من 3 مليارات دولار في العراق ولديها عقد مبيعات غاز منذ 20 سنة، مع حكومة اقليم كوردستان.
وخلص "بروكينجز" الى القول ان العلاقات بين الطرفين لن تزدهر، ما لم تتوقف دول الخليج عن النظر الى العراق بصورة عامة من منظور اعتباراتها الامنية الداخلية من خلال المجتمعات الشيعية التي لديها. كما ان العلاقات لن تزدهر الى ان يتمكن العراق من تشكيل سياسته الخارجية من دون الخضوع للأولويات الايرانية.
الا ان ذلك، بحسب المعهد الاميركي، يجب الا يحدد المحاولات من جانب الطرفين لتعزيز شراكتهما الاستراتيجية المستدامة.
لكن ماذا بامكان الولايات المتحدة ان تفعل؟ يقول "بروكينجز"، ان واشنطن لديها النفوذ والقدرة الكبيرين لصياغة العلاقات العراقية – الخليجية، بالنظر الى اعتماد بغداد على الدعم الاميركي والعلاقات الاستراتيجية والصداقة الراسخة لديها مع الخليج.
ومن الافكار التي استعرضها تقرير المعهد، مساعدة بغداد على تحقيق خريطة الطريق لتحقيق الاستقلال في مجال الطاقة، بما في ذلك ربط شبكات الكهرباء لدول مجلس التعاون الخليجي بالعراق لمعالجة مشكلات انقطاع خدمة الكهرباء، وهي مبادرة رحب بها العراقيون.
كما لفت الى ضرورة الا تكون استثمارات دول الخليج موجهة بالاعتماد على فكرة ان الكاظمي باق في السلطة، وهو خيار جربته واشنطن في السابق مع حكومة حيدر العبادي، اذا روجت له اقليميا لكن لم ينظر اليه بشكل ايجابي في الخليج على انه زعيم قوي ومتمكن.
وحذر التقرير من اشكالية ان العلاقات بين بغداد وحكومة اقليم كوردستان (الحليف القديم للولايات المتحدة) تمر حاليا باضطرابات نزاع كبير حول صادرات النفط وتقاسم العائدات. واضاف ان هذا الوضع يخلق ارتدادات سياسية واقتصادية، ويضيف الى لائحة التحديات الطويلة امام العراق.
ورأى انه اذا لم تتمكن الولايات المتحدة من مساعدة اثنين من أهم حلفائها (في اربيل وبغداد) في العراق على التوصل الى تسوية فعالة حول النفط، فان دول مجلس التعاون الخليجي ستتساءل عما وكيف ستتمكن واشنطن من اقامة علاقات شراكة استراتيجية بين العراق وبين ثلاث دول على الاقل من اللاعبين الاقليميين الاخرين في خطوة من شأنها اعادة ترتيب المشهد الجيوسياسي.
وخلص التقرير للدعوة الى قيام الولايات المتحدة بتشكيل "مبادئ ارشادية"، كاطار عمل لتشكيل ما أسمته "المحور الخليجي – الاميركي" في بغداد، والى تشكيل ائتلاف سياسي مؤيد للخليج في بغداد نفسها، يخلص بوصلة للاتجاهات ويحقق اندماجا بين العلاقات الوثيقة التي لدى بين اللاعبين السياسيين مع دول الخليج. واضاف انه من خلال اقامة مبادرات دبلوماسية ومالية وهيكليات لهذه المجموعة من صناع القرار، سيساعدهم على تخطي الانقسامات، وتحريك بغداد بشكل أكبر باتجاه الخليج.