شفق نيوز/ ليس من المبالغة القول ان العلاقات الدبلوماسية بين طهران وبغداد قطعت مسافة طويلة ما بين السفير الأول بعد العام 2003 حسن كاظم قمي، وصولا الى السفير المعيّن الجديد محمد كاظم آل صادق.
ومن الطبيعي القول ان السفراء الايرانيين الذي تعاقبوا على منصابهم في بغداد، كانوا محكومين بالسير وفق معادلة صعبة تتمثل في محاولة موازنة العلاقات التي حكمتها من قبل "حرب صدام حسين" خلال الثمانينيات، ثم في مرحلة ما بعد سقوط صدام في الغزو الامريكي العام 2003.
"الرابط الذي لا يكسر"
يذهب اعتقاد أهل السياسة والتحليلات إلى أن إيران كان يجب أن تخوض مسارها الدبلوماسي من دون أن تأخذها النشوة بتخلصها من "خطر" صدام حسين، فتتمادى في التصرف كمنتصر مزهو، وهي محاذير وقعت فيها مرات كثيرة، كما يقول مراقبون، وفي الوقت نفسه، اضطرارها على العمل وفق التقاليد والأصول البروتوكولية للسفراء الاجانب المعتمدين في الدول.
كان حسن كاظم قمي، اول سفير للجهورية الايرانية في بغداد فيما بعد العام 2003، اختصر الكثير من التحول الكبير في مشهد العلاقات بين طهران وبغداد عندما قال في مقابلة مع وكالة الانباء الايرانية، انه "عندما يتخذ القرار بأن يسافر 10 ملايين زائر بين البلدين كل عام، فهذا يعني انه لا توجد قوة يمكنها كسر هذا الرابط القوي" بينهما، ثم عندما يذكر بان ما يقرب من 9 ملايين عراقي كانوا يعيشون في ايران، في الحقبة الصدامية، ولم يكونوا يعيشون في خيام مثل النازحين، بل كمواطنين منتشرين في مدن مختلفة من ايران.
من المفهوم بالتالي، ان اي سفير ايراني في بغداد يجب ان يلم بمعادلة "الرابط القوي الذي لا يكسر" التي تحدث عنها اول سفير ايراني في بغداد، والتي يفترض ان يترجمها السفير الجديد الان محمد كاظم آل صادق، كصيغة أرستها طهران، بنجاح احيان وتخبط احيانا اخرى في تعاملها مع "الجار العراقي" خلال العقدين الماضيين.
أبن النجف "الإيراني"
قال مصدر مطلع في السفارة الايرانية في بغداد لوكالة شفق نيوز، إن محمد كاظم آل صادق، من مواليد العراق محافظة النجف، يجيد اللغة العربية بطلاقة، حيث انه يتواجد في العراق منذ مرحلة ما بعد سقوط نظام صدام.
وبرغم حساسية منصبه في السفارة الايرانية في بغداد منذ سنوات طويلة، الا ان محمد آل صادق نجح على ما يبدو في النأي بنفسه عن الاعلام كثيرا، وركز نشاطه بالعمل من خلف الكواليس، برغم عواصف الاحداث والتحولات العراقية وعلى صعيد العلاقات الثنائية، وظل بمثابة الرجل الظل للسفير الموكل بتمثيل بلاده في العاصمة العراقية.
ويقول المصدر لشفق نيوز ان محمد آل صادق كان يعمل بمثابة مستشار سياسي للسفراء الإيرانيين الذين تعاقبوا على منصب السفير منذ العام 2003.
واشار المصدر الى ان قرار الخارجية الايرانية اختيار محمد آل صادق صدر منذ ثلاثة شهور، وهو ما يعني انه جاء بعد الانتخابات البرلمانية العراقية التي أفضت الى تراجع نفوذ غالبية القوى المحسوبة بولائها او تمويلها، على طهران.
واوضح المصدر ان محمد آل صادق رفض في البداية قرار تعيينه في المنصب، لكن الاوامر الاتية من طهران فرضت عليه تعديل موقفه والقبول بالمهمة الدبلوماسية التي تعتبر من أكثر الأدوار الدبلوماسية حساسية واهمية على الصعيد الخارجي في وزارة الخارجية الايرانية.
"معسكر الحرس"
ومن المعلوم أن إيران أنشأت علاقات وثيقة مع قوى المعارضة العراقية في مرحلة صدام حسين، بل انها ساهمت في إنشاء وتمويل ودعم العديد من هذه القوى وسلحتها احيانا كثيرة.
الا ان محمد آل صادق، الذي ينتمي الى "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني، على غرار السفير المنتهية ولايته ايرج مسجدي، والسفير الذي سبقهما حسن دانائي فر، كان من أقرب الشخصيات الايرانية من جماعات المعارضة العراقية وخاصة السيد محمد باقر الحكيم الذي أسس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، بالتعاون مع الإيرانيين، قبل ان يقتل بتفجير دموي في العام 2003، بحسب ما أبلغته مصادر مطلعة لوكالة شفق نيوز.
وبالنظر الى الفترة الطويلة التي أمضاها محمد آل صادق، في الكواليس العراقية، فان المراقبين يرجحون ان يستخدم هذه العلاقات القديمة، في اعادة بلورة المصالح الايرانية في مرحلة الانسداد السياسي القائم في العراق الان، بعد مضي اكثر من ستة شهور على ظهور نتائج الانتخابات، من دون ان تنجح القوى العراقية المختلفة في تشكيل حكومة جديدة، وردم الهوة القائمة من اجل اختيار رئيس جديد للجمهورية.
وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده أعلن في مؤتمر صحفي عقده اليوم، إنه "تم تعيين آل صادق سفيراً جديداً في العراق خلفاً لايرج مسجدي"، مضيفا ان السفير الجديد "سيباشر عمله الأسبوع المقبل"، مرجحا في ذات الوقت أن "يزور وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين طهران خلال أيام".
من المهم الإشارة الى ان الأيام الأخيرة للسفير المنتهية ولايته اريج مسجدي، شهدت انتكاسة في العلاقات الايرانية-العراقية، بعد القصف الإيراني المباغت على اربيل تحت ستار استهداف "موقع اسرائيلي"، وهو ما شكل بالنسبة الى حكومة اقليم كوردستان والحكومة الاتحادية مساسا بحسن سير العلاقات والمصالح المشتركة واعتداء على السيادة، ما أجبر وزارة الخارجية العراقية على استدعائه لتقديم احتجاج رسمي.
وبكل الاحوال، فان محمد آل صادق، او مسجدي من قبله، والسفيرين الاولين في بغداد حسن كاظم قمي ثم حسن دانائي فر، المولود ايضا في العراق والذي طرد صدام حسين عائلته من العراق، فعاشوا في ايران، خدموا في فيلق القدس، وهو ما يؤكد محورية الدور الذي يلعبه الحرس الثوري الإيراني في تطبيق السياسة الايرانية في العراق، بل وبلورتها، وتنفيذها.