شفق نيوز / عدّ تقرير بريطاني، اليوم السبت، أن سائحين أجنبيين يواجهان عقوبة قانونية قد تصل الى الإعدام "لسرقتهما" آثاراً عراقية من موقع اريدو التاريخي، جنوب العراق، وفيما يبدي أحد المتهمين عدم وجود إشارات تعريفية تمنع أخذها قانونياً، يكشف مسؤولون عن ضرورة إيجاد التوعية للسياح القادمين وحماية الآثار حكومياً وعدم تركها تحت حماية عشائرية كما يجري حالياً.
وقال موقع ميدل إيست آي" البريطاني قضية الاعدام المحتمل الذي يواجهه سائحان غربيان، لا من الناحية القانونية، حيث يرجح عدم تطبيقها، وانما من ناحية الاخطار التي تلوح في الافق امام الاثار في العراق فيما يتزايد انفتاحه على صناعة السياحة الوليدة ولا يواكب ذلك باجراءات كافية لحماية مواقع الآثار بشكل سليم.
وقال التقرير البريطاني الذي نشره موقع ميدل ايست آي وترجمته وكالة شفق نيوز إن "السلطات العراقية اعتقلت البريطاني جيم فيتون والالماني فولكر والدمان في نهاية آذار/ مارس في مطار بغداد بعد تم العثور معهما على (32) قطعة فخارية قديمة في حقائب مجموعة سياحية، فيما توفي مسؤول المجموعة بعد إصابته بوباء كورونا في مستشفى عراقي، فيما تمكن مساعده السياحي من جنوب إفريقيا من مغادرة العراق، والذي وجهت له اتهامات بالتورط في القضية أيضاً".
ونقل التقرير عن فيتون في دفاعه عن نفسه في المحكمة، قائلاً انه "متشكك في أن تكون القطع الـ12 التي عثر عليها في حقائبه، أثرية"، كما انه "أبدى جهله بالقوانين العراقية المتعلقة بهذه الآثار، وانه عندما تحدث عن القطع قائلا إن بعضها ليست اكبر من ظفر أصبعي"، رد عليه القاضي جابر عبد الجابر قائلاً ان "الحجم ليس مهماً".
مواقع نائية غير محروسة
ولفت التقرير إلى أن "القطع الفخارية التي جرى ضبطها مأخوذة من موقع أريدو التاريخي في بلاد ما بين النهرين والذي بني في حوالي 5400 قبل الميلاد ويوصف بأنه أحد أقدم مدن العالم".
ووفق تصنيف منظمة اليونيسكو، فان "أريدو تندرج تحت تصنيف اهوار جنوب العراق: محمية التنوع البيولوجي والمناظر الطبيعية لمدن بلاد ما بين النهرين، وذلك الى جانب مدينتي أور وأوروك المجاورتين، وجرى ادراجها جميعا كمواقع للتراث العالمي في العام 2016".
ونقل التقرير عن المسؤول في مديرية الآثار بمحافظة ذي قار علي الموسوي قوله إن "موقع أريدو كان يقع سابقاً داخل منطقة عسكرية ومن الصعب الوصول إليه سوى باذونات مسبقة للبعثات الأثرية، ويحتاج الزوار الى اذن خاص من مجلس الدولة العراقي للآثار ومرافقة من ادارة الاثار المحلية في الناصرية، ويعتقد ان اثارها تخبئ ما هو اكثر ما تمثله مدينة اور المجاورة".
وأضاف الموسوي قوله أن "معظم ما نراه هنا هو من المعابد، لقد اظهروا اهتماماً كبيراً بالمعابد وقاموا بالكثير من العمل فيها، ويعتقد العلماء ان هناك اكثر من 7 معابد هنا، ربما يصل العدد الى 15".
وتابع التقرير ان "موقع أريدو لا يثير الإعجاب من مسافة بعيدة، الا ان سحره يتكشف تدريجيا بالنسبة الى الزوار من خلال القطع الاثرية الملقاة على سطحه حيث الالواح المطبوعة بالكتابة المسمارية، وهي الكتابة الاولى من نوعها في العالم، بينما تنتشر الواح اخرى غالبيتها متشققة أو مكسورة ، في العراء ، مكشوفة للعوامل الجوية".
واشار التقرير الى ان "موظفي مجلس الدولة العراقي للاثار عرضوا بعض القطع لموقع (ميدل ايست آي) من أجل تصويرها فقط، ثم وضعوها في مكانها على الارض أو أعادوا دفنها تحت التراب لابقائها بعيدة عن الأنظار"، فيما لفت الموسوي الى أن "اللصوص يعودون كل فترة الى الموقع على امل ان تكون الامطار قد كشفت بعض القطع الثمينة المدفونة لسرقتها".
وبحسب التقرير البريطاني، فإن "الصور التي قيل انها لبعض القطع الفخارية التي عثر عليها في امتعة السياح، والتي نشرتها وسائل اعلامية بعد اعتقالهم، هي مماثلة للقطع لتلك الموجودة في أريدو"، مبيناً انه "برغم انه من غير المعتقد ان قيمتها الاقتصادية كبيرة في سوق الاثار الدولية، الا ان قيمتها التاريخية كبيرة وهناك قطع ممثالة لها محفوظة في متحف الناصرية".
ولفت التقرير الى ان "جانبا من دفاع فيتون عن نفسه انه لم يكن على علم بان جمع مثل هذه القطع الصغيرة مخالف للقانون مشيرا الى انه لا توجد اي لافتات او أسوار او حراسة توضح أن هذا محظور"، مذكراً بان القاضي جابر رد قائلا بأن "هذه المواقع بالإسم والتعريف هي اماكن قديمة، ولا يتحتم على الواحد أن يقول أنه ممنوع".
عقود من النهب
وأوضح التقرير انه "بالقرب من مدينة اور التي تعتبر موقعاً يشتهر بجذبه للزوار العراقيين والاجانب، هناك لافتات واضحة باللغتين الانجليزية والعربية تحذر الزائرين من التقاط القطع الاثرية أو لمس الاثار"، مبيناً أن "موقع اريدو في المقابل محظور فعلياً على السياح لانه تحت حماية زعيم عشائري قوي، مما ابقاه سليماً بدرجة كبيرة من النهب الذي تعرض له التراث العراقي طوال عقود، وهو ما يعني عدم وجود حاجة كبيرة لمثل هذه اللافتات التحذيرية".
وعاد التقرير لينقل عن المسؤول الآثاري علي الموسوي قوله انه "ليس صعباً على اللصوص الوصول الى هنا، لكن المنطقة كلها تحت حماية أحد زعماء العشائر والجميع يخافون من هذه العشيرة، زعيم العشيرة يؤمن الحماية لهذه الارض كلها، وكأنها بيته".
ولفت التقرير الى ان "اشراك عشائر الجنوب التي شارك البعض منها في عمليات نهب للاثار، في حماية التراث العراقي التاريخي، كان في اساس جهود وزير الثقافة العراقي السابق عبد الامير الحمداني الذي توفي في الشهر الماضي"، مبينا ان "الحمداني الذي يتحدر من عائلة من اهوار بلاد ما بين النهرين، وقد تحدث عن تاريخ طويل استمر اربعة عقود من التدمير، من الحرب الايرانية العراقية وصولاً إلى الآن، في ظل عمليات تنقيب غير قانونية عن الاثار انتعشت منذ اواخر التسعينات بعدما تعرض العراق للشلل بفعل العقوبات الدولية وغرق سكان الجنوب بالفقر".
كما تحدث الحمداني، بحسب التقرير عن "حملة نهب طالت قطاع الاثار العراقي بعد الغزو الامريكي عام 2003 وتعرض المتاحف للنهب في ظل انتشار الاضطرابات والفقر"، مشيراً الى انه "في تلك الفترة جرت سرقة آلاف القطع الاثرية بهدف تهريبها الى خارج البلاد نحو الاسواق الدولية لجني الأرباح".
ويروي التقرير طريقة حماية الحمداني للآثار بالقول "بعدما عمل الحمداني كمفتش للآثار في الناصرية، سعى للحصول على دعم ديني من المرجع الشيعي الاعلى آية الله علي السيستاني الذي أصدر فتوى تحرم سرقة الاثار، كما طلب المساعدة من القوات الامريكية واجتمع بزعماء العشائر المحلية من اجل حشد الدعم لجهود حماية التراث العراقي، كما انه شكل اول قوة مدربة من الشرطة لحماية الاثار في العام 2005، برغم ان هذه القوة سرعان ما اعيد استخدامها من اجل حماية مؤسسات حكومية".
وحذر التقرير من ان "آلاف المواقع الاثرية في المواقع الصحراوية النائية تقف بلا حواجز عازلة ومن دون حراسة".
ولفت التقرير البريطاني الى "مدينة الامة السومرية القديمة التي تقع على بعد ساعات قليلة بالسيارة من اريدو، حيث يعتقد بانها أكثر المواقع تعرضا للنهب في العراق، وتبدو في الصور الجوية، كصورة الفجوات على سطح القمر، في ظل عمليات النهب لهذا الموقع على تل حافل بمئات التموجات المحفورة بشكل غير قانوني برغم وجود حراسة مستمرة طوال 24 ساعة" مشيراً إلى "حادثتي اطلاق نار تعرض لها حراس الموقع من جانب اللصوص في الاسابيع الماضية".
ونقل التقرير عن المدير في مجلس الدولة العراقي للاثار ليث حسين قوله إن "موقع الامن شديد الخطورة حيث لا يزال اللصوص يذهبون الى هناك، وهم ليسوا خائفين، وفي بعض الاحيان يطلقون النار على الحراس، فهي منطقة نائية، ولهذا لا يوجد مركز شرطة هناك"، مبيناً أن "السلطات تتعامل بقوة مع اللصوص لكنهم (أي اللصوص) اقوياء للغاية، ومجرمون وبمقدورهم فعل أي شيء".
عدم الاستعداد للسياحة
وبيّن التقرير أن "العديد من السياح الذين يتوافدون على العراق قد لا يعرفون الكثير عن تاريخ الحديث للعراق وتعقيداته، وخاصة حربه التي لا يتم الترويج لها بشكل جيد، ضد الجرائم المتعلقة بالتراث"، كما أشار إلى "ميل العراقيين الى تقديم المساعدة للسائحين، وهم ربما ليسوا على دراية بالانظمة القانونية المتعلقة بالتراث، حيث يجري التعامل مع العديد من المواقع التاريخية في مختلف انحاء العراق وكنها أماكن للتنزه وبالامكان اقامة حفلات الشواء عند مواقع الآثار القديمة".
وأكد التقرير أن "عقوبة الاعدام لم تصدر على جرائم متعلقة بالآثار منذ عهد الرئيس العراقي السابق صدام حسين"، فيما قال مسؤول عراقي اشترط عدم الكشف عن هويته انه "يعتقد ان تطبيق العقوبة القصوى غير مرجح، وان القضية رمزية".
وبيّن التقرير بالقول انه "بينما يقدم العراق للسياح فرصة خوض تجربة فريدة من نوعها في أرض ٍموغلةٍ في التاريخ القديم والحديث، فإن هذه القضية القضائية المستمرة، تشير إلى ان الانفتاح على السياح قبل ان يتم تأمين المواقع التراثية بشكل صحيح، لا يخلو من المخاطر".
ترجمة : شفق نيوز