شفق نيوز/ كشفت جمعية المترجمين العراقيين أنها تفتقر لوجود مترجم عراقي للغة الصينية باستثناء واحد فقط، مع أكبر شريك اقتصادي إستراتيجي للبلاد، يهيمن على معظم الاستيرادات المحلية والتي تصل إلى نحو 20 مليار دولار سنوياً، مشيراً إلى أن يعمل منذ عشر سنوات لتأمين مترجمين عراقيين للغة الاقتصاد العالمي.

ويقول المترجم العراقي الوحيد للغة الصينية في جمعية المترجمين العراقيين، فرات جمال العتابي في حديث لوكالة شفق نيوز، إنه "في العام 2015 جرى اجتماع بين السفارة الصينية في بغداد، وعمادة كلية اللغات لافتتاح قسم للغة الصينية في جامعة بغداد، بعلم من جمعية المترجمين العراقيين، لكن وزارة التعليم العالي امتنعت آنذاك عن افتتاح هذا القسم بسبب عدم وجود كادر تدريسي متخصص".

الإنكليزية لغة بديلة

ويضيف العتابي "قدمت مقترحاً قبل عشر سنوات يتضمن الاعتماد على أساتذة صينيين يتحدثون اللغة العربية والصينية على شكل توأمة أو تعاون ثقافي مشترك أو ما شابه ذلك، وتفعيل موضوع الأستاذ الزائر ومنح الطلبة الخريجين درجة الدبلوم العالي والاعتماد عليهم في إنشاء القسم، لكن ذلك لم يتحقق أيضاً لأن الجهات المعنية أوضحت آنذاك أن التخصيصات المالية اللازمة تمنع ذلك".

ويتابع "أكثر من 1800 شركة صينية عاملة في العراق، لكن المسجل منها رسمياً عند الحكومة العراقية لا يتجاوز عدد أصابع اليد فقط، وبهذا الصدد حاولت تطوير موضوع اللغة في الجانب الدبلوماسي والبروتوكولات وقدمت طلبات من أجل المصلحة العامة لأن وزارة الخارجية والأمانة العامة لمجلس الوزراء و دائرة المراسيم تفتقر لوجود مترجم للغة الصينية عراقي الجنسية، ويتم الاعتماد على اللغة الإنكليزية بدلاً من ذلك في موضوع التعاون مع الجانب الصيني".

ويسترسل العتابي قائلاً "حاولت ومن أجل المصلحة العامة أيضاً تأسيس معهد لتعليم اللغة الصينية، والتعاون مع المكاتب الإعلامية للوزارات لترشيح مجموعة موظفين لتعليمهم اللغة وبالإمكان بعد ذلك تطوير الأمر عبر الدورات السريعة والسفر للصين لتعلم اللغة لكن ذلك لم يتحقق".

الصين تترجم لنفسها

ويوضح العتابي أن "قضية التعامل مع الجانب الصيني عبر وجود مترجم عراقي الجنسية هي قضية مرتبطة بالجانب البروتوكولي السياسي والاجتماعي والاقتصادي ودعم سوق العمل، فمثلاً: شركتا (بتروجاينا وسانشين) الصينيتان اللتان تعملان بالحقول النفطية في العراق تعتمدان على الكوادر الصينية في العمل كمترجمين".

ويردف "أما الموضوع الآخر فهو قضية تفعيل الاتفاقات التجارية والاقتصادية، ومنها طريق التنمية الذي بدأت الحكومة بتنفيذه، وهو مرتبط بعدد من الوزارات والهيئات، وهو ما يحتاج إلى تفهم ومعرفة تتطلب بالضرورة وجود مترجم عراقي للغة الصينية".

ويبين أن "إقليم كوردستان بدأ يتفهم أهمية هذه القضية ووجود مترجم عراقي للغة الصينية، وبدأوا ينشئون قاعدة اقتصادية مهمة لدعم الشركات الصينية".

جمعية المترجمين العراقيين

وبهذا الصدد يقول رئيس جمعية المترجمين العراقيين قاسم الأسدي، لوكالة شفق نيوز، إن "الجمعية لديها حالياً مترجم عراقي وحيد معتمداً ومجازاً ويتولى ترجمة معظم مواد الترجمة التي ترد للجمعية باللغة الصينية".

ويؤكد أن "عدد المترجمين للغة الصينية في الجمعية لا يضاهي عدد المترجمين المعتمدين لدينا في لغات أخرى لأن اللغة الصينية لا تدرس في الجامعات العراقية".

ويضيف الأسدي "الحكومة العراقية أو أي جهة حكومية لم تطلب منّا سابقاً أو لاحقاً توفير مترجم للغة الصينية في أي فعالية رسمية حكومية، لكن الحكومة طلبت مترجمين من كلية اللغات بجامعة بغداد خلال زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى العراق مؤخراً، وفي حال تم الطلب منا توفير مترجم للغة الصينية، فإننا سنوفر لهم المترجم المعتمد لدينا".

ويتابع أن "الجمعية تعلن دائماً عن افتتاح دورات لتعليم اللغة الصينية، وهناك أشخاص يبدون رغبتهم بتعلم هذه اللغة، ولكن عدد الراغبين لا يرتقي لمستوى افتتاح دورة لأنهم يكونون على عدد أصابع اليد الواحدة، ولا يصل عددهم إلى 10 أشخاص وهو الحد الأدنى لافتتاح أي دورة للغة".

ويقول الأسدي إن "هذا العدد يعد قليلاً مقارنة بالدورات النظيرة للغات الأخرى كالإنكليزية والفرنسية التي يصل عدد طلبتها إلى المئات، وذلك بسبب عدم تدريس هذه اللغة الصينية في الجامعات العراقية".

الخارجية العراقية

مصدر في وزارة الخارجية العراقية يوضح لوكالة شفق نيوز، أن "من خلال متابعتي في الوزارة والبعثات الدبلوماسية التقيت كثيراً من هذه البعثات وما لفت انتباهي هما البعثتان الصينية والروسية".

ويوضح المصدر أن "الصينيين كانوا يرسلون لنا طاقماً دبلوماسياً وإدارياً يتحدثون اللغة العربية وكانت الاجتماعات معهم تكون بلا مترجم، فالكادر الذي يصاحب السفير الصيني كله يتحدث اللغة العربية، ومن الطرافة أن تجد أنهم يغيرون أسماءهم للمرونة إلى إبراهيم ومالك وهكذا، وهذا الأمر مفقود عند الجانب العراقي".

ويتابع "لا يوجد لدينا سوى مترجم واحد بصفة رسمية عراقي الجنسية معتمد في جمعية المترجمين العراقيين، حسب ما اعتقد، وفي وزارة الخارجية لدينا اثنان أو ثلاثة أشخاص من الموظفين يتحدثون اللغة الصينية العامة إذ أنهم كانوا مبتعثين في الصين لمدة معينة هناك وتعلموا اللغة، ولكن كما أوضحت أنه يعرفون اللغة الشعبية الصينية".

ويبين المصدر أن "الانفتاح الواسع الكبير والتعاون الاقتصادي والتمثيل الدبلوماسي مهم جداً بين العراق والصين ويحتم أن يكون لدينا عدد من المترجمين يتناسب مع هذا الحجم من التعاون".

ويلفت إلى أنه "على سبيل المثال فإن عدد المتحدثين باللغة الصينية بالتأكيد أكثر من المتحدثين باللغة الإسبانية أو الروسية أو الألمانية في العالم، وللأسف، هناك غفلة في إيجاد عدد من المترجمين للغة الصينية الرسميين من الجنسية العراقية وليس الذين يتحدثون بالطريقة السطحية أو لغة الشارع".

البعثات الروسية

ويتابع المصدر أن "الطاقم الروسي في بغداد وكل البعثات الموجودة في العراق تتحدث اللغة العربية ومنهم السفراء البريطاني والياباني وغيرهم من السفراء المعتمدين يعرفون اللغة العربية وذلك إيماناً منهم بأن هذا الأمر يحقق الأهداف التي ابتعثوا من أجلها".

ويشير إلى أن "أحد الدبلوماسيين الروس، وعلى سبيل المثال، أوضح أن بعثات بلاده لا تقبل بوجود مترجم للغتهم من غير جنسيتهم في أي اجتماعات تجرى في أي دولة بالعالم لاعتبارات معينة ومنها غرض الإحاطة بكل شيء في هذه الاجتماعات والسيطرة عليها".

وينبه المصدر في الخارجية العراقية إلى أنه "في روسيا لديهم دائرة في وزارة الخارجية تدرس كل لغات العالم ومنها تجربتهم في تعلم لغة قبائل في الجزائر تحسباً لوجود ممثل دبلوماسي لهم في هذا المكان من العالم يوماً ما".

ويضيف أن "وجود مترجمين رسميين عراقيي الجنسية في وزارة الخارجية مهم جداً للجانبين السياسي والاقتصادي، فمن المهم أن يكون لدينا مترجمون محلفون متخصصون أكاديميون يعرفون قواعد اللغة وليس لغة الشارع، بل ينبغي التفكير باللغات المحلية في جميع البلدان وعدم الاعتماد على اللغة الإنكليزية أو اللغات الرئيسة فقط".

ويؤكد المصدر، أن "المفارقة تتمثل بهذا الانفتاح على دولة مثل الصين، لكن بالمقابل ليس لدينا مترجمون عراقيو الجنسية، وإن وجدوا فهم محددو العدد جداً، في حين التعاون المشترك يصل إلى ذروته بين الجانبين".

وزارة التعليم العالي

وفي ظل التواصل مع الجهات المعنية، ومنها قسم الإعلام والاتصال الحكومي في جامعة بغداد، إحدى تشكيلات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، فقد زود القسم وكالة شفق نيوز بعدد من نشاطات الجامعة بشأن التعاون مع الجانب الصيني في المجال الأكاديمي، ومنها أحد اللقاءات التي أجريت في 28 آيار/ مايو الماضي بين رئيس جامعة بغداد بهاء إبراهيم إنصاف، ونائب السفير الصيني في بغداد شيوي هايفنغ، بحضور عميد كلية اللغات علي عدنان، إذ تم التباحث حول تعزيز التعاون العلمي والثقافي بين جامعة بغداد والجامعات الصينية، وإمكانية إقامة مشاريع بحثية مشتركة بين جامعات البلدين، وكذلك فتح قسم للغة الصينية في كلية اللغات بالجامعة الأم، وتوفير المتطلبات كافة لتسهيل إجراءات فتح الدراسات في هذا القسم.

ويؤكد رئيس جامعة بغداد على حرص الجامعة الأم على تعزيز علاقاتها مع الجامعات الصينية، داعياً الطلبة الصينيين للاستفادة من برنامج "أدرس في العراق" الذي أطلقته وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.

كما كشفت مصادر من وزارة التعليم العالي، لوكالة شفق نيوز، أن "الوزارة تعمل حالياً على استكمال متطلبات إنشاء قسم للغة الصينية في كلية اللغات بجامعة بغداد عبر إجراءات إدارية واجتماعات تجرى لغرض افتتاح هذا القسم".

الميزان التجاري

وبهذا الصدد يوضح الخبير الاقتصادي مصطفى حنتوش، لوكالة شفق نيوز، أن "نصف الإنتاج العراقي تقريباً من النفط يذهب إلى الصين إذ يصدر العراق 45-50% من انتاجه النفطي إلى الصين ومن بعد ذلك الهند، كما أن الجانب الصيني بدأ بتصميم مصافٍ تعمل على الوقود العراقي، والصينيون لديهم نظرة للتعاون مع العراق لمدة 75 عاماً المقبلة في الجانب التجاري".

ويضيف "التعاون الاقتصادي بين البلدين تطور في مجالات متنوعة، ومنها وجود شركة بتروجاينا الصينية في العراق وشركات المصافي و80% من جولات التراخيص الأخيرة فازت بها شركات صينية، كما أن حجم الميزان التجاري والاستيراد العراقي من الصين يصل من 18-20 مليار دولار سنوياً، وحتى في حال نهوض الصناعة العراقية، فجزء كبير من المواد المستوردة من الصين ستبقى مستمرة دون توقف".

ويتابع أن "العلاقة الأكبر بين العراق والصين ستكون عبر ميناء الفاو الذي سيربط الشرق الممثلة بالصين والهند بالغرب عبر تركيا إلى دول أوروبا".

ويبين حنتوش أن "المفاوض العراقي في هذا الجانب كان ضعيفاً إذ كان يمكن له أن يأتي بشركات صينية لاستثمار المشروع عبر طريق التنمية مع التوازن مع الجانب الأمريكي بإيجاد شركات مشغلة أمريكية، وهو ما كان سيخلق وضعاً مغايراً عما هو عليه الآن".

ويؤكد "العراق يفتقر لوجود مراكز متخصصة في دراسة الدول التي لها تأثير كبير على العراق ومنها: الصين، والولايات المتحدة، وبريطانيا على غرار دول العالم الأخرى ومنها العربية، وبالنتيجة نعيش في عزلة رغم أننا دولة مصدرة ومستوردة، فهذه المراكز يتعين أن تضم العقول الرأسمالية والكفاءات ومغادرة فكرة الاقتصاد الحتمي التي تتلخص بأن الصين ستستورد حتماً من العراق وتحتاجه، فهذه النظرة خاطئة لأن لكل بلد أصبحت بدائل ولا تتقيد بدولة أو بلد واحد".