شفق نيوز/ ابراهيم رئيسي الذي أعُلن فوزه في الانتخابات الرئاسية في إيران، قد تتاح له فرص استثنائية لقيادة تحولات كبيرة في الجمهورية الاسلامية، متسلحا بعلاقته الوثيقة مع مرشد الجمهورية علي خامنئي، وبالنتائج التي قد تترتب على المفاوضات مع الولايات المتحدة والقوى الغربية، واحتمال خروج الإيرانيين بشكل كبير من تحت عبء العقوبات الاميركية.
ويتمتع ابراهيم رئيسي برتبة "حجة الاسلام" الدينية وهي مرتبة دينية متوسطة، لكنها كافية لتضفي المزيد من القناعة على أهليته بنظر أنصاره، لتولي منصب ثامن رئيس للجمهورية منذ نجاح الثورة الاسلامية العام 1979، وليكون صوت المحافظين مسموعا وواضحا.
على الصعيد السياسي العام لم يكن إبراهيم رئيسي معروفا كثيرا في الأوساط الشعبية إلى أن ترشح ضد الرئيس حسن روحاني العام 2017، وحل ثانيا بحصوله على نحو 38% من الأصوات، وشكلت هذه النتيجة التي حصدها أوضح مؤشر على أن الرجل يسير بقوة باتجاه المنصب، وهو ما تحقق مع إعلان السلطات الإيرانية فوزه في الانتخابات بنحو 17 مليون صوت متقدما على ثاني منافسيه محسن رضائي بأشواط حيث نال الأخير نحو 3 ملايين صوت فقط.
إذن سيدخل ابراهيم رئيسي إلى مقر الرئاسة في شارع بستور في طهران، متمتعا بما يراه بمثابة تفويض قوي له لقيادة التغييرات المأمولة في جسم الدولة بعد اكثر من 40 سنة على ثورتها.
لكن لانه لا يتمتع بسجل طويل وحافل في العمل السياسي، يتساءل كثيرون عما اذا كان ابراهيم رئيسي يمتلك موهبة البراغماتية اللازمة ليقود عالم السياسة والاقتصاد في إيران خلال سنواته الاربع المقبلة في الحكم، وهي بيئة تحتاج الى الكثير من الحنكة والحصافة والحذر بالاضافة الى الشجاعة في التعامل مع بيروقراطية الثورة وأقطابها والقوى الفعلية الممسكة بموازين القوى والمعادلات في إيران.
لكن هناك عدة أمور توحي بأن هذا الرجل الذي استهل حياته بالتعليم الديني قبيل الثورة الاسلامية والتحق بمدارس مدينة قم، ومضى قدما فيها بعد الثورة، ليتدرج لاحقا في مواقع إدارية قضائية عدة، قد ينحو الى تغيير وجهة البلاد قليلا عما كان يفعله الرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني الذي انتقده ابراهيم رئيسي في السابق بسبب ما اعتبره رهانه المبالغ فيه على التقارب مع الغرب. وقد يتعزز هذا التوجه مع حقيقة أن الولايات المتحدة فرضت عليه عقوبات عندما تولى منصب رئاسة السلطة القضائية، وهي تتهمه، مثلما تفعل منظمة العفو الدولية، بالتنكيل وقمع معارضين، بل وأكثر من ذلك، بعمليات إعدام طالت منشقين تابعين لمنظمة مجاهدي خلق.
لذا، قد يكون إبراهيم رئيسي اكثر حذرا في التعامل مع الغرب عموما، وخاصة مع الولايات المتحدة. وبكل الاحوال، فان القضايا المصيرية الكبرى، مثلما هو معروف، موضوعة بين يدي قرار مرشد الجمهورية علي خامنئي.
لكن امكانية ان يحدث ابراهيم رئيسي تغيير مهما في وجهة البلاد، مطروحة بقوة، خاصة ان مفاوضات فيينا حول البرنامج النووي الايراني، حققت حتى الآن تقدما لا يستهان به، بحسب تأكيدات المسؤولين الإيرانيين والأميركيين. وبالتالي، من المرجح ان يشهد عهده انفتاحا غربيا جديدا على ايران، والافراج عن ارصدة ايران في الخارج وعودته الى دورة الاقتصاد العالمي برفع العقوبات عن نفطها وقطاعاتها المصرفية والتجارية.
ويفترض ان ابراهيم رئيسي سيحصد ثمار عودة إيران الى الساحة الاقتصادية العالمية، بما يمكن ان يخدمه في تعزيز وتنفيذ وعوده امام الناخبين الايرانيين، بما فيها مكافحة الفقر وتأمين ملايين المنازل لاصحاب الدخل المحدود وتشجيع الزيجات. وفي حال رفع العقوبات، فمن المفترض ان يشعر المواطن الايراني العادي بتحسن أحواله المعيشية بعد سنوات من الضغوط الخارجية والعقوبات التي أرقت حياة ملايين الناس.
لكن الملف الاكبر بين يديه، والذي ربما -ولاسباب اخرى عديدة- اتاح له الصعود بقوة الى قمة المشهد السياسي في ايران، هو الفساد، حيث ان ابراهيم رئيسي عمل لسنوات عدة، وبتوجيه مباشر من المرشد خامنئي من أجل الاصطدام مع الفساد والمفسدين، وهي حملة قادها رئيسي بصفته رئيسا للسلطة القضائية، ونجح خلالها في ملاحقة رؤوس كبيرة، بما في ذلك شخصيات تعتبر من قلب النظام نفسه، ومن التيارات الاصلاحية والمحافظة على السواء مثل شقيق الرئيس روحاني، ومدير مكتب روحاني، ونائب الرئيس الايراني اسحق جهانغيري وغيرهم من كبار المسؤولين في مختلف الميادين.
وأحاط ابراهيم رئيسي نفسه بهالة من نظافة الكف خاصة خلال سنوات توليه ادارة مرقد الامام رضا في مدينة مشهد التي يتحدر منها في العام 2016، وكما هو معروف يدر هذا الضريح اموالا هائلة على الخزينة وتستثمر بمليارات الدولارات في مشاريع عملاقة مرتبطة بالسياحة والعقارات والصناعة والنفط.
لكن منظمة العفو الدولية نددت بانتخاب رئيسي فور إعلانه رئيساً للجمهورية الإسلامية الإيرانية، مؤكدةً أنه يجب أن يخضع لتحقيق في قضايا "جرائم ضد الإنسانية" و"قمع عنيف" لحقوق الإنسان.
واعتبرت المنظمة في بيان أن "واقع أن إبراهيم رئيسي وصل إلى الرئاسة بدلاً من إخضاعه للتحقيق في جرائم ضد الإنسانية وجرائم قتل وإخفاء قسري وتعذيب، هو تذكير قاتم بأن الإفلات من العقاب يسود في إيران".
واتّهمت المنظمة الحقوقية ومقرها لندن، رئيسي بأنه كان عضواً في "لجنة الموت" التي نفّذت عمليات إخفاء قسري وإعدامات خارج نطاق القضاء بشكل سري بحق آلاف المعارضين المعتقلين، حين كان يشغل منصب معاون المدعي العام للمحكمة الثورية في طهران عام 1988.
ويرى كثيرون ان إبراهيم رئيسي يعتبر تلميذا للسيد خامنئي تعلم على يديه، بل ان المرشد نفسه هو من عينه لتولي ادارة مرقد الامام الرضا، وهو الذي وضعه في موقع رئاسة السلطة القضائية وكلفه باعلان حرب على الفساد، لا بل انه لولا تأييد المرشد، لما ترشح بتشجيع من المحافظين لخوض الانتخابات العام 2017، ثم الانتخابات الحالية.
ويذهب كثيرون الى الاعتقاد بان السيد خامنئي ربما يكون في طور تهيئة ابراهيم رئيسي لخلافته في موقع مرشد الجمهورية، علما بان خامنئي نفسه، كان رئيسا لايران في مرحلة الثمانينيات قبل ان يخلف روح الله الخميني بعد وفاته في موقع المرشد. ومن المعلوم ايضا ان رئيسي عضو في مجلس خبراء القيادة منذ العام 2007، وهو أعلى سلطة في ايران ومكلف باختيار المرشد الأعلى. ولهذا، ليس غريبا ان خامنئي اعلن مع ظهور انتصار رئيسي، ان الانتخابات تشكل "انتصارا للشعب الإيراني في افشال المؤامرات الخبيثة والحرب الإعلامية التي شنها العدو".
في العام 1982، شغل ابراهيم رئيسي منصب مدعي عام مدينة كرج. وفي العام 1986، عين مدعيا عاما للعاصمة طهران. وعمل ايضا مساعدا لرئيس السلطة القضائية، ثم مدعيا عاما على مستوى ايران بين عامي 2015 و2017. وكان من اللافت ان تعيينه لادارة الحرم الرضوي المقدس كان في العام 2016، اي خلال توليه منصب المدعي العام، الى ان عين على رأس السلطة القضائية بتكليف من خامنئي ليقود عملية تغيير قضائية تساهم في مرحلة جديدة من مسيرة الثورة في ايران.
ولهذا، فان العديد من المراقبين يعتبرون ان ابراهيم رئيسي هو ابن حقيقي للنظام، ومؤهل، طالما يحظى برعاية خاصة من السيد خامنئي، وتتوفر امامه ظروف استثنائية على صعيد العلاقة الخارجية لايران، لقيادة مرحلة جديدة وحافلة بالتحولات والتغييرات على الصعيد الداخلي الايراني، وعلى الصعيد الخارجي.
وسيكون امام ابراهيم رئيسي تحديات كبيرة للتعامل معها، بدءا من اصلاح الوضع الاقتصادي، الى ترتيب العلاقات الجديدة المحتملة مع الغرب، ومتابعة ملف الانفتاح السعودي الذي يجري برعاية عراقية، والاشراف على العلاقة المتعددة الجوانب مع العراق الذي زاره رئيسي قبل الانتخابات باسابيع قليلة.
وابراهيم رئيسي من مواليد 14 ديسمبر/كانون الاول 1960، في مدينة مشهد، وكان والده ايضا رجل دين لكنه توفي بينما كان ابراهيم رئيسي بعمر الخمسة اعوام فقط. زوجته جميلة علم الهدى، وهي حاصلة على شهادة الدكتوراه وأستاذة في العلوم التربوية في جامعة بهشتي، ولديهما ابنتان وحفيدان.