شفق نيوز/ حذر موقع "دويتشه فيله" الألماني من أن ظاهرة "التضخم الحراري"، التي تشير إلى التزايد الكبير في درجات الحرارة، تتسبب في ارتفاع كبير في أسعار الغذاء، خصوصا وبشكل اسوأ في منطقة الشرق الأوسط كما في العراق.
وبحسب التقرير الألماني الذي ترجمته وكالة شفق نيوز؛ فان الباحثين يعتبرون أن "التضخم الحراري" سيكون في أسوأ مظاهره في الشرق الاوسط ومناطق اخرى في العالم تعاني من السخونة المرتفعة، وتأثيراتها السلبية ستكون أكبر.
واستهل الموقع الالماني تقريره بالاشارة الى العراق حيث يتناول معظم العراقيين الطماطم ضمن وجباتهم الغذائية مرة واحدة على الأقل يوميا، واحيانا اكثر من مرة.
ونقل التقرير عن الصحفية خلود سلمان، المقيمة في بغداد، قولها انه عندما ترتفع أسعار الطماطم، فان الناس يبدأون بالفعل في الشكوى، مشيرة إلى أن
أسعار الطماطم "ارتفعت من 750 دينارا عراقيا للكيلو الواحد الى 2000 او حتى 2500 دينار خلال الصيف الماضي".
وأشارت خلود سلمان إلى أن الناس ينشرون حول هذه المشكلة على "فيسبوك"، متحدثة عن منشور ساخر من شاب عراقي قال فيه ان الطماطم صارت باهظة الثمن لدرجة أن والدته تقوم بحراسة ثلاجتهم في البيت.
وبحسب سلمان، فان اسعار الاطعمة الغذائية مثل الطماطم، تتبدل بانتظام في الأسواق المحلية بحسب مدى تأثر المحصول بأحوال الطقس أو الجفاف.
ولفت التقرير إلى أن الطماطم تتأثر بشكل خاص بارتفاع درجات الحرارة في العراق لأنه غالبا ما تتم زراعتها وبيعها من قبل المزارع الصغيرة التي لا تتوفر لديها وسائل لتخزين او تبريد المحصول، وتكون مضطرة بالتالي لبيع المحصول المعرض للتلف بشكل سريع.
ونقل التقرير عن الاقتصادي العراقي محمد الفاخري، قوله إن "سنوات الحرب حالت دون تمكن العراق من تطوير الإنتاج الزراعي وتسويق منتجاتهم، حيث لا يزال يتعامل بطرق التقليدية، وهو ما يشبب "هدرا للوقت والجهد بالنسبة الى المزارع العراقي".
لكن التقرير قال ان العراق ليس الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تتضرر من تأثير التغيير المناخي على أسعار المواد الغذائية بهذا الشكل المباشر.
وعلى سبيل المثال، أشار التقرير إلى أنه في سبتمبر/أيلول الماضي، تضاعف سعر البصل في مصر ثلاث مرات ليصل إلى 35 جنيها مصريا (0.74 دولار)، مضيفا ان مزارعي البصل قالوا ان موجة الحر أدت الى انخفاض المحصول، وبالتالي تزايد سعره، بالإضافة إلى زيادة تكاليف الإنتاج.
وهناك ايضا المغرب حيث عانى مزارعو الطماطم من مشاكل مماثلة عندما وصل الصقيع الذي لم يكن متوقعا بعد اوائل الربيع، حيث أزهرت محاصيل الطماطم في وقت مبكر جدا وتسبب البرد الى تدمير الثمار الجديدة، ولهذا، فإنه في حين كان سعر كيلوغرام الطماطم في السابق يبلغ 5 دراهم مغربية (0.50 دولار) في الأسواق المحلية، فإن سعره تضاعف إلى 12 درهما، ففرضت الحكومة المغربية حظرا جزئيا على صادرات الطماطم.
والآن، يقول التقرير انه بعد تخفيف حظر التصدير خلال هذا العام، ارتفعت أسعار الطماطم مجددا، بينما قال أحد المزارعين المحليين أن المزارعين يتخلون عن زراعة الطماطم بسبب ارتفاع التكاليف والمياه اللازمة.
ونقل التقرير عن الخبير الاقتصادي الطيب عيص، من الرباط، قوله إنه "بسبب ارتفاع الاسعار، لم تعد الأسر ذات الدخل المنخفض، بمقدورها الحصول على الفواكه والخضروات واللحوم التي تحتاجها".
"التضخم الحراري"
وذكر التقرير أن هذه الزيادات في الأسعار تندرج تحت فئة "التضخم الحراري"، وهي الظاهرة التي يعرّفها المنتدى الاقتصادي العالمي بأنها "الارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية الناتج عن الحرارة الشديدة".
ونقل التقرير عن أستاذ الاقتصاد ومدير مركز التمويل المستدام في جامعة لندن اولريش فولز قوله انه "ليس هناك شك في وجود التضخم الحراري، فالأدلة التجريبية واضحة بأن التغيير المناخي له آثار متزايدة على الإنتاج الزراعي واسعار المواد الغذائية في كافة أنحاء العالم".
كما نقل التقرير عن متحدث باسم برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة قوله إن "التضخم الحراري حقيقة واقعة" في منطقة الشرق الأوسط، مضيفا أنه مع "استمرار التغير المناخي، فإنه من المرجح تفاقم نقاط الضعف، مما يعزز من تقويض قدرة المجتمعات الأكثر فقرا على تلبية احتياجاتها الغذائية الاساسية".
وتناول التقرير دراسة نشرت في آذار/مارس الماضي حيث قام باحثون من معهد بوتسدام لأبحاث تأثير المناخ والبنك المركزي الأوروبي، بدراسة مدى تأثير "التضخم الحراري" على كُلف الغذاء في المستقبل.
واستعرضت الدراسة أسعار المواد الغذائية والسلع الأخرى في 121 دولة منذ العام 1996، بينما خلص الباحثون إلى أنه مع حلول العام 2035، فان التغير المناخي قد يؤثر على ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة تتراوح بين 1٪ و 3٪ سنويا، وأنه مع حلول العام 2060، فان الزيادة يمكن أن تصل الى 4.3% سنويا.
وبحسب هؤلاء الباحثين، فإن معظم هذه الزيادة ستأتي من القضايا المتعلقة بالحرارة وليس من الأمطار الغزيرة أو الفيضانات. كما أن الباحثين اعتبروا ان "التضخم الحراري" قد تكون له تأثيرات اكثر دراماتيكية في المناطق الساخنة بالفعل، مثل الشرق الاوسط وافريقيا وامريكا الجنوبية، الا ان اسعار المواد الغذائية في اوروبا وامريكا الشمالية ستسجل ايضا بضع نقاط مئوية من "التضخم الحراري". وقال التقرير إن مثل هذا التضخم يسجل زيادة اكبر في دول الشرق الاوسط، حيث انه في مصر مثلا يبلغ معدل التضخم الرئيسي حاليا أكثر من 30%.
الى ذلك، ذكر التقرير أن ورقة بحثية نشرها صندوق النقد الدولي في نيسان/ابريل الماضي، تشير إلى وجود عوامل أخرى بخلاف "التضخم الحراري" تسبب معدلات التضخم التي سجلت في مصر ولبنان وسوريا وإيران وتركيا، بما في ذلك "عجز الميزانية، وارتفاع مستويات الدين العام، وانخفاض قيمة العملة، ومستويات خطيرة من التضخم"، فضلا عن الصراعات والحروب، واعتماد بعض الدول على الواردات الغذائية مثل القمح.
وبرغم ذلك، نقل التقرير عن فولز قوله ان "تضخم أسعار المواد الغذائية قد يصبح بالفعل أكثر اهمية" من العوامل الأخرى.
كما نقل التقرير عن خبراء قولهم إنه من المهم الاعتراف ب"التضخم الحراري" لأن زيادة أسعار المواد الغذائية يؤثر عادة بشكل أكبر على الأشخاص الأكثر هشاشة في الأسر من أصحاب الدخل المنخفض. والى جانب أن نقص التغذية يمكن أن يسبب مشاكل في نمو الأطفال، فإن ارتفاع أسعار المواد الغذائية قد يخلق كافة أنواع الاضطرابات الاجتماعية في الشرق الاوسط.
وخلص التقرير الى القول انه مثلما هو الحال بالنسبة الى ظاهرة التغير المناخي العالمي، فإنه لا وجود لحلول سهلة للتعامل مع "التضخم الحراري". ونقل عن فولز قوله انه "من أجل منع حدوث الأسوأ، فإنه يتحتم على دول الشرق الاوسط وشمال افريقيا، وخصوصا منتجي النفط، أن يلعبوا دورهم في الحد من آثار تغير المناخ".
ونقل التقرير عن فولز قوله في الختام أن مدى تأثير "التضخم الحراري" على الشرق الأوسط في المستقبل، وبالتالي مدى ارتفاع الأسعار، سيعتمد على عوامل متعددة، إلا أن أحد أهمها سيكون مقدار استثمار الدول في هذا النوع من الحلول.
ترجمة: وكالة شفق نيوز