شفق نيوز/ رغم وجود موظفين في وزارة الكهرباء العراقية، لجباية أجور استهلاك الطاقة الكهربائية من المستهلكين واعتماد الدفع الإلكتروني منذ عام 2022 لتسديد الأجور بطريقة مباشرة، لجأت وزارة الكهرباء العراقية - في خطوة قد تبدو غريبة - إلى التعاقد مع شركات أهلية لجباية الأجور، ما يطرح تساؤلات عن الهدف من هذه التعاقدات التي "تثير الشكوك وتتيح مجالات للفساد والسيطرة على الأموال"، وفق مراقبين.
ويؤكد المتحدث باسم وزارة الكهرباء العراقية، أحمد موسى، أن "هذه الشركات هي لتقديم الخدمة وليس لجباية أجور الكهرباء فقط، كما أن العقود تضمنت بنوداً والتزامات على الطرفين، جزء منها على وزارة الكهرباء والآخر على الشركات المعنية بالخدمة والجباية".
ويوضح موسى لوكالة شفق نيوز، أن "عقود شركات الخدمة والجباية من فقراتها تشغيل 80 بالمائة من كادر موظفي وزارة الكهرباء مع تأمين رواتبهم ضمن نسبة محددة التي هي 12.9 بالمائة، فهذه المبالغ تستحصل مقابل لقاء ما تُقدم هذه الشركات من خدمة وجباية، أما المبالغ المتبقية فهي تذهب لصالح وزارة الكهرباء".
ولفت إلى أنه "لا استغناء عن موظفي وزارة الكهرباء حتى مع وجود شركات الخدمة والجباية، إذ يعمل الموظفون الباقون ضمن مقررات العقود أو مع الوزارة".
"أمر في غاية الغرابة"
لكن الموظفة مريم جاسم (اسم مستعار) التي تعمل في مركز جباية كهرباء الكرخ تقول إن "تحويل جباية أجور استهلاك الكهرباء إلكترونياً من قبل شركات أهلية أمر في غاية الغرابة، فنحن نقوم بهذه المهمة منذ فترة طويلة ونحقق شهرياً عائدات بمليارات الدنانير، فما الحاجة إلى تولي شركة أهلية هذه المهمة؟".
وتضيف لوكالة شفق نيوز، "في السنوات السابقة كان المواطنون يمتنعون عن تسديد أجور الكهرباء لعدة أسباب، أبرزها عدم استقرار تجهيز الكهرباء للمنازل والاعتماد على المولدات الأهلية أكثر من الكهرباء الوطنية، لكن في السنوات الأخيرة تحسن وضع التجهيز، وبدأت معظم مناطق بغداد بتسديد الأجور بشكل طبيعي".
وتشير إلى أنه "في حكومة حيدر العبادي بدأت عمليات خصخصة الكهرباء لكنها توقفت بعد فترة ما سمح لشركات أهلية محدودة بالسيطرة على وزارة الكهرباء واحتكار الجباية لصالحها ولم تسمح لشركات أخرى بالحصول على عقود الجباية ومنافستها".
وتؤكد، "منذ ذلك الحين ولغاية هذه السنة، تقوم الشركات الأهلية بالجباية ونحن أيضاً، وقد حققنا إيرادات ضخمة للوزارة فما الداعي بالعودة إلى توسيع الخصخصة مجدداً، خصوصاً وأن الشركات الأهلية تستغني عن جميع موظفي الملاك الدائم بحجة أن رواتبهم مرتفعة وتقتصر على موظفي العقود الذين لا تتجاوز رواتبهم الشهرية 500 ألف دينار".
وتتساءل الموظفة، أن "شركة توزيع كهرباء الكرخ بالأساس تعاني من ترهل وظيفي وبطالة مقنعة، ومع إعادتنا إليها سيكون هناك تضخم وظيفي، الشعب والأٌقسام مكتظة بالأساس وبالتالي أين سنجلس نحن ونؤدي واجباتنا؟".
وتختم بالقول، إن "هذا الإجراء أشبه بالعقوبة للعديد من موظفي مراكز الجباية، فنحن في مركز جباية الكرخ على سبيل المثال لدينا موظفين منازلهم بعيدة جداً عن مقر شركة كهرباء الكرخ، وهؤلاء لديهم أطفال في المدارس ورياض الاطفال والحضانات فما هو مصير أطفالهم؟".
"عقوبة فعلية"
موظفة أخرى أسيل كرار (اسم مستعار) توضح أن "إعادة موظفي مراكز الجباية إلى دوائرهم عقوبة فعلية وليس إجراءً إدارياً يخدم الدولة، فمركز الجباية الذي أعمل فيه يبعد 40 كيلومتراً عن شركة توزيع كهرباء الرصافة التي يتبع لها مركزنا".
وتبين لوكالة شفق نيوز، "يجب أن أستيقظ في الساعة الخامسة فجراً على أقل تقدير، والمشكلة ليست متى أستيقظ بل ماذا أفعل مع أطفالي وكلاهما في المدرسة، هل أرسلهما فجراً للمدرستيهما قبل أن تفتح قبل الدوام، ثم عند انتهاء الدوام أين سيذهبون والمنزل مغلق لكون زوجي هو الآخر موظف، ونحن نسكن في منزل مستقل؟".
وتنبه إلى أن "النسبة التي ستحصل عليها شركة الجباية الأهلية هي أشبه بمكرمة تقدمها وزارة الكهرباء والحكومة للشركة بدلاً من أن تذهب هذه النسبة إلى خزينة الدولة، فما هي الجدوى إذاً، خصوصاً وأن دفع أجور الكهرباء إلكترونياً بدء العمل به من العام الماضي، ما يعني سواء كان مركز الجباية يدار من قبل الموظفين الحكوميين أو شركة أهلية فالأمر لا يشكل فرقاً".
من جهته، يؤكد عضو لجنة النفط والغاز النيابية، باسم الغريباوي، أن "الأعداد الهائلة من الموظفين يفترض الاستفادة منهم، فمن غير المعقول ترك الذين يتم تعيينهم وهم يثقلون كاهل الموازنة والإتيان بشركات تكلف الدولة أيضاً، لذلك ينبغي استثمار الموظفين الموجودين في الوزارة".
ويضيف الغريباوي لوكالة شفق نيوز، أن "الوزارات بضمنها وزارة النفط عند زيارتها تقول إن لديها فائض بأعداد الموظفين، لذلك يجب استثمار هؤلاء الموظفين بدل التعاقد مع هذه الشركات".
"دورها الجباية فقط"
من جانبه، يرى مدير أحد مراكز الجباية في أطراف العاصمة بغداد، (رفض الكشف عن اسمه)، أن "مشروع خصخصة الكهرباء لم يخدم وزارة الكهرباء ولا الدولة، فالشركات التي تم التعاقد معها في السابق لم تلتزم ببنود العقد والذي يتضمن أن تتولى الشركات أعمال الصيانة وتجديد خطوط نقل الطاقة وغيرها، لكن على أرض الواقع لم تقم الشركات سوى بالجباية لا أكثر، مع دفع مبالغ جيدة للمديرين العامين للشركات مقابل السكوت عنها".
ويلفت المدير خلال حديثه لوكالة شفق نيوز إلى أن "العودة إلى الشركات الأهلية لجباية أجور الكهرباء بعد اعتماد الدفع الإلكتروني لا يمكن تبريره تحت أي عنوان لأن المواطن بإمكانه الآن الدفع مباشرة عبر بطاقات الماستر كارد وغيرها وتذهب الأموال مباشرة إلى رصيد وزارة الكهرباء في المصارف، وبالتالي فإن مراكز الجباية سواء كانت تدار من قبل الموظفين أو الشركات الأهلية لا دور لها أساساً".
ويتابع، "لا أجد مبرراً لهذه العملية المضحكة سوى أن هناك مسؤولاً أو مجموعة مسؤولين رفيعي المستوى سينتفعون من هذه العملية وستعزز أرصدتهم التي اكتسبوها بالرشوة والفساد المالي، وإلا فلا مبرر للأمر، خصوصاً وأن الحال لا يقتصر على وزارة الكهرباء فقط بل شمل مراكز جباية أجور استهلاك الماء، ومحطات الوقود، ما يعني أن الرشاوى بحسب تقديري تصل لعشرات المليارات من الدنانير إن لم تكن مئات المليارات".
يشار إلى أن محطات تعبئة الوقود في العاصمة بغداد باشرت باعتماد الدفع الإلكتروني منذ نيسان 2023.
وكان البنك المركزي العراقي أعلن في حزيران/ يونيو 2023، دخول قرار مجلس الوزراء العراقي المرقم (23044) للعام 2023 حيز التنفيذ، والمتمثل بزيادة عدد أجهزة الدفع الإلكتروني في المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص لتعزيز ثقافة الدفع والتحصيل الإلكتروني، والتقليل من استخدام النقود الورقية في الجباية والتعاملات التجارية.
شكوك لجباية الشركات
بدوره، يقول الباحث في الشأن الاقتصادي، أحمد عيد، أن "مشاريع أتمتة الجباية والبيانات أمر ضروري في ظل التقدم التكنولوجي الذي يشهده العالم، من خلال تطبيقات جباية إلكترونية ترتبط بمنظومة موحدة تسيطر عليها وزارة المالية عبر شركات وطنية بعيداً عن الخصخصة مادام التجهيز مرتبطاً بوزارة الكهرباء".
ويلفت عيد خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، إلى أن "مسألة إعطاء الجباية لشركات خاصة مملوكة لشخصيات أو تقف خلفها جهات غير معلومة بعيداً عن سيطرة الدولة تثير الكثير من الشكوك، وتتيح مجالات للفساد والسيطرة على الأموال".
ويؤكد أن "الأفضل في هذا الاتجاه أن تتم الجباية بواسطة البنوك العراقية من خلال تطبيقاتها الإلكترونية أو عن طريق تطبيق موحد خاص بوزارة الكهرباء يرتبط ارتباطاً مباشراً بالبنوك العراقية ليتم تسديد مبالغ الجباية من خلالها".
ويضيف، أن "الكثير من الدول ومنها بلدان مجاورة للعراق، تستخدم التطبيقات البنكية لتسديد تكاليف حياتها اليومية ومنها فواتير الكهرباء، وهذا الأمر يتيح رقابة الدولة لحركة الأموال، وسيطرتها على أموال الجباية بعيداً عن عمليات الاحتيال والفساد والتلاعب".
الجباية الإلكترونية
يُذكر أن وزارة الكهرباء العراقية، أطلقت في 14 حزيران 2022، مشروع الجباية الإلكترونية، وإتاحتها للمواطنين من داخل وخارج البلاد، مبينة أن المرحلة الأولى للمشروع تشمل سكان مجمع بسماية وحي الجامعة في العاصمة بغداد.
وقال إعلام وزارة الكهرباء، في بيان ورد إلى وكالة شفق نيوز، إن "وزارة الكهرباء وبالتعاون مع شركة بوابة العراق الالكترونية للخدمات المالية (سويتش)، تعلن عن إطلاق مشروع الجباية الالكترونية لدفع أجور استهلاك الطاقة الكهربائية إلكترونياً"، مبينة أن ذلك يأتي "في إطار تفعيل خطة التحول الرقمي، وتعزيز ميزاته في تسيير العمليات الإدارية والمالية والفنية في وزارة الكهرباء وشركاتها العامة كافة".
وأوضحت، أن المشروع يطلق "كمرحلة أولى لمنطقتي حي الجامعة في جانب الكرخ، ومجمع بسماية السكني في جانب الرصافة، وفق قوائم الكهرباء الصادرة من الشركات العامة لتوزيع الطاقة الكهربائية، والتي تصل إلى المواطن من قراء المقاييس ولجميع الأصناف (السكني، الزراعي، الصناعي، والتجاري)".
وبينت، أنه "أصبح بإمكان المواطن الآن الاستعلام ودفع قيمة قائمة الكهرباء إلكترونياً، من داخل وخارج العراق، بأجور بسيطة (750 دينار عراقي فقط)، من خلال التطبيق الخاص (فواتير الكهرباء – العراق)، المتوفر على متجري أندرويد وآبل، أو من خلال نقاط البيع الإلكترونية لدى الوكلاء المعتمدين في منطقتي حي الجامعة ومجمع بسماية السكني، دون الحاجة إلى مراجعة مراكز الجباية، إضافةً إلى إمكانية الدفع من خلال موقع الوزارة الإلكتروني الرسمي".