شفق نيوز/ خلص موقع "ميدل ايست آي" البريطاني، يوم السبت، الى ان الوضع المتمثل ببقاء زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر خارج الحياة السياسية، يظهر انه "لعبة صعبة وخطرة"، وان خصومه كما انصاره، لهم مصلحة متزايدة بعودته للانخراط في الحياة السياسية، ويحاولون استدراجه للخروج من اعتكافه السياسي في الحنانة.
وبداية، عاد التقرير الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، الى الايام الاخيرة من شهر رمضان الماضي، عندما كان مقتدى الصدر منهمكا بالتحضيرات لاعتكافه السنوي وايام التأمل التي يمضيها في مسجد الكوفة الكبير، مشيرا الى انه كان من الواضح لمن هم حوله الى انه كان يسعى الى الابتعاد عن الاحداث في العالم خارج جدران منزله في الحنانة.
عام من الاعتكاف
وذكّر التقرير بأن نحو سنة مرت منذ اعلن الصدر انسحابه من الحياة السياسية، وهو رفض منذ تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، الدخول في اي حوار سياسي او استقبال زوار يحاولون التحدث اليه حول التطورات او القضايا التي يواجهها البلد.
وبحسب التقرير فإن مرافقي الصدر كان بمقدورهم رؤية صعوبة التزامه بالهدوء خلال قيامه بترتيباته من اجل عزلته في مسجد الكوفة لمدة ثلاثة ايام، وانه من الصعب عليه الابتعاد عن دراما السياسة اليومية.
ونقل التقرير عن احد مساعدي الصدر قوله ان الزعيم الصدري كان قبل ايام من بدء الاعتكاف يسأل عمن سينضم إليه في الاعتكاف، وما هو الطعام الذي سيقدم لهم خلال هذه الايام الثلاثة، وان الجميع كانوا يقولون له ان الامور على ما يرام وكما يريدها، الا ان هذا لم يكن صحيحا بالكامل.
"أصحاب القضية"
واشار التقرير الى ظهور مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي في 13 نيسان/ ابريل الماضي، لشاب ملتح ومقنع يدعو الجميع الى مبايعة الصدر باعتباره الامام المهدي المنتظر، والى حملة مبايعة كبيرة ستنطلق من مسجد الكوفة حيث يتواجد الصدر، حيث انه بعدها بساعات بدأ عشرات الاشخاص يتجمعون في الحنانة للاعلان عن ولائهم، الا ان حراس الصدر، بدل ان يستقبلونهم، اعتدوا عليهم بالضرب وسلموهم للشرطة المحلية.
وعلى حد قول المساعد الصدري، فإن الصدر كان يدرك بالفعل ان هناك الكثير من المتحمسين في التيار الصدري الذين يظنون بالفعل انه الامام المهدي، ولهذا لم يكن الرجل المقنع بالنسبة اليه مسألة استثنائية بشكل كبير، لكن لسبب ما فإن هذه التطورات "استفزته كثيرا وأثارت مخاوفه".
ولفت التقرير، إلى أن ما جرى بدلا من ان ينظر اليه على انه بمثابة عرض للموالاة، فإنه بدا محاولة لزعزعة استقرار الصدر.
وبحسب المساعد الصدري، فإن هذه الحادثة مثلت "تهديدا واضحا لحياة الصدر وتهديدا بالفوضى".
وبحسب المساعد، فإنه بغض النظر عمن كان من يقف وراء الفيديو، فإنه اراد استفزاز الصدريين للتجمع عند مسجد الكوفة لاندلاع مواجهة مع رجال الدين الشيعة في النجف الذين لن يقبلوا الادعاء بأن الصدر هو بمثابة المهدي الذي طال انتظاره.
ونقل التقرير عن مساعد الصدر قوله ان "خطورة هؤلاء الناس كبيرة، وبإمكانهم ارتكاب جرائم باسم الصدر".
وذكر التقرير انه في حال كان هذا التحليل صحيحا، فإن رد الصدر اظهر انه يستوعب تماما ما يدور في اللعبة وقرر النأي بنفسه عنه بأسرع ما يمكن، مضيفا ان الصدر عمد الى الغاء اعتكافه واغلاق معظم مكاتبه، ووقف العمل الديني والاجتماعي للتيار الصدري لمدة عام على الاقل.
"خطة خبيثة"
وبحسب ثلاثة قادة شيعة بارزين فإنه كانت هناك "خطة خبيثة كانت وراء تلك الحركة" المتعلقة بفيديو الرجل الملثم، وان الصدر كان بالفعل هدفاً.
وقال احد القادة الثلاثة انها "كانت لعبة ايديولوجية هدفها التلاعب بالصدر وتضخيم غروره، واذا التزم الصمت او رد على اللعبة بشكل ايجابي، فإن قتله يصير شرعيا".
وأضاف القيادي ان "من كان يقف وراء هذا المخطط كان يسعى لتوريط الصدر واجباره بشكل او بآخر على اتخاذ موقف".
وذكر التقرير انه منذ ذلك اليوم فقد تلقى الصدر ضربات اضافية مؤلمة، سواء من قبل خصومه السياسيين او من الاشخاص الاقرب، مضيفا انه "يبدو أن اكثر من لاعب يحاول اخراجه من عزلته".
الحائري والتقاعد المفاجئ
واستعاد التقرير موقف آية الله العظمى كاظم الحائري، مذكرا بأنه بعد اغتيال محمد محمد صادق الصدر على يد عملاء صدام حسين في العام 1999، بدأ الصدريون باتباع الحائري روحيا ونجل الصدر المقتول، مقتدى، سياسيا، كما أجاز الحائري الاذن لمقتدى الصدر لإدارة مكتب والده والمدارس الدينية، وكذلك الأموال التي تم جمعها من خلال الصدقات والخمس والتبرعات، وهو ما افاد الصدر بشكل كبير وساعد في ابقاء التيار الصدري متماسكا تحت قيادته، وخصوصا الحفاظ على ولاء الشباب الذين ولدوا بعد وفاة والده.
لكن هذا الوضع تبدل تماما في نهاية آب/ اغسطس 2022، عندما أعلن الحائري تقاعده "المفاجئ وغير المسبوق" بسبب المرض والتقدم في السن، والغى الاذن الممنوح للصدر لادارة اموال وأنشطة التيار.
ونقل التقرير عن الاستاذ في معهد النجف العلمي خالد الحمداني قوله ان "التقاعد المفاجئ للسيد الحائري اربك الصدر واحرجه كثيرا"، مضيفا ان "التقاعد ليس عادة عند رجال الدين في النجف، ولهذا فإنه فاجأ الجميع به، وقد أثر هذا التقاعد على جميع الترتيبات بين مكاتب الصدر والحائري التي يعود تاريخها الى العام 2003".
واعتبر التقرير ان تقاعد الحائري دفع الصدر الى تعليق عمل المدارس والمؤسسات الدينية الصدرية، وتوقف عن تلقي الخمس، وانه بالاضافة الى خسارة مئات الملايين من الدولارات التي كان يحققها، بدأ يحدث نزيف في صفوف اتباعه.
تقليد الخامنئي
والى جانب ذلك، انه بالاضافة الى الطبيعة "الصادمة والغريبة" لاعلان الحائري، كان هناك ايضا الامر الذي صدر لاتباع المرجع الحائري بـ"طاعة" المرشد الاعلى الايراني علي خامنئي بدلاً من ذلك.
ونقل التقرير عن زعيم صدري بارز قوله "هنا يكمن الخطر"، حيث ان الصدريين كانوا يخجلون من اتباع خامنئي روحيا، وبالتالي العمل مع الفصائل العراقية المسلحة المرتبطة بالمرشد الايراني.
وتابع التقرير ان الحائري لم يكتف بإحراج الصدر بربطه بخامنئي، الذي كان بعيدا عنه لفترة طويلة، بل انه فتح الباب امام الصدريين لاعتبار رجال الدين الآخرين مرجعا لهم بدلا من محمد محمد صادق الصدر.
كسر الحلقة المغلقة
ونقل التقرير عن مساعد للصدر قوله "هل بإمكانك ان تتصور ما جرى.. الحلقة شبه المغلقة التي كان الصدر حريصا على ابقاء الصدريين في داخلها، قد انكسرت وهذا ما لم يتوقعه الصدر ابدا".
ولفت التقرير الى ان مكانة الصدر اصبحت موضوعا ساخنا في النقاشات، حيث فتح اعلان الحائري الباب اما خصوم مقتدى الصدر للتشكيك في شرعيته في كل فرصة، فيما تقوم العشرات من الحسابات على "تيلغرام" و"واتساب" و"فيسبوك"، والبعض منها على ارتباط بفصائل مسلحة وبعضها الاخر مجهول الهوية، بالترويج للنقاشات بشكل كبير منذ اسابيع.
وتابع التقرير ان "التهديد الحقيقي الذي يواجه الصدر، سياسي وليس ايديولوجيا، خصوصا بعدما أدرك خصومه، من الشيعة بشكل خاص، ان مصدر قوته الأساسي هو نفس مصدر ضعفه الاساسي اي فتوى الحائري".
التعهد بالدم
وقال التقرير ان الصدر، وكرد على ذلك، حاول حشد الدعم، ففي 29 نيسان/ ابريل، طلب من اتباعه تقديم تعهد مكتوب موقع بالدم بعدم اتباع اي عالم ديني لم يكن صدريا، وبعدم الانضمام الى اي "مجموعات مشبوهة تريد تقويض العراق والطائفة والتيار الصدري".
وبحسب التقرير فإن الصدر كان يريد التأكيد لاتباعه بأن خصومه لديهم "مخططات خبيثة" تهدف إلى تفكيك التيار الصدري وتحريضهم على التشكيك بمرجعهم أو زعيمهم، اي الصدر نفسه.
وبحسب احد مساعدي الصدر السابقين الذي انشق قبل بضع سنوات للالتحاق بفصيل مسلح تدعمه ايران فإن "القضية بعيدة كل البعد عن الفقه والدين والايمان، فهي صراع على القاعدة الشعبية للصدر"، مضيفا "كلنا يعلم انه من الاسلحة المستخدمة في المعركة التشكيك في سلطة الصدر الدينية والعقائدية، وطرح التساؤلات حول طبيعة العلاقة بينه وبين اتباعه".
وفي اشارة الى جيل الشباب الملتزمين تجاه الصدر روحيا وسياسيا، قال المساعد الصدري السابق ان الهدف الرئيسي للصدر في الوقت الحالي هو "تحصين هؤلاء الناس وابقائهم تحت السيطرة بعيدا عن نفوذ المعارضين".
منافسة الأخوة
واعتبر التقرير ان اكثر خصوم الصدر شراسة هم رفاقه السابقون من أتباع والده وعمه، وهم اناس خاض معركة معهم، مضيفا انه من بين ابرز الفصائل المسلحة عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله، التي تتداخل إيديولوجيا وديمغرافيا وإقليميا مع التيار الصدري، مذكرا بأن الفصائل الثلاثة نشأت من المدرسة الفقهية ذاتها التي اسسها الزعيم الأول للصدر، محمد باقر، عم الصدر ووالده.
وتابع التقرير ان هذه التقاطعات الديموغرافية والايديولوجية تعقد المنافسة بين الفصائل، مما يجعل تقاتلها اكثر قسوة، وانه بسبب الطبيعة الأخوية لمنافستهم هذه، تعني ان الصدريين وعصائب أهل الحق وكتائب حزب الله، يدركون بالضبط كيف يقوضون بعضهم البعض ويقدمون الاغراءات لمقاتليهم لكي ينشقوا.
إلغاء الزيارة
وعلى سبيل المثالل، اشار التقرير الى ان الصدر اصدر في 6 ايار/ مايو، تعليماته لانصاره بإحياء الذكرى السنوية لاغتيال والده في وقت لاحق من الشهر، وقرر الا يسمح سوى لمن وقعوا التعهدات الممهورة بالدم، بأن يشاركوا في مراسم النجف، وان يسيروا على الاقدام من أطراف المدينة إلى المكان الذي قتل فيه الصدر الاكبر.
ونقل التقرير عن احد مساعدي الصدر قوله ان شروط الصدر والمسيرة المخطط لها كانت رسالة الى خصومه ليظهر لهم أنه وحده القادر على تحريك مثل هذه الحشود الضخمة من المصلين.
واوضح المصدر ان "الخطة كانت بأن يرى الجميع عدد الذين يرغبون في الموت فداء من اجل الصدر. لا ننكر ان الهدف كان اظهار قوتنا ورجالنا".
لكن المسيرة الغيت قبل أيام فقط من موعدها، حيث وزع مكتب الصدر تسجيلا صوتيا له، يأمر فيه الجميع بوقف الاستعدادات واغلاق مرقد الصدر في النجف طيلة الاسبوع الأخير من أيار/ مايو، وهو موعد حلول الذكرى السنوية.
وبحسب التسجيل الصوتي للصدر، فإنه يقول مستخدما التعبير الشائع لعصائب اهل الحق، ان هذا "افضل عقاب لهذه المجموعة المنافقة ومن يدعمها من الميليشيات الفاسدة والوقحة".
انشقاقات
وفي هذا السياق، قال التقرير ان مراسلات داخلية للتيار الصدري تم الاطلاع عليها في اواخر نيسان/ ابريل تظهر ان فرع الامن المركزي في سرايا السلام، أمر بطرد 18 مقاتلا من "لواء البصرة 304" من دون ذكر السبب، لكن احد كبار قادة سرايا السلام في البصرة، قال انه يعتقد ان المقاتلين انشقوا لكي يلتحقوا بعصائب اهل الحق.
وبحسب المراسلات الداخلية نفسها، فقد ظهر امر بعد اسبوعين بطرد أبو حسن الدراجي، وهو قيادي صدري بارز في البصرة، بتهمة "الخيانة". ثم بعدها بـ24 ساعة، نشرت مواقع مرتبطة بالعصائب صورا للدراجي برفقة عدد من قيادات الفصائل المسلحة معلنة انشقاقه.
ونقل التقرير عن القيادي في سرايا السلام قوله "ان معلوماتنا تشير الى انهم دفعوا له ما لا يقل عن ملياري دينار (1.5 مليون دولار) للانشقاق عنا برفقة وحدته العسكرية".
وتابع التقرير انه من غير الواضح ما هي الأضرار التي لحقت بوحدات الصدر في البصرة بسبب انشقاق الدراجي، الا انه من خلال ردود فعل عصائب أهل الحق، يمكن القول انه كانت بمثابة ضربة للمعنويات، فيما قال قادة محليون في التيار الصدري ان الدراجي جرى تعيينه قائدا لفرقة المهام الخاصة التابعة لعصائب اهل الحق.
عودة الصدر
واستعاد التقرير مرحلة الانسحاب الصدري من البرلمان في حزيران/ يونيو الماضي، ثم تشكيل الحكومة حيث شهد العراق فترة من الهدوء النسبي في الشهور الاخيرة، مضيفا ان قادة الاطار التنسيقي، قاموا بأعمالهم الاعتيادية من دون اي قلق.
لكن التقرير نقل عن سياسيين من الشيعة قولهم ان المخاوف بدأت بالظهور، حيث عبر بعض قادة الاطار التنسيقي عن ابرز مخاوفهم والمتمثلة بأن بعض شركائهم في التحالف الشيعي "يتعدون" على نطاق نفوذهم ويسيطرون على مؤسسات رئيسية.
وتابع التقرير انه في الوقت الذي كان الصدريون يشغلون مناصب قوية في الحكومة، فإن اي شخص ينخرط في أنشطة غير قانونية وفساد، بمقدوره أن يتهمهم بالمسؤولية بدلا من ذلك، مما يمنح المتورط الفعلي في الفساد، الفرصة لكي ينكر مسؤوليته الشخصية، لكن هذا الوضع لم يعد متاحا الان.
واعتبر التقرير ان "أصدقاء الصدر وخصومه على حد سواء، يفتقدونه ويتمنون عودته الى الحياة السياسية".
ونقل التقرير عن احد قادة الاطار التنسيقي قوله ان من شأن عودة الصدر ان "تخلصهم من الاحراج وتزودهم بالغطاء المطلوب لنشاطاتهم غير القانونية".
وبحسب القيادي الاطاري نفسه، فإن "العديد من الاطراف الدولية والمحلية تعتقد بأن وجود الصدر خارج العملية السياسية مكلف اكثر من وجوده داخلها، وان الوقت قد حان من اجل عودته".
واضاف القيادي ان عصائب اهل الحق بدأت في أخذ حصص من غنائم الحكومة اكثر مما هو مرض لشركائها.
وقال القيادي الاطاري انه "في حال ظلت على هذا النحو، فان هذا الفصيل سوف ينقلب على البقية ويبتلعهم".
وتابع قائلا ان "الاخرين اصبحوا مكشوفين وليس بإمكانهم المضي في انشطتهم غير القانونية من دون وجود شخص يمكنهم استخدامه كغطاء لإلقاء التهمة عليه".
واضاف ان الصدر هو بمثابة "أداة ردع" ويوفر نوعا من الحماية للعديد من الاطراف.
واوضح القيادي الاطاري انه "لا يمكن القول أن لاعبا واحدا فقط يقف وراء كل ما يحدث للصدر حاليا ، لكن من المؤكد أن العديد من الاطراف الدولية والمحلية تسعى من اجل اعادته إلى الساحة".
وختم قائلا ان موعد عودته وكيفية عودته، "يعتمد بشكل أساسي على قدرته على الصمود".