شفق نيوز/ مسافة زمنية ليست قصيرة تلك التي فصلت ما بين شباط/ فبراير 2012 وشباط/ فبراير 2023، والانتقال من القطيعة الخليجية لدمشق، وصولا الان الى خطوات انفتاح.
وكان الأمين العام لمجلس دول التعاون الخليجي في وقتها، عبد اللطيف الزياني، أعلن أن دول المجلس قررت اغلاق سفاراتها في دمشق "تأكيدا لموقفها الرافض لتمادي النظام السوري في القتل والتنكيل بالشعب السوري الأعزل".
وجاء ذلك الموقف الخليجي بالتزامن مع تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية التي للمفارقة ان دمشق تعتبر من الدول التي شاركت في تأسيسها.
مقاطعة غير إنسانية
وبطبيعة الحال، أظهرت التطورات التي تلت ذلك القرار الخليجي، أن أساسه لم يكن "إنسانيا" كما توحي عباراته، حيث فتحت خزائن بعض هذه الدول، وابواب التبرعات المنظمة، من أجل تمويل أطراف وقوى مسلحة مختلفة كل بحسب طبيعته وارتباطاته بهذه العاصمة أو تلك، وهو تمويل ساهم بالتأكيد في إطالة أمد الاقتتال الأهلي، وشرع الابواب امام تدفق "الجهاديين" من مختلف دول العالم، للقتال في صفوف الفصائل المسلحة التي تبين تدريجيا انها تقاتل تحت اجندة اسلامية.
لكن هذا التخلي الخليجي عن دمشق، ساهم أيضا في تغلغل النفوذ الاقليمي، اسرائيل التي أصبحت تشن هجمات متكررة على الأراضي والمنشآت السورية، وتركيا التي اصبح لها وجود عسكري ثابت في الشمال السوري، وايران التي تحركت لدعم نظام الرئيس بشار الأسد باعتبار أن سوريا بالنسبة اليها في قلب عمقها الاستراتيجي الرابط بالبحر المتوسط، وقوة اساسية في ما يسمى "محور المقاومة".
المستنقع السوري
أما عن تداعيات هذا الانكفاء الخليجي السياسي، واستبداله بانخراط مباشر في التسليح والتمويل لأكثر الفصائل قوة وتشددا، فقد كانت من نتائجه كما يقول المراقبون، ظهور قوى وتنظيمات أكثر تطرفا، حيث تمركز تنظيم القاعدة في الاراضي السورية الى جانب العشرات من التنظيمات التكفيرية والارهابية، ثم راح تنظيم داعش يتشكل الى حين اعلان "عاصمة" خلافته المزعومة في مدينة الرقة السورية، وفتحه الحدود مع العراق لربط "أراضيه"، بكل ما عناه ذلك ما معاناة وتضحيات عراقية كبيرة.
وصار من الواضح أن المستقنع السوري، جذب اليه بالاضافة الى ذلك، التدخل العسكري الروسي المباشر، والتمركز الأمريكي عسكريا في بعض البؤر والقواعد، ما رسم صورة لإحياء "الحرب الباردة" القائمة بين الخصمين وتنافسهما إقليميا وعالميا، كما ان الاقتتال استقطب إليه فصائل عراقية ولبنانية، دعما لدمشق.
لكن المهم، ان العديد من المراقبين يعتبرون أن التخلي العربي والخليجي، عن دمشق، ساهم في إضعافها الى الحد الذي أوصل الأمور فيها الى ما آلت اليه، بما في ذلك سقوط أكثر من نصف مليون قتيل، وتشرد 8 ملايين انسان داخليا وخارجيا.
وقد بلغ التدخل الخليجي في الحرب السورية، حدا دفع وزير الخارجية القطري الاسبق حمد بن جاسم بن جبر الى القول في احدى المقابلات التلفزيونية أنه كان هناك تقاسم وتنظيم للأدوار القطرية والسعودية في تمويل ودعم القوى والفصائل ضد نظام الأسد بهدف اسقاطه، وأن هذا الهدف كاد ان يتحقق، لولا ان الخلافات دبت بين الطرفين الخليجيين الأساسيين في تمويلهما للحرب، أي الدوحة والرياض.
ولهذا، فانه من المهم مراقبة بعض مؤشرات التقارب الخليجي الحاصلة حاليا، لفهم مرحلة الانتقال من دعم الجماعات الارهابية المسلحة، الى مرحلة الانتقال الى لبس رداء الاغاثة الانسانية كأحد مفاعيل الزلزال التركي - السوري الذي اوقع عشرات آلاف الضحايا.
الإمارات
في المرحلة الأولى للحرب على سوريا، ما بين 2011 وبداية 2012، كان الموقف الإماراتي أقل اندفاعا من المواقف القطرية والسعودية، فكانت أبو ظبي ملتزمة بالموقف الجماعي لدول مجلس التعاون وجامعة الدول العربية تحت مظلة المبادرة العربية، ودعوتها إلى نبذ العنف والدعوة إلى الحوار وتجنب تدويل الأزمة والبعد عن الحلول العسكرية.
إلا أنه مع تصاعد التوتر بين دول الخليج ودمشق، اقترحت الإمارات في 6 آذار/ مارس 2012 تجميد عضوية سوريا في الاتحاد البرلماني العربي. وفي 16 أذار/ مارس من العام نفسه، حذر قائد شرطة دبي ضاحي خلفان من سقوط سوريا في يد "الإخوان المسلمين".
وفي نهاية العام 2017 كان للكورد حصة من الدعم الإماراتي بالتعاون مع الولايات المتحدة، عبر "قوات سورية الديمقراطية"، التي قدمت لهم المال والخبرة والدعم اللوجستي والاستخباري، فيما اعتبر مراقبون وقتها أن الهدف ربما لم يكن دمشق، وإنما أنقرة. ففي تصريح لوزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي وقتها، أنور قرقاش في مقابلة خاصة مع قناة "الحرة" الامريكية قال ان "الإمارات تدعم الكورد السوريين ضد تركيا، وترفض إقامة المنطقة الآمنة شمال سوريا" التي كانت الأتراك يسعون الى اقامتها في ذلك الوقت.
وقد أعادت الإمارات افتتاح سفاراتها في دمشق في العام 2018، وبدأت التصريحات والزيارات تتوالى بين مسؤولي البلدين، فكان الاتصال الهاتفي عام 2020 بين الأسد، وولي عهد أبو ظبي، حينها، محمد بن زايد آل نهيان، حول استعداد أبوظبي لدعم سوريا في مواجهة فيروس كورونا.
وفي العام 2021 قام وزير خارجية دولة الإمارات عبد الله بن زايد آل نهيان بزيارة إلى دمشق، وتلاها في العام 2022 زيارة الأسد لدولة الإمارات في أول زيارة عربية له منذ العام 2011.
ومع وقوع الزلزال السوري، شكلت المساعدات الاماراتية الكمية الأكبر بين كل الدول التي قدمت الدعم الإغاثي للشعب السوري ووصلت الى عشرات الطائرات التي ما تزال تأتي الى دمشق وحلب واللاذقية حتى الان.
ويعتقد المراقبون أن هناك أسبابا عديدة لعودة الامارات للتواصل المباشر مع دمشق، من بينها استقرار سيطرة الاسد نسبيا على غالبية الأراضي، واحتواء الخطر الارهابي، والخوف الدائم من تمدد من الإسلام السياسي المتمثل تنظيميا بـ"الاخوان المسلمين"، في الخليج العربي، في حال سقوط دمشق، الذي سيعني تفاقم النفوذ التركي أكثر في المنطقة العربية بالتعاون مع دولة قطر.
السعودية
في شباط/ فبراير 2012 أعلن الملك السعودي عبد الله، أنه لا جدوى من الحوار مع الاسد، وقطع كل خطوط التواصل مع الدولة السورية، وفي آذار/ مارس من العام نفسه دعت المملكة إلى تسليح المعارضة على لسان وزير الخارجية الاسبق الأمير سعود الفيصل على هامش المنتدى الإستراتيجي الخليجي الأميركي.
ودخلت السعودية في دعم المجموعات المسلحة، ومنها "جيش الاسلام" في ريف دمشق، وعبر "غرفة الموك " في شمال الأردن الداعمة للفصائل المسلحة في الجنوب السوري، والتي كان قالت تقارير ان من كان يديرها هو الأمير سلمان بن سلطان ابن أخ الملك عبد الله.
وفي السنوات الأخيرة، وبعد استعادة الدولة السورية السيطرة الميدانية، بدأت تتبدل العلاقة بين الرياض ودمشق، ولكن بشكل أبطئ من أبو ظبي، ففي العام 2021 كشفت صحيفة "الغارديان" البريطانية عن لقاء عقد في دمشق بين رئيس مكتب الأمن القومي اللواء علي مملوك، ورئيس الاستخبارات السعودية اللواء خالد الحميدان، حيث بحث الطرفان سبل التوصل إلى تطبيع العلاقات بين البلدين.
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر من العام نفسه، جرى في القاهرة لقاء بين مدير إدارة الاستخبارات العامة السورية اللواء حسام لوقا ورئيس الاستخبارات السعودية خالد الحميدان خلال المنتدى العربي الاستخباراتي.
وكانت أول طائرة سعودية تهبط في مطار حلب الدولي محملة بالمساعدات للمتضررين بعد نحو 10 أيام من الزلزال، تلاها تصريح لوزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان في مؤتمر ميونيخ الأمني، حول ضرورة معالجة أزمة اللاجئين وكارثة الزلزال بالحوار مع دمشق. وفي الوقت نفسه، يقول مراقبون، ان الحضور الايراني في سوريا، يشكل الدافع الاساسي للمملكة السعودية في محاولة لمنع اخلاء الساحة امام النفوذ الايراني.
قطر
ما تزال دولة قطر الأكثر حدّية خليجيا وعربيا في التعامل مع الأزمة السورية، وأكثر الدول معارضة لعودتها إلى جامعة الدول العربية. ففي تموز/ يوليو العام 2011 علقت الدوحة عمل سفارتها في دمشق، واقترح أمير قطر وقتها الشيخ حمد بن خليفة في كانون الثاني/ يناير 2012 إرسال قوات عربية بدلا من التدخل الدولي مثلما حدث في ليبيا، وذلك بإدخال المساعدات وإيجاد مناطق آمنة ومراقبة وقف إطلاق النار.
وفي شباط/ فبراير العام 2012 دعا الشيخ حمد بن جاسم المجتمع الدولي إلى الإسراع بفكرة تسليح المعارضة السورية وتوفير ملاذ آمن لها. وأشارت صحيفة "التايمز" البريطانية، إلى تلقي "جبهة النصرة " تمويلا قطريا عبر طرق عديدة، منها مصارف ورجال أعمال وجمعيات خيرية، وهي أحد فروع تنظيم "القاعدة" في سوريا.
ومع حدوث الزلزال، بقيت الدوحة خارج اسماء الدول التي أرسلت مساعدات إنسانية إلى المتضررين من الكارثة في المناطق التي تسيطر عليها الدولة السورية، على الرغم من أن الحليف الاساسي لقطر في المنطقة، اي تركيا، كانت اتخذت خطوات في محاولة التلاقي مع دمشق من خلال لقاءات بين المسؤولين الأمنيين برعاية روسية.
سلطنة عمان
اتخذت مسقط سياسة مغايرة لدول مجلس التعاون الخليجي، فهي لم تذهب إلى الدعوة لإسقاط النظام ولا دخلت بشكل مباشر في عملية التسليح، وإنما استمرت في انتهاج سياسة التوازن والحياد بعدم التدخل بالشؤون الداخلية للدول. وفي تشرين الأول/ اكتوبر 2020، تسلم وزير الخارجية السوري الراحل وليد المعلم أوراق اعتماد السفير العماني في سوريا، تركي بن محمود البوسعيدي، وهو الذي زارها سابقا سنة 2015. لتأتي، يوم الثلاثاء الماضي، زيارة الأسد إلى سلطنة عمان ولقائه مع السطان هيثم بن طارق، ضمن إطار اعتبار مسقط كشريك استراتيجي ودبلوماسي في التواصل والعبور نحو باقي دول الخليج وفرصة للاستثمار في إعادة الاعمار حين تصل سوريا لمرحلة من الاستقرار السياسي.
الكويت
قطعت الكويت علاقاتها مع سوريا في شباط/ فبراير 2012، ورغم عودة بعض الدول الخليجية لافتتاح سفاراتها، إلا أنها تعتبر أن إغلاق السفارة كان بقرار من الجامعة العربية، وإذا كان هناك من قرار جديد للجامعة بعودة العلاقات مع دمشق وفتح الدول العربية لسفاراتها هناك، فإن الكويت ستلتزم به. وأشار وزير الخارجية الكويتي سالم العبد الله في مؤتمر ميونيخ للأمن مؤخرا، إلى أن الكويت ليس لديها خطط لتحذو حذو الدول العربية الأخرى في إعادة التواصل مع الدولة السورية.
وفي حين أن التواصل الكويتي الرسمي كان منقطعا مع دمشق إلا أنه كان متواصلا من جانب قيادات وهيئات إسلامية وسلفية وإخوانية من الكويت مع المناطق السورية الشمالية الواقعة تحت سيطرة المجموعات المسلحة، من خلال إنشاء العديد من المخيمات للنازحين السوريين في أرياف ادلب وحلب، كما أنشأت عدة مدارس ومساجد فيهما، عبر مجموعة من الجمعيات الخيرية التابعة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية الكويتية.
البحرين
في كانون الأول/ ديسمبر 2021 أعلنت مملكة البحرين تعيين أول سفير لها في سوريا منذ نحو عشر سنوات بعد قطع العلاقات بينهما، حيث أعلن الملك حمد بن عيسى آل خليفة اصداره مرسوما بتعيين السفير وحيد مبارك سيار رئيسا للبعثة الدبلوماسية للمملكة في دمشق. لتكون حينها ثالث دول خليجية بعد الإمارات وسلطنة عمان تعيد العلاقات الدبلوماسية. وكان الاتصال الاول بين ملك البحرين والأسد بعد وقوع الزلزال، حيث أكد الملك وقوف المملكة إلى جانب سوريا وشعبها في هذه الظروف الصعبة.
ويبدو أن عناوين العودة للعلاقة بين سوريا والدول الخليجية، تتباين وتتنوع أسباب تأخرها، إن كان بضغط أميركي وخوفا من عقوبات "قانون قيصر"، او لحسابات تتعلق بالاوضاع الداخلية في كل دولة او في الداخل الخليجي عموما، ولكن قد يكون الزلزال فتح ثغرة في جدار التواصل الخليجي - السوري، ربما يتوقع ان تظهر نتائجه "الارتدادية" في القمة العربية المقبلة التي كان سمح لممثل عن المعارضة السورية هو معاذ الخطيب، باحتلال مقعد سوريا الرسمي في القمة العربية التي عقدت في 26 آذار/ مارس 2013 في العاصمة القطرية الدوحة.
خاص: وكالة شفق نيوز