شفق نيوز/ بدأت المرأة الكربلائية في اقتحام عالم المهن والحرف التي حُسبت على الرجال منذ زمن طويل، واستطاعت التميز في مجالات مهنية ذكورية نسبياً، وهذه المرة كانت في مهنة تصليح الساعات.
حيث كسرت "أم نور الساعاتي" احتكار الرجال لمهنة تصليح الساعات في كربلاء، باقتحامها هذا المجال وامتلاكها متجراً خاصاً بها في حي الموظفين، قرب نادي الطف، بعد تعلم هذه المهنة وتفاصليها من زوجها.
وتسعى النساء في العراق، إلى الاعتماد على أنفسهن في جوانب الحياة المختلفة، وخاصة في قطاع العمل، ليساعدن عائلاتهن في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد، وسط دعوات لتمكينهن اقتصادياً واجتماعياً وقانونياً وسياسياً وقيادياً أيضاً.
وبدأت أغلب النساء في العراق يبحثن عن إدارة أعمالهن الخاصة بعيداً عن إشراف الرجال في ظل ارتفاع حالات المضايقة والتحرش بهن سواء اللفظي أو الجسدي، فضلاً عن قلة الأجور وزيادة ساعات العمل وغيرها من الأسباب.
تحدثت أم نور لوكالة شفق نيوز، وهي ربة بيت وأم لثلاث بنات، إن "مهنة تصليح الساعات تعلمتها من زوجي الذي توارثها عن أبيه وجده، كما أن أجداده هم من كانوا ينصبون الساعات داخل مرقدي الإمامين الحسين والعباس، حيث تولى والد زوجي مسؤولية صيانتها في فترة سابقة، وتسلّم زوجي هذه المهمة أيضاً".
وأشارت أم نور، إلى أن زوجها كان لديه متجراً في شارع العباس، قبل أن يقرر إغلاقه بسبب تراجع الطلب على الساعات اليدوية، لكنه بقي يمارس هذه المهنة من البيت ويأتي الزبائن إليه لثقتهم به وسمعته الجيدة في تصليح الساعات.
وقبل نحو عام، اقترحت أم نور على زوجها – بعد أن مروا بظروف صحية واقتصادية صعبة - إعادة افتتاح المحل من جديد، وبما أنه منشغل حالياً بوظيفته الحكومية ولا يستطيع التواجد في المحل، "توليتُ أنا مسؤولية إدارة المحل وتصليح الساعات بأنواعها الجدارية والمنضدية واليدوية، لكن أحياناً استعين بزوجي للمساعدة خاصة في الساعات المعقدة".
وأكدت أن "العمل في المحل الجديد بدأ من الصفر، لكن سرعان ما عاد إليه الزبائن القدماء إضافة إلى زبائن جدد نتيجة السمعة الجيدة للمحل، وكل من يسمع بوجود امرأة تصلح الساعات لا يصدق حتى يأتي إلى المحل ويتأكد بنفسه".
ولفتت أم نور إلى أن "كل مشروع يواجه صعوبات كثيرة خاصة في بدايته، أما إذا كان المشروع تقوده امرأة فإن التحديات تكون مضاعفة، خصوصاً من ناحية تقبل المجتمع عمل المرأة، وفي حالتي تصليح الساعات، كونها مهنة ظلت حكراً على الرجال في محافظة كربلاء".
وخلصت إلى القول: "لكن مع مرور الوقت بدأت تلك النظرة لعمل المرأة تختلف تدريجياً ويكون هناك تقبل لممارسة مهنة تصليح الساعات طالما هناك التزام بحدود العادات والتقاليد وبقدسية المحافظة، بل تجاوز تقبل المجتمع لعملي إلى دعمه لي لنجاح هذا المشروع الذي مضى على انطلاقه عام تقريباً".
والشهر الماضي، كشف رئيس المركز الإستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق، فاضل الغراوي، عن انخفاض نسبة تمثيل المرأة في سوق العمل إلى 14%، وهو أقل من المعدل العالمي البالغ 20%، فيما أشار إلى أن نسبة العوائل التي تعيلها نساء تبلغ نحو 11%.
وتشكّل نسبة النساء العراقيات العاملات في القطاع الخاص، حوالي 29 بالمئة من المجموع الكلي للعاملين في القطاع، بحسب ورقة بحثية لمركز النهرين للدراسات والأبحاث الاستراتيجية.
وعلى الرغم من أن نسبة النساء في المجتمع العراقي تقارب 49 بالمئة من إجمالي السكان، إلا أن فرصهن في سوق العمل لازالت ضئيلة، إذ لا تتجاوز نسبة النساء العراقيات العاملات حدود 15 بالمئة من حوالي العشرين مليون امرأة عراقية، بينما تقع 85 بالمئة منهن ضحايا عوامل موضوعية تحجم دورهن في المجتمع عموماً وسوق العمل تحديداً.
وبحسب دراسة قدمها الجهاز المركزي للإحصاء، فإن 20 بالمئة من النساء العراقيات قد تعرضن للتعنيف الأسري، بينما تحصي المفوضية العليا لحقوق الإنسان حوالي خمسة آلاف حالة تعنيف للنساء عام 2021، وهو ما يعتبره متخصصون سبباً رئيساً يضاف إلى جملة عوامل أخرى تعرقل تمكين النساء ودخولهن سوق العمل في العراق.
ويؤكد تقرير للبنك الدولي صدر عام 2020، أن مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل تعتبر منخفضة، بحيث تشكل أقل من 15 في المئة فقط.
وقال البنك في التقرير، إن "هناك أقل من 15 في المئة من النساء يشاركن في سوق العمل في كل من العراق والأردن، و26 في المئة فقط في لبنان، مبيناً أن "هذه النسب تعد من بين أدنى معدلات مشاركة المرأة في العمل على مستوى العالم".
وبينما تشير دراسة أعدتها وحدة إحصاءات النوع الاجتماعي التابعة للجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط العراقية، إلّا أن توزيع النساء حسب قطاعات العمل لا يبدو متوازناً، فيظهر أن هناك قطاعات تنشط فيها النساء على حساب قطاعات أخرى.
فالقطاع العام والحكومي هي أكثر القطاعات الجاذبة لمشاركة المرأة، حيث كانت النسبة حوالي 78 في المئة مقارنة بباقي القطاعات، التي لم تشكل سوى 21 في المئة في القطاع الخاص، مع الإشارة إلى أن أغلب النساء العاملات في القطاع الخاص هنَّ من النساء الريفيات.
أما بيئة العمل عند النساء العاملات، وفقاً للدراسة، فهي أقل خطورة عند المقارنة مع عمل الرجال، فقد أظهرت النتائج أن أكثر من 82 في المئة من النساء يعملن في بيئة عمل غير خطرة بالمقابل هناك 46 في المئة من الذكور يعملون أيضاً في أجواء عمل مماثلة.
وبحسب الأرقام والبيانات التي أصدرتها منظمة العمل الدولية، عام 2020، حول المساواة بين الجنسين، بلغ معدل مشاركة المرأة العربية في سوق العمل 18.4 في المئة، وهو المعدل الأدنى في العالم مقارنة بالمتوسط العالمي الذي يبلغ 48 في المئة.