شفق نيوز/ ما من مكان في العالم يجمع هذا العدد الكبير من الزعماء والقيادات السياسية وممثلي الحكومات وقادة وخبراء الامن مثلما يفعل مؤتمر ميونخ للأمن الذي ينعقد الجمعة حتى الأحد، في ذكرى تأسيسه ال60، والذي تدور في أروقته وقاعاته وغرفه المغلقة، مناقشات لأهم قضايا العالم وأكثرها خطورة، ولقاءات ثنائية ومتعددة الأطراف، بعيدة في العادة عن عيون الإعلاميين وآذانهم.
سيكون اقليم كوردستان في قلب الاهتمامات من خلال حضور رئيس الاقليم نيجيرفان بارزاني الذي عرف في مؤتمرات ميونخ السابقة، بنشاطه الاستثنائي واجتماعاته المكثفة مع قادة العالم وصناع السياسة والرأي ورجالات الأمن الذين يمتلكون خبايا قصور الحكم ودهاليز السياسة العالمية. وسيكون نيجيرفان بارزاني في هذه المدينة الالمانية التي بدأت ترعى هذا المؤتمر منذ العام 1963، الى جانب رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، حيث من المتوقع أن يلتقيا، أسوة بما جرى في مؤتمر العام 2023.
في مؤتمر العام 2022، عقد بارزاني نحو 30 لقاء خلال يومين، ما وصف وقتها بانه حضور استثنائي ويعكس حيوية رئيس الاقليم وهمته العالية، بالاضافة الى مهارات فريق مساعديه في تنظيم وجدولة هذه الاجتماعات المكثفة والمتابعة، الى جانب الثقل والاهمية التي يتمتع بها اقليم كوردستان، وبارزاني شخصيا، على صعيد اجتماع دولي الطابع بهذا المستوى. وشملت تلك اللقاءات على سبيل المثال لا الحصر، وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود، رئيس وزراء لبنان نجيب ميقاتي، نائب رئيس الوزراء وزير خارجية قطر محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، المتحدث باسم لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الألماني نيلس شميد، وزير الدفاع الإيطالي لورينزو غويريني، ووفد من الكونغرس الأمريكي برئاسة ليندسي غراهام، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش. واستهل بارزاني لقاءاته باجتماع مع وزير الخارجية في دولة الفاتيكان بول ريتشارد غالاغير، ونائب رئيس المفوضية الأوروبية مارغريتيس شيناس، ووزير الدولة الألماني للشؤون الخارجية توبياس ليندنر، بالاضافة الى سلطان بن أحمد الجابر وهو وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة وعضو مجلس الوزراء في الحكومة الاتحادية لدولة الإمارات ورئيس وفد بلاده إلى مؤتمر ميونخ.
اما في المؤتمر الحالي، فإنه بحسب بيان صادر عن رئاسة الاقليم ورد إلى وكالة شفق نيوز، فان نيجيرفان بارزاني سيعقد "لقاءات واجتماعات مع زعماء وكبار مسؤولي الدول، حيث سيتبادل معهم الآراء ووجهات النظر حول الأوضاع الأمنية والتحديات التي تواجه أمن واستقرار العراق والمنطقة والعالم، كما سيعرض رؤية إقليم كوردستان لهذه القضايا"، بالاضافة الى انه سيبحث سبل تعزيز العلاقات، ومواجهة الإرهاب، والتعاون المشترك في مجال الأمن، وأهمية العمل المشترك والسعي لحماية أمان واستقرار العراق والشرق الأوسط وإبعادهما عن التعقيدات والتوترات، مع زعماء ومسؤولي البلاد الذين سيجتمع معهم".
والى جانب ابواب العلاقات الاقتصادية التي سيحاول بارزاني فتحها لمصلحة اقليم كوردستان، مع المسؤولين الذين سيلتقي بهم، فإن أروقة وقاعات "فندق بايرشر هوف"، ستكون مكانا ملائما أمام الرئيس نيجيرفان، لطرح القضية الأكثر إلحاحا بالنسبة لملايين المواطنين من الكورد والعراقيين عموما، والمتمثلة بملف حماية أمن العراق والاقليم، في ظل تطاير شرارات الحرب الجارية في غزة منذ أكثر من 4 شهور، وتحول العراق واقليم كوردستان الى ساحات لتبادل رسائل النفوذ والقوة في الصراع غير المباشر الدائر بين واشنطن وطهران.
ويوفر منظمة مؤتمر ميونخ الأجواء المناسبة لعقد العديد من اللقاءات الجانبية بين القادة والزعماء ومسؤولي الأمن في غالبية دول العالم، واحيانا باجتماعات غير رسمية الطابع، بما يبدد أجواء التحفظ والحذر بين أطراف الاجتماع، ويتيح المجال أمام التعارف الشخصي بشكل افضل، وبالتالي كسر الحواجز المحتملة، وتبريد الأجواء، بل وربما في أحيان كثيرة، طرح أفكار للنقاشات وتسوية أزمات ونزاعات قائمة.
وغالب الظن، أن الرئيس نيجيرفان بارزاني، المعروف بدبلوماسيته اللبقة وحضوره في مناسبات كهذه، وانفتاحه على الحوار الهادئ والعقلاني، سيسعى خلال أيام المؤتمر الثلاثة، لكي يسخرها، كما يفعل عادة، لتعزيز صورة اقليم كوردستان كأرض للتفاهم والحوار والتعايش، وايضا للفرص الاقتصادية.
في مؤتمر ميونخ للعام 2023 مثلا، كان جدول أعمال نيجيرفان بارزاني حافلا حيث عقد لقاءات مع رئيس جمهورية أذربيجان، رؤساء وزراء بولندا وأرمينيا والعراق، ووزراء خارجية أمريكا وبريطانيا وإيطاليا والفاتيكان والنرويج وقطر والكويت والأردن، ورئيسة المفوضية الأوروبية، ونائب الرئيس مسؤول الشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للمفوضية الأوروبية، ومع وفدين من الكونغرس الأمريكي، ومساعدة وزير الدفاع الأمريكي لشؤون الأمن الدولي، ووزير الدولة الألماني للتعاون الاقتصادي والتنمية، ونائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الألماني ووفد برلماني، ووفد برلمانيي الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني، وعدد آخر الشخصيات والمشاركين في المؤتمر.
وتناولت محادثات رئيس الاقليم مع هذه الشخصيات والقيادات الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية للعراق وإقليم كوردستان، وعلاقات أربيل وبغداد والحوار لحل المشاكل العالقة بينهما، وعلاقات العراق وإقليم كوردستان مع الدول الأخرى وسبل التقدم بمجالات التعاون المشترك، وأوضاع الشرق الأوسط، وأهمية حفظ الأمن والاستقرار وإيجاد الحلول السلمية للمشاكل والخلافات، وقضايا الطاقة والأمن والتصدي للإرهاب ومجموعة مسائل أخرى تحظى باهتمام الحاضرين في المؤتمر.
ومن المرجح، مثلما جرى في العام 2023، أن يعقد رئيس الاقليم لقاء مع رئيس الوزراء العراقي على هامش مؤتمر ميونخ، حيث كان حضورهما مهما لطرح قضايا العراق عموما والاقليم بشكل خاص، أمام كبار المسؤولين والشخصيات المشاركة من كافة أنحاء العالم. ووقتها، تناولت محادثات بارزاني والسوداني تطورات الحوار بين أربيل وبغداد لحل المشاكل العالقة بينهما، والأوضاع الاقتصادية ومسألة الموازنة العامة الاتحادية العراقية لسنة 2023، والأوضاع السياسية بصورة عامة، والتحديات التي تواجه البلد، وحضور العراق ودوره في المنطقة وعلى الصعيد الدولي، حيث عبر الطرفان عن ارتياحهما لاستمرار الحوار بين أربيل وبغداد وخطواته، وحل المشاكل العالقة بينهما على أساس الدستور، واتفقا في الرأي بأن التصدي للتحديات والتهديدات التي تواجه البلد يستدعي العمل المشترك وتعاون كل القوى والأطراف والمكونات في العراق.
ومن المهم ان "ميونخ 2024" سيشهد حضور شخصيات بارزة كالعادة، ومن بينهم هذه المرة المستشار الألماني أولاف شولتس، ونائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس، ووزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن، ولأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ووزير الخارجية الصيني وانغ يي، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين. وسيحضر أيضا الرئيس الإسرائيلي إسحق هيرتسوغ ورئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، ما يشير الى أن قضية حرب غزة ستكون عنوانا بارزا في برنامج المؤتمر والنقاشات الجانبية التي ستجري على هامشه.
ومن المتوقع أيضا حضور رؤساء حكومات الكويت وقطر ولبنان، بينما سيكون هناك بالإجمال نحو 50 رئيس دولة وحكومة وأكثر من 100 وزير، بالاضافة الى قادة اجهزة أمنية وخبراء عسكريين، ورؤساء العديد من المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني. وبينما لم تتأكد مشاركة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، فإنه من المتوقع انعقاد اجتماع لوزراء خارجية دول "مجموعة الـ7".
ولم توجه دعوة رسمية لروسيا لحضور مؤتمر ميونخ، ولا لإيران، لكن من المتوقع مشاركة شخصيات روسية من خارج أجهزة السلطة في موسكو، وهو ما سيحصل ايضا بالنسبة للمشاركة الايرانية.
وبالنسبة إلى مشاركة السوداني في مؤتمر العام 2023، فان رئيس الحكومة العراقي ركز وقتها من خلال لقاءاته، على توجيه رسالة مفادها إن أمن العراق ضمانة لأمن واستقرار المنطقة، وبالنتيجة أمن العالم، وأن تنظيم داعش صار مهزوما، لكنه اكد على اهمية "التعاون وتبادل المعلومات بين أجهزتنا الأمنية وأجهزة الأمن في دول المنطقة والعالم، وضرورة التجاوب مع العراق في استرداد المطلوبين والمتهمين بقضايا الإرهاب، وشدّدنا على جانب مهم يتعلق بإيقاف تمويل العصابات الإرهابية". ولفت السوداني بحسب بيان صدر عن مكتبه وقتها انه وجد "تفهماً ودعماً حقيقيّين واتفاقا ًمع الرؤية العراقية للقراءة الأمنية والسياسية للمنطقة.. وبالمجمل، وخلال مشاركتنا في المؤتمر، فإن رؤية العراق وصلت إلى هذه الأطراف المهمة المشاركة. وهذا عامل أساس في التفاهمات الأمنية والسياسية".
وبكل الاحوال، فان ابرز القضايا المطروحة امام "مؤتمر ميونخ للأمن 2024" الذي ستطوقه إجراءات أمنية يشارك فيها أكثر من 5 الاف عنصر امني، تتمثل في النقاشات والسياسات الأمنية، إلا أن من بين أبرز القضايا ستكون حرب غزة حيث هناك مخاوف "من اندلاع حريق إقليمي هائل، بحسب تقرير مؤتمر ميونخ الصادر الاثنين الماضي.
ويتناول المؤتمر ايضا التغيير المناخي وتداعياته والهجرة وحرب أوكرانيا ودور قارة أوروبا في الأمن والدفاع، وتحديات الأمن العالمي بما في ذلك الحوكمة العالمية والتعددية، والأمن النووي ومستقبل الذكاء الصناعي، بالاضافة الى حرب السودان.
تقرير: وكالة شفق نيوز