شفق نيوز/ اعتبر "معهد واشنطن" الأمريكي في تقرير له، اليوم الثلاثاء، أن مؤتمر "بغداد-2" الذي انعقد في الأردن برعاية فرنسا، يحظى بترحيب الادارة الامريكية لانه يعزز الانخراط العراقي مع "الجيران العرب"، الا انه لفت الى ان الوقت وحده هو الذي سيحدد ما إذا كانت الاتفاقات التي تم التوصل إليها ستكون مثمرة.
وبعدما أشار التقرير إلى أن اجتماع عمان يأتي بعد أكثر من عام بقليل من مؤتمر بغداد الاول الذي عقد في أغسطس/آب 2021، لفت إلى أن التغييرات في مكان انعقاده والقيادة السياسية والسياق الإقليمي، تظهر الكثير عن اهتمامات المنظمين.
وذكر التقرير الأمريكي، الذي نشر باللغة الانجليزية، وترجمته وكالة شفق نيوز، أن باريس وبغداد نظمتا اجتماع العام الماضي في العاصمة العراقية، بهدف تعزيز الدعم الإقليمي للبلد المحاصر، مضيفا أن حشد هذا العدد الكبير من اللاعبين المتنافسين في نفس القاعة، اعتبر بأنه بمثابة نجاح دبلوماسي، مشيرا بذلك إلى حضور قادة وممثلي مصر وقطر والامارات وايران وتركيا والسعودية، ما وصف بأنه من التجمعات النادرة التي بمقدورها أن تجمع إيران ودول عربية معاً.
واعتبر التقرير، أن المنطق الذي قامت عليه مبادرة القمة كان الاجندة التوافقية التي تركز على أهمية دعم العراق في تلك اللحظة العصيبة عندما كانت بغداد تحتاج لإعادة تأكيد الدعم الإقليمي لها في الحرب ضد داعش، وفي ظل موسم الانتخابات البرلمانية الأولى بعد شهور من التظاهرات والاضطرابات السياسية.
إلا أن التقرير رأى أن الهدف الرئيسي الآخر لذلك الحدث والمتمثل بالترويج للعراق كمنطقة تعاون بين الدول المتنافسة بدلا من ام يكون دولة مستهدفة بالتدخلات، لم يتحقق حتى الآن.
والان، اشار التقرير الى ان هدف باريس وبغداد هو البناء على النجاح المتحقق في المؤتمر الأول من خلال توسيع عدد القضايا على جدول الأعمال والسعي لإطلاق تعاون اقليمي حول مجموعة مختلفة من القطاعات بما فيها الطاقة، مع الإبقاء على العراق كموضوع رئيسي.
وتابع التقرير أن قرار عقد المؤتمر في عمان يعكس التوسع الاكبر في علاقات المملكة الاردنية وحساباتها مع العراق، موضحا أنه من خلال وجهة النظر الامنية، فان الاردن يسعى الى إبعاد العناصر الجهادية ووكلاء إيران المسلحين والتهديدات الاخرى عن حدوده الشرقية.
أما على الصعيد الدبلوماسي، فان الاردن يريد استمرارية الاختراق الذي تحقق مع رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي الذي قادم بتحسين كبير للعلاقات الثنائية بعد سنوات من العلاقات التي أعقبت مرحلة صدام حسين والتي تراوحت بين الفتور والعدائية.
واشار التقرير الى ان عمان استثمرت بدرجة كبيرة في تعزيز الكاظمي سياسيا، وتم تشكيل عدد من المنتديات خلال فترة ولايته، من مؤتمر بغداد الى اجتماعات المملكة المستمرة رفيعة المستوى مع العراق ومصر، مضيفا ان خروج الكاظمي المبكر، أثار قلقا لدى المسؤولين الأردنيين، خصوصا ان خليفته محمد شياع السوداني لم يكن معروفا بالنسبة اليهم، الا ان الزيارة الأولى للسوداني إلى الخارج، كانت الى عمان، وهو ما ساهم في تهدئة بعض مخاوف المسؤولين الاردنيين، وتحويل مؤتمر بغداد كفرصة لكي يبنوا على هذا الزخم.
وبحسب التقرير فان سياسة عمان تجاه العراق تتلخص بالأساس حول هدف رئيسي واحد وهو تحسين الاقتصاد الأردني، لأن المملكة عانت من سلسلة من الانتكاسات الاقتصادية بسبب الأحداث الاقليمية على خلال العقدين الماضيين ، من إسقاط نظام صدام حسين الى الربيع العربي والحرب الاهلية السورية وصولا الى وباء كورونا.
ولفت التقرير الى مسعى اردني من اجل الحصول على نفط رخيص ومضمون، وذلك من خلال عرض الأردن نفسه كممر لعبور النفط العراقي الى البحر الاحمر عبر خط انابيب البصرة-العقبة المخطط له، مشيرا الى ان بغداد وعمان اطلقتا أيضا مشروعا لربط شبكتيهما الكهربائية، بينما يتطلع الاردن بشكل متزايد الى العراق كسوق تصدير.
السوداني على خطى الكاظمي؟
واعتبر التقرير أنه من وجهة النظر العراقية، فان المؤتمر يوفر فرصة اقليمية ودولية مهمة للسوداني، مضيفا أن قرب حكومة السوداني من اللاعبين المؤيدين لإيران، ينظر إليه في الغرب ومن جانب بعض الجيران، بعدم ثقة، ولهذا فان مشاركة السوداني في المؤتمر المتعدد الأطراف، يمثل وسيلة لطمأنة الداعمين الخارجيين.
وبالاضافة الى ذلك، فان السوداني قد يرى أن المؤتمر يمثل مناسبة لبناء إجماع مع الجيران العرب حول العلاقات الاقتصادية والتعاون الأمني وغيرها من القضايا، في حين ان هذا المؤتمر يشكل نموذجا مؤثرا من أجل التواصل مع دول الخليج التي تشعر بالقلق من التهديدات التي تشكلها الميليشيات العراقية المدعومة من إيران وتأمل في الوقت نفسه بمتابعة الفرص الاستثمارية العديدة المتاحة.
وبينما أشار التقرير الى ان طهران لا تظهر معارضة لمشاركة السوداني في المؤتمر، أوضح ان ذلك مرده الى ان وجود حكومة عراقية معزولة دوليا لا يخدم مصالح ايران.
كما اعتبر التقرير أن المؤتمر مهم بالنسبة الى السوداني بالنظر إلى قلة خبرته في السياسة الخارجية، وهو ايضا يوفر مثالا مبكرا على تكريس السوداني لإرث الكاظمي، الذي كانت شخصيته وانجازاته على صعيد السياسة الخارجية، محل تقدير كبير من فرنسا والأردن.
واضاف التقرير ان تكرار عقد المؤتمر يتوافق بشكل جيد مع فكرة بناء الجسور مع الدولة العراقية بغض النظر عمن يقودها.
فرنسا والاستقرار الإقليمي
وفي حين اشار التقرير الى ان العراق يحتل مكانة مركزية في السياسة الشرق الاوسطية للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، اوضح ان باريس قدمت مساعدات عسكرية كبيرة باعتبارها ثاني أكبر مساهم في عملية "العزم الصلب" وبعثة حلف الناتو في العراق، الى جانب الدعم الدبلوماسي والإنساني خلال الحرب ضد داعش، مشيرا الى انه بعد إنزال الهزيمة بداعش، انخرطت فرنسا في جهود تحقيق الاستقرار بكلفة مجموعها أكثر من 60 مليون يورو منذ العام 2017.
ورأى التقرير أنه من وجهة النظر الفرنسية، فإن قمة بغداد 2021 ومؤتمر عمان الحالي، يعكسان جزءا من نهجها المتمثل ب"دبلوماسية المؤتمرات"، التي تساهم في تعزيز الاستقرار الإقليمي والعلاقات بين القادة.
وفي ظل ان العراق يمثل تقاطعا رئيسيا للأطراف الفاعلة الإقليمية مثل إيران والسعودية وتركيا، يقول التقرير الامريكي ان المسؤولين الفرنسيين ان العراق يعتبر نقطة الانطلاق الافضل لتخفيف التوترات في الجوار، مشيرا بذلك على سبيل المثال الى العلاقات المتوترة حاليا بين بغداد وأنقرة.
ولفت التقرير الى ان العراق يظهر أيضا كيف يمكن للتحديات الدولية مثل الاحتباس الحراري أن تؤثر على الشرق الاوسط.
وختم التقرير بالإشارة إلى أن باريس تعاملت مع مؤتمر "بغداد-2" في عمان، على أنه بداية ديناميكية طويلة الأجل موجهة نحو مواجهة التحديات العالمية إقليميا، لا على صعيد التغيير المناخي وحده، وانما ايضا حول الامن الغذائي والتصحر وأمن الطاقة وحالات الطوارئ الصحية العامة والكوارث الطبيعية وغيرها.
وحول الدور الفرنسي المهم، ذكر التقرير أن مؤتمر بغداد كان من بين القضايا الشرق أوسطية القليلة التي تم ذكرها في البيان المشترك الصادر بعد لقاء ماكرون مع الرئيس الاميركي جو بايدن في واشنطن في وقت سابق من الشهر الحالي
قبول الولايات المتحدة حتى الآن
وذكر التقرير بأن البيت الأبيض كان قد أشاد في العام 2021، بمؤتمر بغداد باعتبار انه يمثل "قمة إقليمية ناجحة ورائدة". واضاف التقرير ان صناع السياسة الأمريكيين سعداء بمضمون وشكل كلا الحدثين لانهما يحققان هدفا شاملا لواشنطن وباريس معا، ويتمثل بتشجيع المزيد من الانخراط العراقي مع الجيران العرب.