شفق نيوز/ السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام ليس غريباً عن العراق ولا عن شؤون المنطقة، وبالامكان تتبع مواقفه منذ تأييده لقرار الرئيس الأمريكي الاسبق جورج بوش غزو العراق في العام 2003، وابتهاجه باعتقال صدام حسين، وصولا الى زيارته الان الى بغداد واربيل حيث أكد على تطلع الولايات المتحدة إلى أن "يكون العراق لاعباً رئيساً في الشرق الاوسط".
وليست مجرد صدفة ان غراهام قبل لقاءاته مع قادة العراق واقليم كوردستان، بمن فيهم رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي ورئيس اقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني والرئيس العراقي برهم صالح ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي، تفقد القوات الامريكية المتمركزة في العراق وغرد على "تويتر" مع صورة له وهو محاط بالجنود الأمريكيين متمنيا عيدا سعيدا لمناسبة عيد الاستقلال الأمريكي في 4 تموز/يوليو، موجها الشكر لهم وللدبلوماسيين الأمريكيين لعملهم من اجل "حماية وتأمين المصالح الامريكية حول العالم".
على موقعه الالكتروني الرسمي، يعرف غراهام عن نفسه قائلا انه "مقاتل لا يتراجع امام التحدي، ومحافظ ينجز الأمور، وقائد يضع بلادنا فوق الجميع، وهو صديق عظيم لرجالنا ونساءنا الذين يخدمون بالبزة العسكرية، وصوت محترم في قضايا الامن القومي".
لكن هذه التوصيفات الايجابية لا تعني ان غراهام، وهو سيناتور عن ولاية كارولاينا الجنوبية منذ سنوات طويلة، وعمل سابقا كقانوني في مجال المحاماة قبل ان يقتحم الملاعب السياسية، يمتلك رؤية واضحة لما يدور في المنطقة والعالم، بل ان تتبع مواقفه التي يتصرف فيها احيانا ك"سيناتور عالمي"، تعكس احيانا كثيرة تقلبات غير مفهومة، واحيانا خروجا عن المألوف في العمل السياسي كدعوته مثلا مؤخرا الى اغتيال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وهو تارة يحمل على ايران ويحث على "قصم ظهرها"، ثم يدعو الى التحاور معها، وتارة يهاجم تركيا والرئيس رجب طيب أردوغان ويقود مشاريع قوانين لمعاقبتها وعزلها والتنديد بها، ثم يخرج بعدها داعيا الى التفاهم معها واخذ هواجسها ومصالحا بعين الاعتبار. وينافس دونالد ترامب على ترشيح الحزب الجمهوري، ثم ينسحب ويحذر الأمريكيين من التصويت له، ثم يتقارب معه وهو في البيت الأبيض ويلعبان رياضة الغولف سوية، ويحثه الان على اعادة ترشيح نفسه لانتخابات الرئاسة الأمريكية في العام 2024.
كان غراهام عسكريا ايضا خدم في القوات المسلحة، وكان لسنوات متمركزا في قواعد امريكية في أوروبا، ولهذا فانه يظهر دائما اهتمامه البارز بالقوات الامريكية في الخارج، وزياراته لهم بما في ذلك في العراق وسوريا وغيرهما، وهو عمل ضمن لجان الكونغرس المتعلقة بالشؤون العسكرية، وكثيرا ما يدلي بدلوه في قضايا السياسة الخارجية، فيصيب مرات، ويتخبط مرات اخرى.
وهو بينما يعتبر نفسه من حملة افكار "جمهوريي ريغان"، اي الرئيس الأمريكي الاسبق رونالد ريغان، ويقدم نفسه على انه "محافظ" ويعارض بحدة الافكار اليسارية والليبرالية، الا انه في الوقت نفسه، يعتبر من بين اكثر اعضاء مجلس الشيوخ المتعاونين مع التصويت الحزبي الجامع بين الديمقراطيين والجمهوريين، وهو ربما عزز الصورة القائمة حوله بانه "متقلب"، او ربما هذا ما تقتضيه ميكيافلية العمل السياسي حيث لا ثوابت سوى المصالح.
وعلى سبيل المثال، في حزيران/يونيو العام 2014 ومع تصاعد وبروز خطر تنظيم داعش في العراق، حث غراهام واشنطن على اجراء محادثات مباشرة مع ايران حول العراق، معتبرا ان واشنطن بحاجة الى مشاركة ايران لمنع انهيار الحكومة العراقية. وقال غراهام، برغم مواقفه المتطرفة من ايران، ان خطوة التفاوض الامريكي مع طهران غير جذابة بالتأكيد، ولكن لا مفر منها، موضحا انه بالنسبة الى الايرانيين فان لهم مصلحة في ذلك، فهم يريدون حماية الشيعة، ولذا نحتاج إلى الحديث معهم بطريقة ما لترسيخ الاستقرار في العراق، ومن اجل ضمان ألا تستغل ايران الموقف لاحتلال اراض عراقية.
غراهام نفسه كان اصدر بيانا في 14 كانون الاول العام 2003، رحب فيه باعتقال صدام حسين تمهيدا لمحاسبته معتبرا انه المنتصر الاكبر هو الشعب العراقي. وكان بيانه يحمل جانبا اخلاقيا متميزا عندما قال ان "اعتقال صدام سيؤدي الى اختراقات عديدة في اعادة اعمار العراق، وستكون مأساة حقا في حال اصرت الحكومات التي اقرضت الاموال لصدام الآن على أن يدفع الشعب العراقي ديون مضطهده.. ان اي بلد يصر على سداد ديون الشعب العراقي على عاتقه مضطهده، فقد دربه الاخلاقي".
في المقابل، فإن غراهام في حزيران/يونيو 2021، انتقد انفتاح ادارة جو بايدن على التفاوض مع إيران، معتبرا أن طهران "تتلاعب به وتسعى الى تحويل العالم الى رهينة لها" من خلال حصولها على قنبلة نووية، بل ان السيناتور الجمهوري نفسه ذهب ابعد من ذلك عندما قال في مقابلة مع قناة "فوكس نيوز" الامريكية ان النظام الايراني يشبه النظام النازي الألماني، فالاول يحركه التفوق الديني، والثاني كان يحركه التفوق العرقي.
وفي إبراز مواقفه المتشددة من ايران، طرح في العام 2019، على إدارة ترامب ان تقوم بتدمير مصافي النفط الايرانية وذلك بهدف "قصم ظهر النظام".
وعلى غرار تبدلاته الايرانية، فان لغراهام تبدلات مثيرة ايضا حول تركيا ومن اردوغان نفسه، واحيانا بفترة زمنية متقاربة، فمثلا في تشرين الاول/اكتوبر 2019، قام بتحرك في الكونغرس من اجل طرح عقوبات اقتصادية على تركيا على خلفية اعلان اردوغان البدء بعملية "نبع السلام" العسكرية في الشمال السوري، لكنه بعدها بثلاثة شهور كان بزيارة الى انقرة حيث قال معلقا على قرار ترامب سحب القوة العسكرية الامريكية من الشمال السوري، "قلت لترامب انه اذا انسحبنا ولم نفعل ذلك بشكل صحيح، سنكون اختلقنا كابوسا لتركيا.. (الرئيس الاسبق باراك) أوباما أحدث كابوسا لتركيا عبر تسليح قوات سوريا الديمقراطية، وينبغي على ترامب أن يكون حذرا في الانسحاب، والا يترك هذه المشكلة في احضان تركيا".
وبرغم ان غراهام سبق له مرار ان اكد على اهمية حماية واستمرار الدعم الامريكي ل"الشركاء" الكورد في محاربة داعش والارهاب، الا انه قال ل"فوكس نيوز"، ان تركيا "ستكون مضطرة لتطهير العناصر الارهابية المسلحة في سوريا. وبعض هذه العناصر من الجماعات التي نسلحها نحن"!
كما أن غراهام بينما كان رفع الصوت عاليا ضد قرار ترامب سحب القوة الأمريكية من شرق الفرات، معتبرا ان ذلك يعني التخلي عن الكورد والسماح لتركيا بمهاجمتهم، الا أنه في 20 تشرين الأول 2019، تراجع عن معارضته هذه وقال انه يزداد تفاؤلا بأن هذا القرار يعزز احتمال الحصول على حلول تاريخية في سوريا.
كان غراهام ايضا من المعارضين الأمريكيين لقرار الانسحاب العسكري من أفغانستان والذي كان "صديقه" ترامب هو الذي اتخذه في الأساس. وفي يونيو/حزيران، أي قبل اتضاح مشهد الانسحاب العسكري الأمريكي الكامل من هذا البلد، قال غراهام"يبدو ان إدارة بايدن عنيدة للغاية لتغيير مسارها ولم تتعلم شيئا من الانسحاب من العراق والمغامرات السيئة الاخرى. وكما تشاهدون في الوقت الفعلي يتم كتابة فصل آخر في كتاب جو بايدن عن كوارث السياسة الخارجية.. فصل حزين جدا وخطير".
ومن أبرز مواقفه المثيرة للجدل في الفترة الماضية، دعا غراهام في تغريدة له على "تويتر" في الاسبوع الثاني من بداية الغزو الروسي لأوكرانيا الى اغتيال بوتين، عندما قال انه "من الواضح ان العالم سيكون مكانا أفضل اذا حدث تغيير في النظام في روسيا... بوتين مجرم حرب، يجب أن يذهب بأيدي الشعب الروسي، بأي وسيلة ممكنة".
وتساءل السيناتور الأمريكي قائلا "هل يوجد بروتوس في روسيا؟ هل هناك عقيد أنجح من شتاوفنبرغ في الجيش الروسي؟ إنها الطريقة الوحيدة التي ينتهي بها الأمر، وهي أن يقوم شخص ما في روسيا بإنهاء هذا الرجل... ستقدم لبلدك والعالم خدمة رائعة"، مشيرا بذلك الى بروتوس الذي قتل الامبراطور الروماني يوليوس قيصر في العام 44 قبل الميلاد، والى العقيد النازي كلاوس شتاوفنبرغ الذي حاول اغتيال الزعيم النازي هتلر في العام 1944.
يفضل غراهام على وصف نفسه بانه صاحب "صبغة مستقلة" بينما يعتبره المحافظون الاكثر تشددا من باب الانتقاد له انه "جمهوري معتدل"، لكنه بالتأكيد يعتبر نفسه "جمهورياً ريغانياً"، او جمهوري ب"لمسة من الاعتدال".
وفي سياق هذه المساحات الرمادية المبهمة في مسيرته، يصبح متاحا لغراهام متعة التنقل ما بين المواقف والسياسات بحسب ما تقتضيه رؤيته اللحظية او المصالح المتداخلة في كواليس صناع السياسة في الكونغرس والبيت الأبيض. لكنه أحيانا يكون صادما: فبرغم انه سيناتور يمثل الناخبين الأمريكيين ومتحدر من العمل الحقوقي القانوني، الا انه أيد التنصت على الأمريكيين في مرحلة ما بعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر. كما انه أيد الاعتقالات التعسفية للمشتبه بهم في قضايا أمنية مثلما سبق للولايات المتحدة ان قامت به خلال الحرب العالمية الثانية بحق المقيمين اليابانيين والألمان.
لكنه ايضا مراقب دائم للتحولات السياسية في خارج الولايات المتحدة ويتصرف كأنه "سيناتور عالمي". والان فيما يواجه العراق التحدي السياسي المتشابك بعد قرار الصدريين الانسحاب من جهود تشكيل الحكومة والخروج من البرلمان، يحط في العراق متنقلا ما بين بغداد واربيل. والثلاثاء، استقبله رئيس الاقليم نيجيرفان بارزاني، بحضور السفيرة الأمريكية ألينا رومانووسكي، وقائد قوات التحالف الدولي الجنرال جون برينان، وعدد من الدبلوماسيين وكبار الضباط الأمريكيين.
وبحسب بيان صادر عن رئاسة الإقليم، فقد تناول الاجتماع أوضاع العراق والعملية السياسية في البلد، وآخر تطورات الحرب على الإرهاب، وعلاقات أربيل – بغداد والحوار لحل المشاكل بينهما، الأوضاع في سوريا والمسألة الكوردية فيها.
وذكر البيان أن الجانبين أكدا على أهمية حفظ الأمن والاستقرار في المنطقة واتفقا في الرأي بأن خطر الإرهاب وعودة داعش للبروز تهديد حقيقي لأمن واستقرار العراق وسوريا، ومن الضروري لمواجهة هذا الخطر أن يحافظ على الأمن والاستقرار في المنطقة وتكرس الأطراف كافة جهودها ومساعيها في هذا السياق.
واكد الرئيس نيجيرفان بارزاني أن مفتاح الاستقرار وحل مشاكل العراق يتمثل في حل مشاكل أربيل – بغداد من خلال الحوار وبموجب الدستور.
كما استقبل الكاظمي السيناتور الأمريكي وتناولت المحادثات المرحلة الجديدة من التعاون الأمني في مجال المشورة وبناء القدرات للقوات الأمنية العراقية بعد انتهاء الدور القتالي للقوات الأمريكية، فضلاً عن مناقشة الوضع الأقليمي عموماً والوضع في سوريا على وجه الخصوص، وما يمكن أن يُسهم به العراق في تحقيق الاستقرار الإقليمي في ضوء دوره المتصاعد بهذا المجال.
واكد غراهام على الالتزام غير المحدود بتقديم المساعدة طويلة الامد للعراق، وتمكينه من تحقيق أولوياته الأمنية، والاقتصادية، والاجتماعية، موضحا أن الولايات المتحدة تتطلع إلى ان يكون العراق لاعبا رئيسا في الشرق الأوسط، مرتكزاً على ديمقراطيته القوية واصلاحاته الاقتصادية كعامل داعم للاستقرار الاقليمي والدولي.
خاص شفق نيوز