شفق نيوز/ يبدو أن مشهد دخول القصر الحكومي وما تبعه من أحداث في المنطقة الخضراء امتدت على مدار "ليلة ونصف نهار"، وتحديدا ًيومي الـ(29- 30) من آب الماضي، ستبقى عالقة في ذاكرة الصحفيين الذين عايشوا هذه اللحظات، ليس كطرف ناقل للحقيقة فقط وإنما جزء من مشاهد "الرعب" التي حدثت لهم، وكانت أشبه بـ"أفلام هوليودية"، خرجوا فيها من المنطقة الأكثر أماناً، باعتداءات جسدية ومادية لا زال بعضهم يعاني منها، ليلة ونصف النهار التالي تحولت فيها المنطقة الخضراء الى "حمراء" بكل ما تحمل الكلمة من معنى.
مراسل وكالة شفق نيوز: عايشت الموت
ويقول مراسل وكالة شفق نيوز حيدر الشيخ إن في تمام الساعة الخامسة من مساء يوم الاثنين (29 آب 2022)، وخلال تغطيتي لاعتصامات أنصار التيار الصدري وتحديداً عند محاولة انسحابي بالقرب من الجسر المعلق باتجاه مبنى مجلس النواب داخل المنطقة الخضراء، وأثناء الانسحاب والخروج من المنطقة الخضراء تم إطلاق قنابل غاز مسيلة للدموع سقطت بالقرب مني، ورأيت سقوط عدد من المتظاهرين أمامي نتيجة الاختناق بالغاز فضلا عن إطلاق الرصاص المطاطي والحي، وفي هذه لحظة شاهدت الموت أمام عيني.
ويضيف حيدر الشيخ عندما حاولت أن أصل إلى بوابة المنطقة الخضراء وعند الوصول إلى مبنى البرلمان تعرضت إلى إطلاق رصاص مطاطي واصبت في يدي اليسرى، وتسبب ذلك بتحطيم جهاز الموبايل ولوغو الوكالة وفقدان بعض المعدات التي كانت بحوزتي، وبعدها قام بعض المتظاهرين بنقلي إلى مستشفى الكندي لتلقي العلاج،
وفي أثناء التغطية ونتيجة ازدياد المخاطر الأمنية طلبت إدارة الوكالة من حيدر وزميله المصور مجتبى بالانسحاب فوراً، وأكدت أن حياتهما أهم من التغطية الصحفية.
مقاربة لليالي عام 2003 وأصعب من حرب الموصل
ويقول سرمد القاص مراسل قناة الحرة لوكالة شفق نيوز "عند لحظة اسقاط محتجو التيار الصدري الكتل الكونكريتية قرب القصر الحكومي، وبحكم تغطيتي لتظاهرات سابقة، علمتُ أن ما بعد إسقاط الكتل سيكون مزيداً من الدماء والاستهداف، وفق وجهة نظر صحفية وشخصية، وكنت حذراً في الدخول الى القصر رغم حماسة المشهد التي تدفع للوصول إلى أبعد نقطة وفي منتصف الشارع الرابط بين القصر الحكومي والبرلمان سمعت أزيز رصاصة كانت قريبة مني جداً وكانت هي لحظة قرار بأن نتأنى بالدخول الى المنطقة أكثر نتيجة تغطيات أخرى ولعوامل تتعلق بالسلامة المهنية".
ويضيف القاص "أن مع اقتراب ساعات الليل ومع محاولة خروجنا من مبنى مجلس النواب قابلتنا قوة بإطلاق الرصاص وحوصرنا تماماً بقوات واطلاق نار كثيف وشاهدت قنبلة صوتية تعبر باتجاه فندق الرشيد"، مبيناً أن "هذه المواجهات التي لم تهدأ حتى ساعات الفجر ذكرتني بليالي عام 2003 وكذلك المواجهات التي جرت بين أعوام 2005 و2006 واستطيع أن أقول أن هذه الليلة كانت أصعب من تغطيتي لمعارك تحرير نينوى من سيطرة (داعش) لأن هناك كان يوجد نظام للتغطية، وإنما هنا لا تعرف من الذي يستهدف ومن الخطورة أن تقول أنك صحفي لأنك معرض للاعتداء مباشرة"، لافتا بالقول "ارتدينا لأول مرة الخوذة والدرع، وهي سابقة لأول مرة تحدث داخل المنطقة الخضراء وبالقرب منها لأن ما جرى ليس حرباً تقليدية، والمعروف أن ارتداء الدرع والخوذة معتادة أيام الحروب
يوم الثلاثاء: جانب آخر من الحكاية
ويقول مراسل قناة دجلة مصطفى لطيف في حديث لوكالة شفق نيوز إن "في الساعة الثانية عشر ظهراً من يوم الثلاثاء شرعنا ببدء تغطيتنا الاعتيادية للأحداث الأخيرة التي جرت في بغداد.. كنا نتواجد بتقاطع التشريع تحديداً بالقرب من مركز شرطة الصالحية ونحن نرصد المواجهات بين المعتصمين والقوات داخل المنطقة الخضراء تعرضنا لهجوم بقذائف الهاون تعرضت من خلالها لاصابات بمنطقة الوجه والرقبة ولاتزال لحد هذه اللحظة الشظايا مستقرة بوجهي ونقلت على أثرها إلى مستشفى الكرامة، ومن بعدها تم تحويلي لمستشفى الكاظمية وهناك تم الكشف عن حالتي الصحية وابلغوني انها مستقرة مع المراقبة الدورية لحين إخراج الشظايا".
اعتداءات و دخانيات وقوة ملثمة مجهولة
وبالعودة إلى أحداث يوم الاثنين 29 آب 2022، ينقل مراسلو عدد من القنوات الفضائية الذين غطوا الأحداث معلومات مترادفة بشأن تعرضهم للاعتداء من قوات لم يعرفوا هويتها وكيفية الاعتداء عليهم رغم اثبات هوياتهم الإعلامية.
إذ يقول مراسل قناة الرشيد عمار غسان في حديث لوكالة شفق نيوز إن "عند إخلاء القصر الحكومي أصبح هناك إطلاق للرصاص خارج القصر فيما تم رمي صوتيات ودخانيات داخل القصر ودخل المتظاهرين بالأفرع القريبة ودخلنا معهم لأننا لا نعلم الى اين تؤدي بنا، وأصبح بعد ذلك رمي للرصاص الحي".
ويضيف غسان "رأيتُ أن مصوراً اعلامياً أصيب بطلقة في رجله، فيما اعتدت قوة ملثمة ترتدي اللون الأسود بلا علامات دالة على انتمائها سوى الرتب العسكرية، عليّ وعلى المصور الذي اعتقلوه بعد ذلك، وحينما حاولت التكلم مع ضابط ملثم برتبة (رائد) وجنوده وقلت لهم اننا قناة فضائية فلماذا تعتقلون المصور انهالوا علي بالـ"تواثي والصوندات" ولما تملصت من أيديهم أطلقوا تجاهي قنبلة دخانية سقطت بالقرب مني رغم أننا جهة ناقلة للحدث فقط ولا نقف مع طرف دون آخر".
ويبين زميله مهدي غريب مراسل قناة واي نيوز الإخبارية لوكالة شفق نيوز إن "المجاميع المسلحة التي كانت ترتدي الزي الأسود قامت بضرب المتظاهرين بشكل عشوائي وبمناطق محددة من الجسم وتحديداً على مناطق الرأس، وبينما كنت انقل هذه الصورة سقطت قنابل دخانية وإحداها كادت ان تسقط على رأسي وتعرضت نتيجة لذلك الى اختناق بشكل حاد في الجهاز التنفسي، ونقلني الأصدقاء الصحفيين الى مستشفى قريب لتلقي العلاج،
ويبين غريب أن "هذه الحادثة كادت ان تودي بنا إلى الإغماء أو القتل، كما تم على إثر ذلك تكسير معداتي نتيجة حالة الركض والهلع والخوف نتيجة القنابل الدخانية العشوائية ونتيجة الرصاص الحي الموجه بشكل عام على الصحفيين والمعتصمين أمام بوابة القصر وداخله وأمام مبنى البرلمان".
ويقول مراسل قناة الجزيرة مباشر حسين علي لوكالة شفق نيوز إنه "وخلال تغطيتنا المباشرة لموقع دخول المعتصمين الى القصر الحكومي واسقاط الكتل الكونكريتية والدخول الى القصر، وصلت حتى بوابة القصر في بث مباشر وسمعت اطلاقات نارية وقنابل دخانية، ووجدت ان المعتصمين كانوا يعودون ركضاً من داخل القصر واتصور ان قوة من داخل القصر كانت تستخدم معهم الهراوات والقنابل الدخانية والرصاص"، مبينا ان "اشخاصاً سقطوا مصابين بالقرب مني ونقلوهم عبر عجلات مثل التكاتك وغيرها لتلقي العلاج، وأثناء التدافع والقصف، تعرضت الى قنبلة دخانية وغازاً مسيلا للدموع وجزء من كاميرتي الـ(reciver) فقدت في هذا التزاحم".
مشاهد هوليودية : سنموت ؟ لا سنبقى على قيد الحياة
ويروي مراسل التغيير بدر الركابي لوكالة شفق نيوز "قبل خروجنا من القصر الحكومي كنا نتعرض للرصاص والقنابل المسيلة للدموع واًصوات الطلقات تخطف بجوارنا ونسمع أزيزها وكنا نتوقع اصابتنا بأية لحظة نتيجة كثافة الرصاص والقنابل وتفرقنا انا والكادر نتيجة الخوف، وكانت هناك قوة تلاحقنا ترتدي الزي الأسود وتطلق الرصاص أيضاً وأصبحنا محاصرين بين جهتين تطلقان النار علينا واختبأت تحت إحدى الحواجز الكونكريتية وتمكنت من إرشاد مصور ومراسل احدى القنوات الفضائية كي نختبئ في هذا الحاجز".
ويضيف الركابي أن "مصور هذه القناة الزميلة أصابه الهلع والخوف وحاولت تهدأته وقال لي: سنموت، ولكن حاولت اشد أزره وقلت له :سنبقى على قيد الحياة، وسنضطر الى البقاء في هذا المكان كي لا نصاب وكان الخيار المتاح لدينا فقط".
ويبين الركابي أن "القوة وصلت إلينا لاحقا وكانت تحمل (دونكيات وهراوات) وبدأت بضربنا وركضنا منهم لتخفيف حدة الضرب ولازالت هذه القوة تلاحقنا وتطلق الغاز المسيل باتجاهنا لحين وصولي قرب البوابة الخارجية لأخذ قسط من الراحة وشاهدت مصور القناة الذي كان معي في الحاجز الكونكريتي وأبلغني بأنه تعرض للضرب وقاموا بتكسير اجهزته واعتقال المراسل الذي كان معه والاعتداء عليه، واستمرينا بالركض وصولاً الى تقاطع الجندي المجهول ودار ضيافة مجلس الوزراء وعندما انهكت من التعب وتقربت القوة مني دخلت بإحدى الأفرع الذي كانت تتواجد فيه قوة عسكرية من الجيش، إذ جلست خلف أحد الحواجز الحديدية ( الجينكو) وادعيت أنني مصاب بالسكر واجبرتني القوة على الخروج لأنها لا تتحمل مسؤولية سلامتي".
ويتابع الركابي "بعد ذلك شاهدت المصور الخاص بقناتنا وكان هو الآخر تعرض للضرب وتم تكسير الأجهزة بشكل كامل وكنا نتوقع اعتقالنا بأية لحظة واختبأنا تحت الأشجار في ساحة الجندي المجهول للخروج وحين وصولنا الى الحاجز الكونكريتي الفاصل بين الأمانة العامة لمجلس الوزراء ومبنى البرلمان أرشدتنا قوة من الجيش ونصحتنا بألا نقع بين أيدي القوة التي تلاحقنا، ووصلنا الى مبنى البرلمان مع استمرار القنابل والرصاص الحي واشتداد حدة المواجهات المسلحة"، لافتا الى "تدهور حالته الصحية ومصور القناة بعد خروجهما من المنطقة الخضراء نتيجة استنشاق كميات من الغاز المسيل والضرب والمسير الطويل والخوف والارتباك، وتم نقلنا الى المستشفى بعد ذلك لتقديم الإسعافات الأولية.
قطعت 3.5 كم حافياً
ويقول مراسل ان ار تي عربية في بغداد مصطفى صكر" اضطررت للهروب بمعية نحو 25 صحفياً والمتظاهرين الى الباب الخلفي للقصر الحكومي الذي ندخل منه خلال المؤتمرات الحكومية الأسبوعية، وتفاجأنا لدى وصولنا الى الباب الخلفي أن هناك أشخاصاً يحملون هراوات و(توثيات وبواري وصوندات) ويرتدون ملابس سوداء ويخفون وجوههم وقاموا بضرب أي شخص يحاول الخروج من الباب الخلفي وبسبب الضرب المستمر علينا والتدافع الحاصل فقدت جميع أدواتي الصحفية (ستاند ومايك ونك مايك ولوغو) المؤسسة التي اعمل بها".
ويضيف صكر "وحينما هممت بالخروج من بوابة القصر سقطت قنبلة غازية بنحو أقل من نصف متر عني ولم استطع التنفس وتعرضت للاختناق وصحوت بعدها على اثر ركلات (دوس) المعتصمين الهاربين على جسمي وفقدت نتيجة ذلك حتى حذائي، ويكفي القول اننا مررنا بطريق الهروب الذي يبلغ من (3-3.5 كم) وتقريباً من الجسر المعلق الى جسر الجمهورية وانا حافي القدمين، ولما حاولت العودة لأخذ ادواتي أو البحث عنها اخبرني احد الجنود بالقول (مو زين انت طلعت سالم)".
ويضيف صكر "ولما علمت بما جرى لزملائي الصحفيين عرفتُ أن الاعتداء على الصحفي ومصادرة ادواته والتعامل بهذا الشكل السيء معه أمر طبيعي في العراق".
مرصد متخصص: الحكومة لم تحاسب والنقابة ساكتة
بدوره أصدر المرصد العراقي لحقوق الإنسان تقريراً، يوم أمس (1 أيلول 2022)، وأوضح إن "كل أطراف النزاع الذي جرى في المنطقة الخضراء في التاسع والعشرين، والثلاثين من آب المنصرم، اعتبرت الصحافيين ووسائل الإعلام عدوة لها واستهدفتهم بشكل مباشر وبعض حالات الاستهداف كادت أن تودي إلى مقتلهم، فيما بين أن نقابة الصحافيين العراقيين، التي واجبها حماية العاملين في الإعلام والدفاع عنهم وعن حقوقهم، لم تُحرِّك ساكناً إزاء الانتهاكات التي لحقت بالصحفيين. هذا مؤشر خطير تجاه النقابة، وعلى أعضائها التنبّه لمؤسستهم".
ويبين تقرير المرصد إن "كل أطراف النزاع كانت تستهدف وبشكل مباشر الصحافيين، ويبدو أنها اتفقت على أن تعتبر الصحافيين أعداءً لها. هذه الأساليب والأفعال ليست بجديدة، وتؤشر أن حرية الصحافة في العراق في تراجع، وأن الصحافيين الميدانيين يواجهون مخاطر عدة، وللأسف فإن حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لم تعمل على حماية الصحافيين، ولم تحاسب أي من مرتكبي الانتهاكات بحقهم، حتى أولئك الذين ينتمون للمؤسسة العسكرية وتوجد أدلة تدينهم. يبدو أن الصحافيين وحمايتهم، ليست من أولويات أي حكومة عراقية، رغم أن حرية الصحافة هي العمود الفقري لأي نظام ديمقراطي".
وطال المرصد العراقي لحقوق الإنسان المؤسسات الصحافية بـ"توفير معدات السلامة المهنية الخاصة بتغطية النزاعات والتظاهرات"، كما طالب كل أطراف النزاع والاشتباك المسلح بـ"ألا يعتبروا الصحافة عدوة لهم، فإن ذلك يُمكن أن يخلق بيئة عمل غير آمنة تقوض وصول المعلومات والحقائق إلى الجمهور".