شفق نيوز/ اعتبرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن المملكة السعودية تجد نفسها في موقف صعب وهي تحاول التخلص من إرث حرب اليمن، لكن الهجمات الامريكية - البريطانية على هذا البلد بسبب التحديات التي فرضها الحوثيون، تهدد باستعادة تورط السعوديين في الحرب اليمنية التي يحاولون الخروج منها منذ سنوات.
وأوضح التقرير الأمريكي، بترجمة وكالة شفق نيوز، أن السعودية كانت حتى وقت قريب ستشعر بالاعتزاز إزاء الفرصة المتمثلة بتوجيه ضربات مشتركة بين الولايات المتحدة وبريطانيا ضد معاقل الحوثيين في اليمن، بعدما خاضت السعودية نفسها حربا وحشية ضد هذه الجماعة، الا ان الهجمات الغربية على الحوثيين، هو تماما عكس ما ترغب به الرياض فيما تجري مفاوضات سلام حساسة مع الحوثيين لتخلص نفسها من اليمن، مراهنة على ان تحمي نفسها بشكل دائم من الهجمات العابرة للحدود.
وتابع التقرير أنه في ظل تزايد حرارة الصراع في البحر الأحمر، فإن السعودية اختارت البقاء خارج الصراع، بل إن خطوط التواصل بين السعوديين والحوثيين لا تزال مفتوحة وتتجنب الرياض الوقوف علنا مع واشنطن، خشية أن تصبح هي عرضة لهجمات الحوثيين.
وبرغم أن التقرير قال ان هذه الاستراتيجية تبدو ناجحة حتى الآن، إلا انه لفت إلى أن السؤال الأكبر يتعلق بما إذا كان هذا سيضمن الحماية للسعودية على المدى الطويل.
وبعدما اشار التقرير الى التهديدات التي يقوم بها الحوثيون ضد السفن المرتبطة باسرائيل في البحر الأحمر تعبيرا عن تضامنهم مع الفلسطينيين، والغارات التي نفذها الأمريكيون والبريطانيون ضد مواقع الحوثيين في اليمن، لفت الى ان وزير الخارجية الامريكي انطوني بلينكن حاول في جولته الشرق اوسطية الاخيرة الضغط على الاطراف الفاعلة الإقليمية من اجل الابقاء على الصراع في غزة تحت السيطرة.
إلا أن التقرير قال ان العواصم الخليجية تعرف الحوثيين وتدرك أن نفوذها عليهم محدود، ولم تتجاوب مع المطالب الامريكية، فيما حاولت واشنطن حيث السعوديين على اخذ أزمة البحر الأحمر في الاعتبار في محادثات السلام مع الحوثيين وإبطاء مفاوضاتهم معهم.
وتابع التقرير أنه برغم ذلك، فقد اختار السعوديون والحوثيون المضي قدما في مفاوضاتهم مفضلين عدم السماح لازمة البحر الأحمر بالتأثير على التقدم الحاصل بينهم، فيما أعربت وزارة الخارجية السعودية، بعد أول غارات امريكية - بريطانية، عن "قلقها البالغ" ودعت إلى "ضبط النفس"، مضيفا أن الرياض لا تتملكها الرغبة في توريط نفسها في صراع آخر مستعص مع الحوثيين حيث إن المملكة تعلمت من دروس الماضي من خلال التعامل مع الحوثيين عسكريا، وهي تدرك تماما أنها تخاطر بالوقوع مباشرة في مرمى النيران.
وفي حين ذكّر التقرير بالهجوم على منشآت "أرامكو" في العام 2019، وشعور السعوديين بالخيانة من قبل الأمريكيين، قال ان السعودية سارعت بعدها الى اعادة ضبط سياستها الخارجية في السنوات التالية، ساعية إلى حلول دبلوماسية لمشاكلها الإقليمية بدلا من الاعتماد على واشنطن لإنقاذ، مضيفا أن الرياض تحافظ في هذه الأيام على الحوار مفتوحا مع إيران.
واعتبر التقرير الأمريكي أن آخر ما يحتاجه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، حدوث تصعيد يعطل السنوات الحاسمة التي تسبق "رؤية 2030" الاصلاحية التي تستهدف تنويع الاقتصاد السعودي.
ونتيجة لذلك، يقول التقرير ان السعودية اختارت التزام الصمت في ظل ازمة البحر الأحمر، على امل ان تحميها قنوات اتصالها مع إيران، من خلال الاتفاق الذي توسطت فيه الصين في العام 2023، من الاضطرابات الإقليمية وهجمات الحوثيين المستقبلية.
وتابع التقرير ان خطوط الاتصال الجديدة هذه، ليس هدفها وقف أعمال الحوثيين في البحر الأحمر، وانما تشكل جزءا من جهد أوسع لعزل المملكة عن اي تصعيد اقليمي بغض النظر عن ظروف هذا التصعيد، وهي استراتيجية تبدو حتى الان ناجحة اذ لم يتم استهداف الرياض، مشيرا إلى أن جانبا من قرار المملكة بعدم الانضمام الى التحالف البحري الذي تقوده الولايات المتحدة ضد الحوثيين يتأثر بتجربتها في تحمل وطاة التوترات بين ايران والولايات المتحدة.
وذكر التقرير ان الاولوية الاولى للسعودية هي حماية نفسها، وهي تريد خروجا سريعا من حرب اليمن، ولن تسمح للخلاف الغربي الأخير مع الحوثيين بإفساد هذا الامر، مضيفا ان الرياض ترى أن أنه ليس من المفيد تعريض العلاقة الناشئة من المحادثات مع الحوثيين، للخطر، ويعتبرها السعوديون كافية لحماية أنفسهم من هجمات الحوثيين التي قد يتعرضون لها على افتراض انهم دعموا العمليات الامريكية في البحر الاحمر.
واشار التقرير الى ان السعودية لطالما حذرت واشنطن من مخاطر حصول الحوثيين على قدرات أكثر تطورا في مجال الطائرات المسيرة والسيطرة على مناطق قريبة من البحر الأحمر، لكن السعوديين لم يتلقوا سوى ردود باهتة من الأمريكيين، وبالتالي يتساءل السعوديون عن سبب وجوب مساعدة نفس الشركاء الغربيين الذين أمضوا سنوات في انتقادها بسبب حربها الوحشية ضد الحوثيين.
والآن، يقول التقرير انه بعد ان اصبحت واشنطن في مرمى نيران الحوثيين، فإن الرياض لا ترى أي سبب للانضمام إليها.
لكن التقرير اعتبر ان حسابات السعودية قد تكون خاطئة، اذا انه لم يتم التوصل الى اتفاق سلام نهائي حتى الآن، وما هو مطروح الآن مجرد تفاهم هش يمكن أن ينهار فجأة، ولا يوجد ما قد يمنع الحوثيين من استهداف السعودية في المستقبل في ظل غياب اتفاق سلام رسمي.
وتابع التقرير قائلا إنه مما قد يزيد الوضع تعقيدا هو في حال قررت السعودية استئناف محادثات التطبيع مع اسرائيل، حيث قد تصبح المملكة هدفا رئيسيا للحوثيين الذين سبق لهم أن انتقدوا اتفاقات ابراهام للسلام لتطبيع دول عربية مع اسرائيل، مضيفا انه في حال واصلت الرياض محادثات التطبيع مع اسرائيل، فهناك احتمال قوي بان يغير الحوثيون اهدافهم ويعلنون عن نيتهم استهداف أي دولة يتم النظر إليها على متحالفة مع إسرائيل، واستخدامها كمبرر لانتزاع المزيد من التنازلات من السعوديين بشأن محادثات السلام.
وختم التقرير بالقول إنه في حال استمرت الولايات المتحدة وبريطانيا في شن ضربات على اليمن، فإن الحوثيين قد يعمدون الى تنفيذ تهديداتهم والتصعيد بشكل أكبر من خلال استهداف القواعد العسكرية الامريكية في المنطقة، بما في ذلك في البحرين أو حتى في عواصم الخليج التي يرونها تتحالف مع اسرائيل، مضيفا ان مثل هذه الهجمات من شأنها عرقلة محادثات السلام بالكامل واجبار السعوديين على التحرك، مما يؤدي الى إغراق اليمن في حرب اقليمية اكثر تعقيدا.
وخلص التقرير الى القول انه لم تعد هناك خيارات مواتية متبقية للسعودية في اليمن، مضيفا أن مستقبل الصراع في اليمن اصبح الان مرتبطا بشكل وثيق بالاضطرابات في البحر الأحمر.
ترجمة: وكالة شفق نيوز