شفق نيوز/ تباينت آراء المراقبين للوضع السياسي في العراق، بشأن دعوة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، اتباعه لفض اعتصامهم والانسحاب من المنطقة الخضراء وسط بغداد، وفيما رجح البعض تلقي الصدر "ضمانات"، ذهب البعض الآخر إلى حصول "تدخلات" غيرت المعادلة، كما توقع آخرون اندلاع "ثورة جديدة" في حال استمرار الوضع على ما هو عليه حاليا.
ووجّه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، أنصاره بالانسحاب الكامل من المنطقة الخضراء وسط العاصمة بغداد، وإنهاء "ثورة عاشوراء" خلال مدة مقدارها ساعة واحدة، منتقدا بشدة الصدام المسلح الذي حدث بين أنصاره والقوات الأمنية، قائلا إن "القاتل والمقتول في النار".
وقال الصدر في مؤتمر صحفي عقده ظهر اليوم في مقر إقامته بالحنانة في محافظة النجف، إنه "بغض النظر عن من بدأ الفتنة في الأمس فأنا أمشي مطأطأ الرأس، واعتذر للشعب العراقي الذي هو المتضرر الوحيد مما يحدث فالقاتل والمقتول في النار".
وفور انتهاء المؤتمر سارع انصار التيار الصدري بالانسحاب جماعياً من المنطقة الخضراء، التي تحولت لساحة قتال مباشر على مدار الليلة الماضية وهذا اليوم، حتى بدأ مؤتمر زعيم التيار الذي أوقف حالة المواجهة المباشرة.
ورحّبت شخصيات سياسية وجهات محلية ودولية بموقف الصدر، بسحب أنصاره من المنطقة الخضراء ووقف القتال، فيما أعلنت قيادة العمليات المشتركة رفع حظر التجوال الذي كان قد فرض عقب اندلاع العنف أمس الاثنين.
تدخل حاسم
وفي هذا الشأن يقول عضو مجلس النواب العراقي، علي عبد الستار، لوكالة شفق نيوز، إن "موقف الصدر الحالي تُرفع له القبعة في احتواء الدم العراقي وإيقاف النزيف الذي تعرض له البلد وجميع شرائحه، فهو موقف يُحسب له على مدى التاريخ، وهو عدم الرضا بالاقتتال ووصول الأمر إلى قتال الاخوة".
وأضاف "هذا أمر لم يكن بالحسبان، فلم يتوقع جميع الفرقاء السياسيين أن الكتلة الصدرية وعلى رأسهم الصدر أن يظهر بهكذا بيان معتدل وقوله (أقف مطأطأ الرأس)، ونحن نقول له، وقفت وأنت مرفوع الرأس في سبيل بلدك وأهلك".
وتابع عبد الستار، أن "ما ظهر من الصدر، يثبت عدم رضاه على جميع الأحداث المسلحة التي حصلت، وفي الوقت نفسه يثبت أن وحدة الشعب العراقي كانت وستبقى تخرج من أصول عربية عراقية وبقيادات عراقية، وهذه رسائل اطمئنان للشعب العراقي".
وأوضح أن "قرار الانسحاب لم يوحي بأنه جاء بناء على تفاوض، لكن من المؤكد ان اتصالات أجريت بين القيادات وخاصة الدينية لأن الأمر وصل إلى مأزق ومفترق طرق، وكان الحل الوحيد في يد جهتين هما الصدر والمرجعية الدينية، واعتقد أن الفيصل كان بتدخل بعض القوى الدينية في الموضوع".
ودخل العراق في مأزق سياسي منذ تشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي، بسبب فشل القوى الشيعية في تشكيل ائتلاف.
وفاز التيار الصدري بأغلبية مقاعد البرلمان العام الماضي، لكن لم يتم التوافق بين القوى السياسية على تشكيل حكومة منذ وقتها، الأمر الذي أدى إلى تصاعد التوتر السياسي.
ودعا أتباع الصدر إلى حلّ البرلمان وإلى انتخابات جديدة، كما اعتصم أنصاره على مدار أسابيع أمام البرلمان العراقي، بعد اقتحامه في 30 يوليو/ تموز للضغط باتجاه تحقيق مطالبهم.
ضمانات للانسحاب
وفي هذا الجانب يذكر المحلل السياسي، كتاب الميزان، لوكالة شفق نيوز، أن "مقتدى الصدر ما يزال هو ضابط الإيقاع والمتحكم بالتيار الصدري، وقرار انسحاب انصاره من المنطقة الخضراء والبرلمان كان بتقديم ضمانات فيما يخص حل البرلمان، وما يعزز هذا الرأي هو تأجيل المحكمة الاتحادية جلسة النظر في طلب حل البرلمان العراقي الى ما بعد التفاهم مع الصدر".
ويكمل الميزان "وكذلك تقديم ضمانات أخرى من بينها تقنين قانون الحشد الشعبي وحل الفصائل، وأرى أن هذه الضمانات كافية لدعوة الصدر انصاره الى الانسحاب من المنطقة الخضراء".
وقررت المحكمة الاتحادية العليا (أعلى سلطة قضائية في العراق)، إرجاء عقد الجلسة المقرر عقدها اليوم الثلاثاء للنظر في الدعوى القضائية لحلّ مجلس النواب إلى إشعار آخر، وفق ما أخبر به مصدر قضائي وكالة شفق نيوز، الذي بيّن أن التأجيل يعود إلى العطلة والتطورات الأمنية قرب المنطقة الخضراء، مرجحا بأن الجلسة ستعقد عند عودة الأمور الى طبيعتها من الناحية الامنية.
وكان أمين عام الكتلة الصدرية نصار الربيعي، رفع الدعوى على كل من رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس النواب، للحكم بحل مجلس النواب لدورته الخامسة، وإلزام رئيس الجمهورية بتحديد موعد لإجراء الانتخابات التشريعية وفقاً لأحكام المادة 64/ ثانياً من الدستور.
وفحوى الدعوى تتناول اتهامات بالإخفاق في انتخاب رئيس للجمهورية والتجاوز على التوقيتات الدستورية لتشكيل الحكومة الجديدة.
مواقف ضبابية
ويرى محللون سياسيون، أن مواقف الصدر كانت غير ثابتة وفيها ضبابية، فمنذ بدء أزمة الاعتصام كانت هناك عدة قرارات، الأولى كانت تتمثل بالمطالبة بإسقاط النظام وحل العملية السياسية، ومن ثم تطورت إلى حل البرلمان وانتخابات مبكرة، ثم طالب الصدر بتشكيل حكومة بمعزل عن التيار الصدري ودولة القانون، بعدها هاجم مجلس القضاء الأعلى ومطالبته بحل البرلمان واتخاذ قرارات من قبل المحكمة الاتحادية، وصولا إلى يوم أمس حيث كان هناك قراران للصدر، الأول أنه ينأى بنفسه عن كل ما يحدث ويخرج من العملية السياسية وعدم تدخله في مثل هكذا أمور، ثم اضرابه عن الطعام، واليوم جاء قرار الصدر بالاحتجاج على اتباعه، بحسب المحلل السياسي، نجم عبيد.
ويشير عبيد في حديثه لوكالة شفق نيوز، إلى أن "الاعتصامات الأخيرة كان لها مردود سلبي، فلم تكن منضبطة، ولم تأت بمستوى تشرين التي كانت أكثر انضباطا وسلمية ولم تؤثر على مؤسسات الدولة، كما الأخيرة التي تسببت بتعطيل البرلمان العراقي منذ حوالي شهراً كاملاً".
ثورة كبرى
ويحذر عبيد، مخاطبا القوى السياسية، "من أن التخبط في إدارة الدولة وعدم تلبية مطالب الشعب، سوف تجرّهم لمواجهة ثورة عراقية كبرى لا تبقي ولا تذر من هذه الأحزاب، بدليل أن تظاهرات التيار التحق فيها الكثير من المواطنين الذين لديهم حافز للتغيير والثورة ضد هذه الأحزاب التي لم تستطع أن تحقق تطلعات الشارع العراقي، لذلك البقية الباقية التي لم تلتحق بتظاهرات التيار الصدري تسعى إلى تحقيق ثورة سلمية بوجه هذه القوى السياسية، وفي حال قمعها مرة أخرى فإنها ستقابل بالمثل من قبل الثوار السلميين العراقيين الذين يريدون الخلاص من هذه الأحزاب".