شفق نيوز / تصاعدت خلال الأيام القليلة الماضية، ظاهرة التحرش بالفتيات في الأماكن العامة، ووثقت ضحايا هذه الحالات ما جرى معهن بواسطة هواتفهن المحمولة، لينتشر بعدها في صفحات مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، ما أثارت ضجة واسعة داخل المجتمع العراقي المحافظ.
والتحرش يقصد به المضايقة أو إتيان أي فعل غير مرحب به، يشكل انتهاكا للضحية، ويتدرج من مرحلة الإيذاء النفسي إلى الإيذاء اللفظي أو التلميحات المسيئة، ويصل لحد الإيذاء الجسدي والجنسي.
تحرش فاحش
وما ينتشر مؤخرا في العراق هو ذلك النوع الذي يتعلق بارتكاب الفعل الفاضح العلني المخل بالحياء، وهو إتيان الجاني أي فعل مادي يكون من شأنه خدش حياء العين أو الأذن، سواء وقع هذا الفعل على الغير أو أوقعه الجاني على نفسه، أو كان من شأن الفعل الإخلال بالآداب العامة.
وكالة شفق نيوز، سلطت الضوء على هذه الظاهرة، واستطلعت تجارب فتيات مع جريمة التحرش وآثارها عليهن.
وتتحدث غزل إياد من محافظة بابل، عن تعرضها لتحرش لفظي أثناء عملها (فضلت عدم الإفصاح عنه)، قائلة: "عندما أجري اتصالات مع العملاء بحكم عملي، الذي يتطلب اللطافة في الكلام، بعضهم يعتقد بأني معجبة به ويبدأ بالتحرش، ولا يعي بأني موظفة أؤدي عملي فحسب".
وتضيف إياد لوكالة شفق نيوز، "كما لا يقتصر التحرش في مجال الاتصالات فقط، بل يتعدى ذلك إلى مواقع التواصل الاجتماعي، وفي الشارع والأماكن العامة أيضاً".
نسب كبيرة
وثمة أرقام غير رسمية أصدرها منتدى الإعلاميات العراقيات، أشار فيها إلى أن "77% من العراقيات يتعرضن للتحرش المباشر، وأن أكثر من 90% منهن طالبن بوضع قوانين قادرة على ردع المتحرشين.
لكن الأرقام الأكثر إثارة، هو تصريح 78% من اللواتي تم استقصاء آرائهن بأنهن تعرضن للتحرش في مجال العمل، وأنهن لم يستطعن ترك العمل لأسباب اقتصادية.
أما النسب التي وزعتها الأبحاث الاجتماعية حول أنواع التحرش التي تعرضن لهن، قالت إن "57% منهن تعرضن لتحرش لفظي، فيما تتعرض 20% منهن لتعرض جنسي، وكان للتحرش داخل المنزل نسبة 5%، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي تعرضت 7% من النساء للتحرش.
مضايقات في العمل
وفي هذا السياق، أفادت المواطنة مريم علي، التي تعمل في أحد أسواق (مولات) محافظة الديوانية، بتعرضها وبشكل مستمر للتحرش من قبل بعض الزبائن، من خلال اعطائها أرقام هواتفهم الشخصية، أو يدعونها للخروج معهم".
ولم تخف علي، خلال حديثها لوكالة شفق نيوز، عن قيام بعض أصحاب العمل التحرش بالموظفات، مردفة بالقول: إن "الفتيات اللواتي يرفضن هذا التصرف يقوم صاحب العمل بزيادة ساعات العمل عليهن وإرهاقهن في الواجبات، وكأنه يحاول من ذلك معاقبتهن.
وتعلن الأجهزة الأمنية بين حين وآخر القبض على متورطين بعمليات تحرش، وإحالة عدد منهم إلى القضاء، موضحة أنّ التجمعات الجماهيرية والأسواق تشهد أكبر عدد من تلك الحالات.
هذا وشرعت وزارة الداخلية في الفترة الماضية بنشر عناصر شرطة من النساء في الأسواق والأماكن العامة بالعاصمة بغداد ومناطق أخرى من البلاد، في تجربة تسعى من خلالها إلى الحد من ظاهرة التحرش التي تتسع بشكل مقلق وخاصة في الفترة الأخيرة".
ذريعة الملابس
ما سبق، أكدته الباحثة الاجتماعية، شهلاء صبار، خلال حديثها للوكالة، بالقول إن "التحرش ينتشر في المحافظات العراقية كافة، ويكثر في العطل والأعياد والمناسبات، فيما يعزو عدد من الشباب أسباب التحرش إلى ارتداء بعض الفتيات ملابس (غير مستورة) - على حد قولهم - ما يثير الغريزة لديهم ويجعلهم يتحرشون بالفتيات".
وتنصح صبار الفتيات "بارتداء ملابس تناسب المكان الذي يذهبون إليه، لكي لا يلفتن الأنظار غير المحببة اليهن، والتي تنتهي عادة بالتحرش، كذلك تنصح الفتيات اللواتي يتعرض للتحرش بعدم السكوت بل إعلان رفضها صراحة لهذا الفعل".
وتضيف، "أما في حالة مدير العمل المتحرش، فعليها أن تنهيه مباشرة وتلجأ إلى القانون، واذا استمر على فعله، حينها عليها مضطرة البحث عن عمل آخر لتحافظ على سلامتها وسمعتها المهددتين".
القانون العراقي
ويعرّف قانون العمل العراقي رقم 37 لسنة 2015 التحرش الجنسي بأنه: "أي سلوك جسدي أو شفهي ذي طبيعة جنسية، أو أي سلوك آخر يستند إلى الجنس، ويمسّ كرامة النساء والرجال، ويكون غير مرغوب وغير معقول، ومهيناً لمن يتلقاه؛ ويؤدي إلى رفض أي شخص أو عدم خضوعه لهذا السلوك -صراحةً أو ضمناً-؛ لاتخاذ قرار يؤثر على وظيفته".
وتحظر المادة 10 من قانون العمل العراقي: "التحرش الجنسي في الاستخدام والمهنة سواء كان على صعيد البحث عن العمل، أو التدريب المهني، أو التشغيل، أو شروط وظروف العمل. كما يحظر أي سلوك آخر يؤدي إلى إنشاء بيئة عمل ترهيبية، أو معادية، أو مهينة لمن يوجه إليه هذا السلوك".
وبحسب بيانات منظمة العمل الدولية عن نسبة التحرش في أماكن العمل لعام 2021، فإن 77% من الإناث في أفريقيا، 45%-55% في أوروبا، 30%-50% في أميركا اللاتينية، 30%-40% في آسيا ومنطقة المحيط الهادئ، يتعرض لهذه الظاهرة.
عقوبة التحرش
وعن العقوبة التي تترتب على المتحرش يوضح المحامي، علي العبودي، أن "العقوبات القانونية تبدأ من المادة 400 وما بعدها، وعقوبة التحرش البسيط هي المخالفة، وهناك جرائم تحرش جنائية وهي الاعتداء الجنسي، وهذه عقوبتها شديدة تصل إلى السجن المؤبد، أو حكم الإعدام".
وتنص المادة 400 من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل، على من ارتكب مع شخص، ذكرا أو انثى، فعلا مخلا بالحياء بغير رضاه او رضاها يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على مائة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين.
أما المادة 402 من قانون العقوبات أعلاه، فإنها تنص على "يعاقب بالحبس مدة لاتزيد على ثلاثة أشهر وبغرامة لا تزيد على ثلاثين دينارا أو بأحد هاتين العقوبتين: أ- من طلب أمورا مخالفة للآداب من آخر ذكرا كان أو انثى. ب- من تعرض لانثى في محل عام باقوال أو أفعال أو اشارات على وجه يخدش حياءها".
وتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر والغرامة التي لا تزيد على مائة دينار إذا عاد الجاني إلى ارتكاب جريمة أخرى من نفس نوع الجريمة التي حكم من أجلها خلال سنة من تاريخ الحكم السابق، وفق قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل.
ويرى المحامي العبودي، في حديثه لوكالة شفق نيوز، أن "قانون العقوبات الصادر سنة 1969 قديم جدا، والواقع الآن يختلف عن تلك الفترة الزمنية، فهناك مسائل مستحدثة، لذا يجب اجراء تعديلات على هذا القانون، على سبيل المثال تشديد العقوبات على المتحرش وخاصة الغرامات لتكون رادعة لكل من تسوّل له نفسه بارتكاب هذه الجريمة".
ويبّين، "وهناك حالات تحرش على الموظفات والموظفين في أماكن العمل، وقانون العمل أشار لهذا الموضوع بالمادة 10 الفقرة الأولى رقم 37 لسنة 2015".
أسباب التحرش
ويعزو المحامي أسباب تفاقم هذه الظاهرة إلى "ضعف الوازع الديني والأخلاقي والتربية، فضلا عن البطالة والفقر وتدني المستوى الثقافي والتعليمي، بالإضافة إلى عدم وجود رقابة على المواقع الالكترونية وخاصة الاباحية، فلا يوجد حظر في العراق على هذه المواقع بخلاف الدول المتقدمة وحتى المنفتحة والديمقراطية منها، والتي تضع قيودا عمرية أو رسوم على تصفحها، ولذلك لتأثيراتها السلبية الكبيرة على المجتمع، وهذا ما يعاني منه المجتمع العراقي حاليا".
ويضيف، كما أن "مواقع التواصل الاجتماعي في العراق تضج بشخصيات مشهورة وهي تظهر بملابس غير لائقة، أو الايحاءات الجنسية والاساءة التي تصدر منها دون محاسبة أو رقابة على تلك المحتويات".
تحرش بالذكور
وينبّه العبودي، إلى أن "التحرش لا يقتصر بين الذكر بالانثى، بل التحرش وصل إلى ما بين الجنس نفسه (بين ذكر وآخر)، وهذا ما يلاحظ من الدعاوى التي ترد على نحو أسبوعي في المحاكم، وهذا يمثل صدمة، كون المجتمع العراقي محافظ ويتقيد بالأعراف والتقاليد العشائرية".
كذلك لا يقتصر التحرش على الشباب دون الكبار، وفي هذا يقول المحامي أن موكلته ذكرت له أنها "استقلت سيارة أجرة وكان يقودها رجل كبير في السن، لكنها تفاجأت بعد صعودها بأنه كان يقوم بأفعال خادشة للحياء داخل السيارة، وعلى أثرها ترجلت من السيارة وقامت بتقديم شكوى بعد تسجيلها لوحة السيارة ومواصفاتها، وتم اتخاذ الاجراءات القضائية بحقه واعتقاله، لكنها في النهاية تنازلت عن الدعوى بعد تلقيها ضغوطات من عشيرة المتهم".