شفق نيوز/ وضعت الأزمة المالية العراق من بين دول المنطقة الأكثر عرضة للانهيار الاقتصادي ، بعد أن تراجعت مداخيل الحكومة، ما ينذر بوقوع اضطرابات شعبية.
ويشكو اصحاب المحال في بغداد يشتكون من غياب المتسوقين منذ ان خفضت الحكومة قيمة الدينار العراقي امام الدولار، ويقول صاحب متجر يدعى سعد سلمان ان "رفع قيمة الدولار، دمر الناس. القدرة الشرائية تراجعت، ومن اعتاد على شراء كيلوغرام، يشتري الان نصف كيلوغرام".
وتقدر وزارة المالية أن هناك 7 ملايين عراقي (من بين 40 مليون نسمة)، يتلقون رواتب من الحكومة، وان مداخيل الحكومة تراجعت بنسبة 47.5% في الشهور الثمانية الاولى من العام 2020، بحسب تقديرات البنك الدولي.
ومع تراجع المداخيل من مبيعات النفط بشكل كبير، فان الحكومة تدفع الرواتب والتعويضات بشكل متقطع او لا تدفع. ويقول الاقتصاديون ان نسبة الفقر في العراق ربما ارتفعت من 20 % الى 30% او أكثر خلال العام الماضي.
وتدمرت اقتصاديات الدول حول العالم بسبب وباء كورونا، لكن صندوق النقد الدولي قال في اكتوبر/تشرين الاول الماضي، ان غالبية اقتصاديات دول الشرق الاوسط سقطت في مرحلة ركود، لكن هناك دول محددة وضعها اكثر انكشافا، من بينها العراق الذي يعتمد بشكل اساسيا على صادرات النفط.
ومن اجل ان تسهل على نفسها امكانية دفع الرواتب وايضا تشجيع الناس على الشراء من الاسواق المحلية بدلا من الاعتماد على السلع المستوردة، قامت الحكومة العراقية بتخفيض قيمة الدينار بنسبة 20% في كانون الاول/ديسمبر الماضي. ولكن لان العراق لا ينتج سوى القليل من السلع، فإن الناس أمام خيارات محدودة تدفعهم إلى شراء السلع المستوردة والتي اصبحت الان باهظة الثمن اكثر.
ويقول سلمان، التاجر في محل للحلويات، "الآن بسبب ارتفاع قيمة الدولار، والناس التي تتلقى تعويضات (من الدولة) لا تصلهم مخصصاتهم، هناك طبقتين من الناس. الفقيرة، والطبقة الثرية".
ويقول الخبير في وكالة الطاقة الدولية علي الصفار "بالإمكان وصف وضع العراق الاقتصادي، بأنه خطير، مشيرة ان ان الصفار يغطي بعمله كل المنطقة لكنه يجد الوضع في العراق "الاكثر اثارة للقلق على الأرجح" بالنظر الى احتمال ان يتجه الى انعدام الاستقرار، بحسب تقرير لـNPR ترجمته وكالة شفق نيوز.
وقال الصفار "ان الجذور تكمن في ان تركيبة الاقتصاد كانت متزعزعة منذ عقود"، موضحا ان العراق يعتمد بمدخوله على إيرادات النفط بنسبة 98%، وهي غالبيتها تذهب الى الدولة، وهي ما يعني ان الدولة تضخمت أكثر مما يجب، والقطاع الخاص لم يكبر كما يجب فيما الحكومة تعتمد عليه لخلق فرص عمل.
وبرغم ان العراق ليس فريدا في هذا الوضع بالنسبة الى الاعتماد الكبير على موارد النفط وقطاع التوظيف الحكومي الكبير، الا ان بعض الدول كدولة الإمارات قامت بتنويع اقتصادها بقطاعات الصناعة والسفر والسياحة، في حين ان دولة كالسعودية تتمتع باحتياطيات مالية كبيرة.
كما أن العراق مثقل بأعباء ضخمة بما فيها اعادة بناء المدن التي دمرت خلال حرب داعش.
وتنقل NPR عن وزير المالية العراقي علي علاوي خطة، "يجب أن تكون هناك فعلا مقاربة مختلفة تماما للطريقة التي تمول فيها الحكومة نفسها وكيفية تخصيص هذه الموارد بين مختلف القطاعات".
وأطلقت الحكومة العراقي عبر ماليتها خطة الورقة البيضاء لتشجيع الاستثمارات وتطوير البنى التحتية وتحسين مداخيل الضرائب ودعم الزراعة والصناعة وتحسين تعليم الشباب ليتمكنوا من دخول أسواق العمل العالمية.
ويؤكد علاوي ان العديد من هذه الافكار ليست جديدة، ويقول انه في الماضي غالبية هذه الخطط تعثرت لانه لم تتوفر الارادة لتنفيذها حتى آخرها، وان اموال النفط كانت تتدفق واختارت الحكومة المسار الأكثر سهولة.
والان، يقول علاوي هناك اعتراف سياسي وشعبي ان الاصلاح أمر ضروري، والورقة البيضاء تتضمن المئات من الخطوات الملموسة ليتم تطبيقها خلال الاعوام الثلاثة والخمسة المقبلة، اولها كان تخفيض قيمة الدينار. وقال "سيكون هناك عدد من الناس سيخسرون، وعدد اكبر بكثير سيتنفع".
لكن المنافع ستتطلب وقتا لتظهر، وفي هذه الاثناء فان العراق يسعى الى قروض بمليارات الدولارات من صندوق النقد الدولي، لتخفيف الألم الحالي وتجنب التحديات السياسية.
وقال الباحث في "مؤسسة القرن" الاميركية ساجد جياد "اذا استمر الوضع الحالي، وظلت اسعار النفط منخفضة، فهناك احتمال كبير ان عددا أكبر من الناس سينفذ إضرابات او احتجاجات، والامور قد تصبح أكثر صعوبة".