شفق نيوز/ أي واقع مأساوي يعيشه أطفال العراق، خلال العقدين الأخيرين.. حرمان فقر نزوح عمالة تجنيد تحرش استغلال، فضلاً عن المتاجرة بهم، حتى بات البلد الذي يأويهم ضمن أخطر 10 دول لعيش الأطفال في العالم، وفق تقارير دولية.
وفي استطلاع أجرته لجنة الإنقاذ الدولية، أشرت معدلات عمالة مرتفعة في العراق، وتستمر بالوقوف في وجه تعلم الأطفال وعيش طفولتهم وممارسة حقوقهم الأساسية.
وأظهرت البيانات الجديدة التي حصلت عليها اللجنة، أن غالبية الأطفال الذين شملهم الاستطلاع في شرق الموصل يعملون في ظروف غير آمنة، وأن 95٪ من الأطفال يفتقدون لوثائق الهوية الأساسية، وأكثر من نصف الأسر التي شملها الاستطلاع لديها طفل أو أكثر منخرط في العمل.
أدى بطء التعافي الاقتصادي بعد انتهاء الصراع إلى لجوء العائلات إلى الاعتماد على عمالة الأطفال، التي تمنع الأطفال العراقيين من ممارسة حقوق الطفولة الأساسية.
ونوهت لجنة الإنقاذ الدولية، في تقرير لها، ورد لوكالة شفق نيوز، إلى "استمرار الارتفاع المقلق في معدلات عمالة الأطفال في العراق في حرمان الأطفال من حقوقهم الأساسية تزامناً مع نفاد خيارات الأسر في تلبية الاحتياجات المعيشية الأساسية".
بلا أمان
وفي دراسة استقصائية جديدة أجريت في خمس مناطق في شرق مدينة الموصل، لاحظت لجنة الإنقاذ الدولية، أن 90٪ من مقدمي الرعاية أفادوا بوجود طفل أو أكثر منخرط في مجال العمل، بينما أفاد 85٪ من الأطفال أنهم لا يشعرون بالأمان في مكان عملهم واصفين حالات التحرش وعدم امتلاك المعدات المناسبة لحماية أنفسهم أثناء العمل في المصانع أو في الشوارع.
وبعد ما يقرب من خمس سنوات على إعلان انتهاء العمليات العسكرية وطرد تنظيم داعش، ما تزال الظروف الاقتصادية في الموصل مزرية للعديد من العائلات، بما في ذلك أولئك الذين نزحوا داخل البلاد والذين عادوا إلى مناطقهم الأصلية بعد أن نزحوا أثناء النزاع.
وقامت لجنة الإنقاذ الدولية، بإحصائية تضم 211 أسرة في أحياء التسعين والانتصار والعرباشية والسماح واليرمجة في شرق الموصل، وأجرت مسوحات إحصاء إضافية تضم 265 طفلاً تم تصنيفهم على أنهم منخرطون في مجال العمل.
وأظهرت النتائج أن عمالة الأطفال هي آلية تكيف سلبية شائعة للعائلات في هذه المناطق، كجزء من كفاحهم لإعادة بناء حياتهم، وذلك ناجم عن محدودية توافر فرص كسب العيش، وعدم حيازة الوثائق - مثل بطاقات الهوية الوطنية أو شهادات الميلاد - وسوء الظروف المعيشية.
أعمال خطرة
وأظهرت نتائج المسوحات الإحصائية، أيضاً معدلات عمالة أطفال هي الأعلى في الأسر العائدة إلى مناطق سكناها، حيث أفاد أكثر من 50٪ منهم بانخراط طفل أو أكثر في مجال العمل، أما بالنسبة لأولئك الذين ما زالوا نازحين، فأفاد أكثر من 25٪ منهم بانخراط طفل أو أكثر من كل عائلة في مجال العمل، وبالنسبة لأسر المجتمع المضيف، فبلغت النسبة المئوية لعمالة الأطفال أكثر من 20٪.
إلى ذلك، أبلغ 95٪ من الأطفال عن فقدان الوثائق المدنية الضرورية، بينما أفاد حوالي 75٪ من الأطفال الذين شملهم الاستطلاع، قيامهم بأعمال غير رسمية وخطيرة مثل جمع القمامة، وأعمال البناء اليومية، والخردة والنفايات.
ونبه مقدمو الرعاية، وفق التقرير، بأن "ما يقارب نصف الأطفال في أسرهم لا يرتادون المدرسة، وذكر العديد منهم أن عمالة الأطفال هي السبب الرئيسي للتسرب من المدرسة.
مثال مصغر
مناطق شرق الموصل، ما هي إلا عينة بسيطة، موجودة في جميع أنحاء المحافظات العراقية التي شهدت الصراع وتعايشت معه.
فبعد انتهاء الصراع مع تنظيم داعش، تم الإبلاغ عن نقص في الوثائق المدنية وبطء في التعافي الاقتصادي في الأنبار وكركوك وصلاح الدين من قبل مستفيدي اللجنة الآخرين.
وفي هذا الصدد، قالت مديرة مكتب لجنة الإنقاذ الدّولية في العراق، سمر عبود: "عندما لا تتمكن العائلات من تلبية احتياجاتها الأساسية، يكون الملاذ الأخير في بعض الأحيان هو إرسال أطفالهم للعمل".
وأضافت: "نحن على دراية بأن عمالة الأطفال تعرض الأطفال للأذى وينجم عنها آثار سلبية طويلة الأمد على صحتهم الجسدية والعقلية، فعندما يعمل الأطفال، فإنهم يُحرمون من فرصة عيش طفولة طبيعية وآمنة".
الأسباب
وأبلغت العائلات عن أسباب عدة لانخراط أطفالها في مجال العمل، بما في ذلك "عدم القدرة على تغطية تكاليف التعليم، والحاجة الماسة لوجود مصدر دخل لتغطية النفقات الأسرية الأساسية مثل الطعام والمأوى، وعدم سماح المدارس بالتسجيل فيها بسبب عدم وجود وثائق، فضلاً عن اعتبارها وصمة عار مجتمعية بتصور المنتمين للجماعة المعروفة بداعش".
وغالباً ما تواجه العائلات ذات الانتماء المتصور صعوبات في إعادة الاندماج في مناطقهم الأصلية أو المجتمعات الجديدة، وقد يتسبب ذلك في شعور الأطفال بأنهم غير مرحب بهم في المدارس أو قد يعيق العائلات من الانخراط الذي يعد أمراً شاقاً".
وتحدثت سلمى، وهي مقدّمة رعاية نازحة من شيخان تعيش الآن في العربشية، شرق الموصل، إلى لجنة الإنقاذ الدولية عن عمل أطفالها كجامعي نفايات، بالقول: "أشعر بالحزن والاكتئاب لأن أطفالي يختلفون الآن عن بقية الأطفال.. عندما أرى الأطفال الآخرين ذاهبين إلى المدرسة مرتدين ملابس نظيفةً ولائقة، أحزن للغاية".
وأضافت أن "على الأسرة اتخاذ قرار صعب بإرسال أطفالها للعمل من أجل زيادة الدخل المحدود للأسرة بدلاً من الذهاب إلى مدرستهم المحلية".
تخلف في التعليم
ويتعرض الأطفال المنخرطون في مجال العمل لخطر كبير جراء حرمانهم من فرص التعليم مما قد يؤثر بشكل كبير على تطورهم وحياتهم بشكل عام. كما أنهم يعانون اجتماعياً من وصمهم بالعار وانعزالهم، وهم أكثر عرضة للمشاكل المتعلقة بالسلامة والحماية بما في ذلك الإساءة والمضايقات.
أُجبر محمد على ترك المدرسة في سن التاسعة والآن، وهو في سن الرابعة عشرة، يعمل في جمع النفايات.. مخبراً لجنة الإنقاذ الدولية أنه "لم يذهب إلى المدرسة منذ خمس سنوات ولا يرغب في إعادة التسجيل".
وأضاف محمد والحزن يملأ تفاصيل وجهه: بسبب الوضع الاقتصادي والنزوح، لا أرغب في إعادة الالتحاق بالمدرسة؛ أريد إعالة أسرتي ولا يوجد أحد آخر ليقوم بمساعدتهم"، مردفاً بالقول: "لا أحب هذا العمل، ولكني بحاجة إليه".
أين القانون؟
والعراق من الدول الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل، وينص على التعليم الابتدائي الإلزامي لجميع الأطفال في دستوره.
وعلى الرغم من الحماية التي يوفرها القانون للأطفال العراقيين، إلا أن الواقع يختلف كثيراً بالنسبة للعديد من الأطفال في جميع أنحاء البلاد.
وبمناسبة يوم الطفل العالمي 2022، دعت لجنة الإنقاذ الدولية، الحكومة العراقية، إلى "زيادة ضمان تنفيذ قوانينها التي تحمي الأطفال من العمالة، وأن يتم التركيز بشكل خاص على تسجيل الأطفال الذين ظلوا بدون وثائق مدنية لأكثر من خمس سنوات، منذ نهاية النزاع.
وطالبت اللجنة، المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية والجهات المانحة، بـ"توسيع نطاق البرامج التي تستهدف وقف مشكلات تضرر الأطفال في العراق ومعالجتها بأنسب الطرق، بما في ذلك عمالة الأطفال، بشكل متزامن مع العمل مع الحكومة العراقية لمعالجة الأسباب الجذرية التي ما تزال تؤدي إلى ممارسات عمالة الأطفال الخطيرة".