شفق نيوز/ يسجل العراق أقل من خمس إصابات بالإيدز لكل مئة ألف نسمة، وهي أرقام قليلة، بحسب وزارة الصحة العراقية، لكن لا تزال البلاد ضمن مناطق التوطن المنخفض لمرض العوز المناعي وفق ما أكدته منظمة الصحة العالمية.
ويعتبر مرض الإيدز من الأمراض الخطرة والمنتشرة في عموم أنحاء العالم، لكن إلى الآن لم يتم التوصل لعلاج فعّال لإيقاف فيروس العوز المناعي البشري (HIV) المسبب للمرض.
وتعلن العديد من المحافظات العراقية بما فيها إقليم كوردستان بين فترة وأخرى عن تسجيل العديد من الإصابات بالإيدز، آخرها ما أعلنت عنه صحة بابل، يوم الجمعة 26 نيسان أبريل الجاري، بتسجيل 27 حالة بالمرض منذ بداية 2024، فيما تؤكد صحة النجف أن الفيروس لا تخلو منه أي محافظة عراقية.
بداية المرض
بحسب الجهات الصحية العراقية، فإن مرض "الإيدز" ظهر للمرة الأولى في البلاد عام 1986 نتيجة تسلم عدد من المواطنين المصابين بنزف الدم الوراثي للعامل الثامن المستورد من فرنسا، وكانت الوجبة المستوردة ملوّثة بهذا الفيروس وأصيب في حينها 286 شخصاً.
الحديث هنا يدور عن تعاقد وزارة الصحة العراقية في ثمانينيات القرن الماضي مع شركة "ماريو" الفرنسية لتوريد الدواءين فاكتر 8 وفاكتر 9، اللذان يعملان على تخثر الدم لمرضى الهيموفيليا.
وفي العام 1986 دخلت مجموعة من مرضى الهيموفيليا إلى مستشفيات بغداد لتلقي العلاج الفرنسي الذي استوردته وزارة الصحة من شركة ماريو المنتجة لهذه الأمصال، لكن سرعان ما تحوّلت إصاباتهم إلى مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز)، فبدؤوا يموتون الواحد تلو الآخر.
واتضح فيما بعد أن الشحنة التي أرسلتها الشركة الفرنسية كانت مُحمّلة بدم ملوّث بفيروس الإيدز، فسجل العراق في العام نفسه أول إصابة بهذا المرض، في وقت لم يكن يمتلك حينها أي برنامج خاص بعلاج هذا المرض، فتفشت العدوى بين المرضى الذين نقل إليهم الدم الملوّث.
وكانت نسبة الإصابات في عموم المحافظات العراقية لا تتجاوز 124 إصابة قبل 5 سنوات، بحسب إحصاءات رسمية، وكانت تلك الإصابات تحت السيطرة، غير أن تراجع الواقع الصحي في عموم البلاد أسهم بنحو متسارع بزيادة الإصابات بدرجة كبيرة.
الصحة تطمئن
من جهته، يؤكد المتحدث باسم وزارة الصحة العراقية، سيف البدر، أن "العراق يسجل أقل من خمس إصابات بالإيدز لكل مئة ألف وهي أرقام قليلة، لكن هذا لا يعني أننا نقلل من خطر الفيروس، بل نحرص على التعامل مع كل حالة مصابة بجدية لمعرفة سبب الإصابة وعلاجها".
ويوضح البدر خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، أن "ما يتداول بتسجيل أكثر من ألفي إصابة لهذا العام غير صحيح، بل هي مجموع 40 عاماً، وستعلن إحصائية عام 2024 في بداية العام المقبل 2025".
وطمأن البدر، أن "الأرقام المسجلة في العراق هي الأقل في العالم والمنطقة، لكن إيضاح الأرقام لا يعني الاستهانة بالإصابات المسجلة، لكنه مقارنة بالدول الأخرى، حيث أكدت منظمة الصحة العالمية أن العراق كان ولازال ضمن مناطق التوطن المنخفض لمرض العوز المناعي".
ويدعو المتحدث باسم وزارة الصحة المصابين الذين يعلمون إصابتهم بالمرض إلى "عدم التخوف ومراجعة مراكز الاختصاص الحكومية لغرض علاجهم والاستمرار بالحياة بشكل طبيعي، فلا يوجد أي حجر لهم أو أي تخوف من الناحية الأمنية، فالأمر طبيعي، وعلى المصابين بالإيدز التعاون مع الجهات الصحية لعلاجهم وحماية شركائهم من العدوى".
"لا أحد يعترف"
وكانت دائرة صحة بابل، أعلنت أمس الجمعة، أن عدد الإصابات المسجلة بمرض الإيدز هي 27 حالة منذ بداية عام 2024، فيما كشف مدير إعلام الدائرة، لؤي عبدالأمير، أن "أكثر هذه الإصابات جاءت - بحسب ادعاء المصابين - نتيجة السفر ومراجعة مراكز التجميل والأسنان في لبنان وغيرها، وقد تكون نتيجة اتصال جنسي أيضاً، لكن لا أحد يعترف بذلك".
ويضيف عبدالأمير خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، أن "الوضع ليس وباءً، ولا توجد حالات خطيرة أو في تزايد، كما أن العلاجات متوفرة في مستشفى الإمام الصادق التعليمي".
"لا تخلو محافظة منه"
بدوره، يشير مسؤول إعلام دائرة صحة النجف، ماهر العبودي، إلى أن "الإيدز لا تخلو محافظة منه، لكن لا استطيعُ إعطاء إحصائية رسمية إلا بعد التأكد من عدد المصابين المسجلين في دوائر صحة النجف".
ويضيف العبودي في حديث لوكالة شفق نيوز، "أما بخصوص ما تمت إثارته قبل 3 سنوات بانتقال هذا الفيروس عن طريق أكياس الدم، فإن المرض من الناحية العلمية والفسلجية لا ينتقل بهذه الطريقة، ولم يتم تسجيل أي حالة إصابة بهذا الشأن".
ويتابع، أن "قبل 3 سنوات كانت هناك مصابة بالثلاسيميا وأصيبت بالإيدز بعد تلقيها الدم في تركيا، حيث تبيّن أن المتبرع لها كان مصاب بالإيدز وجاءت العدوى منه، أما موضوع أكياس الدم فهذا غير موجود إطلاقاً في الحالات المسجلة بالمحافظة".
ويوضح العبودي، أن "في محافظة النجف تم افتتاح قبل نحو 6 أشهر مركزاً لعلاج العوز المناعي في مستشفى الأمل، وهو يحتوي على طبيب أخصائي ومختبر خاص وعيادة أسنان لمعالجة المرضى المصابين بالإيدز".
الإيدز يفتك بشباب ذي قار
وكان مصدر طبي مطلع بمحافظة ذي قار، كشف في 26 كانون الثاني 2024، أن "إصابات الإيدز الموثقة في سجلات دائرة صحة ذي قار تبلغ 200 إصابة غالبيتها لأشخاص أعمارهم دون الـ45 عاماً، أي ضمن فئة الشباب"، لافتاً إلى أن "هذا الرقم يضرب بـ10 للأشخاص غير المسجلين بشكل رسمي ما يعني وجود 2000 مصاب بمرض الإيدز يتجول في المحافظة دون أي علاج".
وقال المصدر الذي طلب عدم الإشارة إلى اسمه في حديث لوكالة شفق نيوز، أن "غالبية الإصابات كانت لأشخاص زاروا جمهورية أذربيجان في وقت سابق، حيث تعتبر هذه الدولة مصدراً للمرض"، موضحاً أن "ذي قار كانت لديها إصابتين فقط مسجلات بشكل رسمي قبل 15 عاماً، إلا أن الانفتاح على بقية الدول والسفر أدى لهذا الارتفاع المرعب بأعداد المصابين بهذا المرض الخطير".
الإيدز في إقليم كوردستان
أما في كوردستان، فقد أعلنت وزارة الصحة في حكومة الإقليم، مطلع كانون الأول الماضي، عن تسجيل 72 حالة إصابة جديدة بالإيدز أغلبهم من الأجانب خلال عام 2023.
وقالت الوزارة في بيان نشرته بمناسبة اليوم العالمي لمرض الإيدز ورد لوكالة شفق نيوز؛ إن "الجهات المعنية في الإقليم وضمن برنامج السيطرة، لعام 2023 قامت بإجراء 598 ألف فحص لفيروس HIV خاصة للأجانب قبل منحهم الإقامة وقبل التبرع بالدم والزواج والعاملين في الأماكن السياحية إضافة إلى الموقوفين والمساجين والمصابين بمرض الثلاسيميا والتهاب الكبد الوبائي".
وأضاف البيان، أن "الوزارة سجلت 72 حالة إصابة جديدة بمرض الإيدز خلال العام الماضي، حيث أن العدد الأكبر منهم مواطنون أجانب"، مشيرة إلى "اتخاذ الإجراءات بحقهم وإعادتهم إلى بلدانهم".
الوقاية من الفيروس
وللوقاية من هذا الفيروس، يقول أخصائي الأمراض الانتقالية والوبائية، الدكتور حيدر علي حنتوش، إن "الإيدز ينتقل من الأم إلى المولود عن طريق المشيمة في الرحم أثناء الحمل ويسمى هذا (الانتقال العمودي)، وقد ينتقل عن طريق الاتصال الجنسي، ومن الدم سواء من خلال تدخلات جراحية أو عند استقبال الدم من مصاب، فضلاً عن محلات التاتو والأوشام".
ويوضح حنتوش خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، أن "أكثر الأعمار المعرّضة للإصابة بمرض الإيدز هي من 25 إلى 40 عاماً، ويتميز الفيروس بفترة حضانته الطويلة جداً التي تصل إلى 10 سنوات، فلا يعلم الشخص بإصابته في البداية إلا بعد ضُعف جهازه المناعي، إذ إن الفيروس يستهدف الجهاز المناعي للجسم (الخلايا الدفاعية) وعندها يكون الشخص معرضاً للوفاة عند الإصابة بأي التهاب ومرض، حتى الإنفلونزا قد تكون قاتلة له".
وكانت الأمم المتحدة أعلنت في عام 2015 للمرة الأولى، أن هدفها إنهاء التهديد الذي يشكله الإيدز على الصحة العامة بحلول عام 2030.
ويبلغ عدد المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية، وهو الفيروس الذي يسبب مرض الإيدز، 39 مليوناً في كل أنحاء العالم. ومن بين هؤلاء 20.8 مليون في شرق أفريقيا وجنوبها، و6.5 مليون في منطقتي آسيا والمحيط الهادي. ولكن من بين هؤلاء الـ39 مليوناً، لا يستطيع 9.2 مليون الحصول على العلاجات الضرورية مع أن فاعليتها ثبتت.