شفق نيوز/ "الانتصار التاريخي" الذي اعلن عنه الجمهوري دونالد ترامب، ترتسم ملامحه الآن، ليس فقط من خلال مواقفه بعد تأكيد فوزه انتخابيا على الديمقراطية كامالا هاريس، وإنما من خلال مسيرته الرئاسية بين عامي 2017 و2021، والتي اتسمت بالشعبوية، وبشعار "امريكا اولا" وبـ "انعزالية" أكبر على الساحة الدولية.

ورغم أنه لغاية الآن لم تظهر النتائج النهائية لصناديق الاقتراع الامريكية رسميا وكاملة، لكن النتائج تظهر انتصارا كاسحا لهذا الرجل الذي أصبح أول مرشح رئاسي مدان بجنح قانونية يفوز بمنصب الرئاسة الامريكية، وهي جرائم لم تعرقل حظوظه في السير إلى البيت الابيض مجددا، كما أبرزت المخاوف لأول مرة منذ سنوات طويلة، من وقوع فوضى أهلية واضرابات، بعدما نجح خطابه الشعبوي في تصوير نفسه كضحية للنظام و"الدولة العميقة" وبأن الفوز سُرق منه في انتخابات العام 2020.

ملامح "شعبوية" ترامب تجلت في تصريحات الاولى بعدما تبين لها الفوز الجديد الان ليصبح الرئيس الـ47 للولايات المتحدة: "صنعنا التاريخ؛ وهذا نصر غير مسبوق؛ سوف نصحح وضع حدودنا؛ سنغلق الحدود امام المجرمين؛ هذا فوز لم ير بلدنا مثيلا له من قبل؛ فوزنا يدل على محبة الشعب؛ سأجعل أمريكا عظيمة مجددا؛ سأؤمن فرص العمل وأصلح اقتصاد البلد؛ الله أنقذني لينقذ البلد".

سأنهي الحروب

عبارتان يمكن أن تختصرا الكثير من ملامح المرحلة المقبلة بعدما يتسلم ترامب منصبه رسميا في كانون الثاني/يناير المقبل: "لن أبدأ الحروب بل سأنهيها، واعلان الجمهوريين في مجلس النواب انهم على استعداد للتحرك وفق أجندة "أمريكا اولا".

لطالما استغل ترامب حرب أوكرانيا و"حرب غزة" التي صارت نيرانها اقليمية، ليفتح النار على خصومه الديمقراطيين ويقضم من شعبيتهم. في الاولى فتح جو بايدن خزائن الأموال ومخازن الاسلحة الامريكية لاوكرانيا بعشرات مليارات الدولارات على حساب اقتصاد المواطن الامريكي ورفاهيته وبناه التحتية ورعايته الصحية، ما أثار الكثير من النقاش والاستياء بين الناخبين خلال العامين الماضيين.

كما ان حرب غزة التي مولها بايدن بنسبة 70% بحسب التقديرات الغربية، وتغطية "جرائم الابادة" بحسب المنظمات والخبراء الدوليين، التي ارتكبتها اسرائيل في ردها المدمر على هجوم حركة حماس عليها قبل نحو 13 شهرا، ساهمت في شرذمة صفوف الحزب الديمقراطي والانقسامات بين تيار القيادة التقليدي في الحزب، وبين جيل الشباب الصاعد الذين يمثلون عادة احدى القوى الاساسية التي تعتمد عليها شعبية الحزب الديمقراطي انتخابيا.

مقتنصا هذه الفرصة، قالها ترامب مرارا: لو كنت رئيسا لما جرت هذه الحروب؛ ولو كنت رئيسا لم تكن حماس لتهاجم اسرائيل؛ ولو كنت رئيسا لانهيت حرب اوكرانيا خلال ايام؛ ولو كنت رئيسا لما تجرأت إيران على مهاجمة اسرائيل؛ وعندما أصبح رئيسا ساوقف حرب غزة خلال ايام..

ويبدو ان الرسالة وصلت. سقوط كامالا هاريس كان مدويا. هناك شرائح ناخبة متعددة الاتجاهات صوتت "عقابا" للديمقراطيين لا محبة بترامب بالضرورة. على سبيل المثال، في ولاية ميشيغان، حيث هناك جالية عربية شرق اوسطية كبيرة، مستاءة من حرب اسرائيل على غزة ولبنان، ومن موقف ادارة بايدن-هاريس الداعم لها، كانت منحت الديمقراطيين في انتخابات 2020، أكثر من 74% من الأصوات، لكنها بحسب الارقام المتوفرة حتى الان، لم تمنح هاريس سوى نحو 28 % من الأصوات، مقابل 47% لترامب الذي كان نال في العام 2020 فيها 24% فقط.

هذا نموذج ومؤشر على حجم الخسارة الفادحة التي سار اليها الحزب الديمقراطي بقديمه، ناهيك عن الظهور المتخبط والمعيب الذي كان يظهر فيها بايدن أمام الناس وفي المؤتمرات الصحفية واللقاءات والقمم الدولية، وظلت "الدولة العميقة" داخل أميركا، محتفظة به كدمية مسيرة، في مكابرة قادت الى المزيد من التدهور في صورة الحزب الديمقراطي، وفي تنامي رصيد "شعبوية" ترامب.

شعبوية ترامب

ويقول محللون ان "شعبوية ترامب ليست منفصلة عن ظاهرة الزعماء الشعبويين الصاعدين في أنحاء العالم في السنوات الاخيرة، وهي تلقى اذانا صاغية لدى الشعوب وقطاعات اجتماعية واسعة، ناقمة على النخب السياسية الحاكمة تقليديا، ومتضررة من السياسات النيوليبرالية التي تحكم غالبية العالم، والتي تبشر بعودة السلطة الى الشعب او من يمثله اكثر من غيره، مثل ترامب الذي امتاز بتقديم خطاب شعبوي يدغدغ هواجس الناس ورؤيتهم ورفضهم للامر الواقع سواء على صعيد العمل السياسي او السياسات الاقتصادية، ويثير شكوكا في مؤسسات الدولة ومصداقيتها".

وبهذا المعنى، كما يقول خبراء، فان ترامب هو بمثابة "الزعيم المخلص" الذي اتت به الاقدار والله وارادة الشعب، للتصدي "للنخبة الفاسدة". لكن ترامب ليس وحده في هذه الظاهرة العالمية التي قد يمثلها اشخاص من اليمين او اليسار، هناك ايضا زعيمة اليمين الفرنسي مارين لوبين، والزعيم اليساري الفرنسي جون لوك ميلونشون، وفيكتور اوربان في المجر، وحزب "ديمقراطيو السويد" النازي الأفكار، ورئيسة الوزراء الايطالية جورجيا ميلوني، وحزب فوكس الاسباني وغيرهم.

وبهذا المعنى، فان فوز ترامب قد يكون له تداعيات كبيرة خصوصا في حال استمر في تطبيق شعار "امريكا اولا" الذي قاده في ولايته الرئاسية السابقة الى الخروج والتنصل من العديد من الاتفاقيات والمنظمات الدولية، بما فيها التلويح بل ومحاولة تقليص دور واشنطن في دعم وتمويل حلف "الناتو"، ما أثار موجة من القلق والتخبط والترقب على مستوى العالم، لما يعنيه ذلك من أثر على الصراعات والتوازنات الدولية.

ولهذا، ليس صدفة ان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي اعتمد على الدعم المطلق من ادارة بايدن-هاريس، كان من أوائل المهنئين لترامب. لكن اسرائيل تراهن على ان تغيير الادارة الامريكية لن يؤثر عليها، حيث قالت وزارة الدفاع الاسرائيلي انها ستعمل مع ترامب على "تعزيز التحالف بين بلدينا واستعادة الرهائن وهزيمة محور الشر الإيراني".

وبالمثل، سارع الرئيس الاوكراني فولوديمير زيلينسكي، المعتمد بالكامل على الدعم الامريكي العسكري والمالي لتمويل الحرب التي تورطت فيها بلاده بتحريض من الغرب، مع روسيا، الى القول "أقدر التزام الرئيس ترامب بنهج تحقيق السلام باستخدام القوة في الشؤون العالمية". وبطبيعة الحال، فان موسكو لا تتقاسم هذا التقييم مع اوكرانيا، بل انها تراهن وكما المح ترامب نفسه مرارا خلال الشهور الماضية، بانه قادر على طرح "صفقة" توقف الحرب الاوكرانية سريعا، وذلك بالنظر الى علاقته الجيدة نسبيا، والمحرجة له سياسيا، مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وليست صدفة ايضا ان ايران التي عانت الامرين من سياسة ترامب عندما كان رئيسا (اغتيال قاسم سليماني، والانسحاب من اتفاقية العمل حول البرنامج النووي الايراني، وحملة العقوبات الاقصى التي طبقها ضد طهران)، كانت من اوائل المعلقين لتهدئة المخاوف، حيث قال المتحدث باسم حكومتها فان فوز ترامب لن يؤثر على حياة الإيرانيين.

وإذا صدقت تصريحات ترامب فيما قبل الانتخابات، مع ما يمكن ان يقوم به فيما بعد الانتخابات، خصوصا فيما يتعلق بانهاء الحروب وتقليص الدور العسكري الامريكي خارجيا، للتركيز على التحديات الامنية الداخلية وتأمين الحدود من "المهاجرين المجرمين" كما يصفهم، فان الترجيحات هي انه قد يمضي قدما في تطبيق الاتفاق الذي تم التوصل اليه بين حكومة محمد شياع السوداني وادارة بايدن حول خطة جدولة انهاء مهمة التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والمفترض ان يقود الى خروج القوات الامريكية من العراق، او على الاقل الى انسحاب غالبية هذه القوات.

ومن غير الواضح ما إذا كانت رؤية ترامب قد تبدلت فيما يتعلق بوجود القوات الامريكية في سوريا، وهو جود كان قال مرارا انه لا يرى جدوى له، وحاول بالفعل اخراج الجنود الأمريكيين من الشرق السوري، ما اثار وقتها الكثير من الضجة بين صناع القرار في واشنطن حيث وصف بضعهم تلك الخطوة بأنها بمثابة طعنة في الظهر للشركاء الكورد الذي حاربوا الى جانب واشنطن ضد داعش.

وفي اطار تصريحات ترامب خلال حملاته الانتخابية، فإنه من المرجح أن يلجأ الى تنشيط دبلوماسيته الخارجية للترويج لـ "الاتفاقات الابراهيمية" التي انضمت اليها ووقعت عليها اسرائيل مع كل من الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، وكادت على وشك ان تدخلها السعودية التي عادت لتقول الان، انه لا تطبيع مع اسرائيل، قبل وقف الحرب وتحقيق خيار الدولة الفلسطينية.