شفق نيوز/ استعرض معهد "المجلس الأطلسي" الأمريكي، التحديات الهائلة التي يواجهها قطاع التعليم في العراق فبعدما كان - مهد التعليم في العصور القديمة - أصبح نظام التعليم الآن يمر "مرحلة حرجة"، مؤكدا أن تعليم العراقيين يجب أن يكون أكثر من مجرد أولوية سياسية، ليصبح طريقا يقود العراق نحو السلام والازدهار.

وبحسب تقرير للمعهد، ترجمته وكالة شفق نيوز، رغم العراقيل، إلا انه كانت هناك جيوب من التقدم، وخاصة في إقليم كوردستان الذي بدأ يرسم مساره للإصلاح التعليمي.

وذكر التقرير الامريكي ان العراق برغم تقاليده الغنية باعتباره مهد التعليم الذي يعود تاريخه الى بلاد ما بين النهرين القديمة، وعندما كان صاحب نظام تعليمي ريادي في الشرق الأوسط بحلول منتصف القرن العشرين، إلا أن المشهد التعليمي في العراق يعيش تحديات كبيرة.

 وتناول التقرير تلك التحديات التي ألحقت أضراراً كبيرة بالبنية التحتية للقطاع التعليمي وتمويله ما تسبب بتراجع جودة التعليم، من بينها الحرب الإيرانية العراقية، ثم حرب الخليج العام 1991، ثم العقوبات الدولية، ثم الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003.

لكن التقرير، لفت إلى أن الغزو أدى إلى سقوط الدكتاتور صدام حسين، وكان ذلك بمثابة فرصة لاعادة بناء النظام التعليمي في العراق، مضيفا انه في حين بذلت جهود اولية لتفعيل قطاع المدارس والجامعات، الا ان العنف المتواصل وعدم الاستقرار السياسي، عرقلا امكانية تحقيق تقدم مستدام، بينما تسبب الفساد والصراع الطائفي وغياب سياسات التعليم المترابطة، الى تفاقم التحديات.

وبالاضافة الى ذلك، نوه تقرير معهد "المجلس الأطلسي" الأمريكي، إلى أن صعود تنظيم داعش تسبب بتعطيل النظام التعليمي بشكل كبير في المناطق التي خضعت لسيطرته.

الآن، وفي ظل وجود 60% من العراقيين تحت سن ال25، فإن "نظام التعليم في البلد يمر بمرحلة حرجة"، موضحا ان الشباب يمثلون فرصة كبيرة وتحديا هائلا في الوقت نفسه، حيث يشكل ارتفاع معدلات البطالة وعدم كفاية المرافق التعليمية تهديدا بتقويض امكانات الشباب الذين يساهمون في جهود اعادة اعمار البلد. 

 ولفت التقرير الى ان 22% فقط من خريجي الجامعات، يجدون وظائف في مجال تخصصهم الدراسي في غضون ثلاثة اشهر من التخرج، وهو ما يسلط الضوء على الحاجة الملحة لوجود نظام تعليمي يلبي احتياجات السوق. 

ونقل التقرير الأمريكي، عن البنك الدولي إشارته الى وجود مليوني طفل عراقي محرومون من التعليم، وهو ما يمثل تحديا كبيرا لمستقبلهم، وإلى جانب ذلك، فإن معدلات معرفة القراءة والكتابة منخفضة بشكل مثير للقلق، وخصوصا بين النساء.

التعليم بإقليم كوردستان 

وبحسب التقرير فقد ادرك اقليم كوردستان الحاجة الملحة لمعالجة هذه القضايا، مشيرا الى ان مجلس الوزراء طرح رؤية 2030، التي تعطي الاولوية لتعزيز التعليم وتكييفه لدعم التنويع الاقتصادي. 

وأوضح التقرير ان اطار العمل هذا يستهدف تحقيق المواءمة للنظام التعليمي في كوردستان مع المعايير الدولية، بالاضافة الى تعزيز قوة عاملة بإمكانها دفع النمو الاقتصادي عبر القطاعات.

ولفت التقرير الى ان احد العناصر الاساسية لهذه الرؤية هو انشاء جمعية كوردستان لاعتماد التعليم KAAE))التي تعتبر بمثابة هيئة وطنية هدفها سد الفجوة التعليمية ودفع الاقليم الى القرن ال21.

وأشار التقرير إلى أن الجمعية تعمل من أجل ضمان الجودة التعليمية وتعزيز الشفافية والمساءلة والتطوير المستمر، من خلال مدة عمل بين 12 و15 عاما، بالاضافة الى دعم الحكومة في اعداد سياسات سليمة لجودة التعليم، مضيفا ان المبادرة حاسمة من اجل تطوير نظام التعليم في كوردستان وتمكينه من ان يواكب التطورات العالمية، كما هو الحال بالنسبة للعراق والمنطقة الاوسع عند استخدامها كنموذج.

الاتفاقية الإطارية

الى ذلك، اشار التقرير الى وجود اتفاقية اطارية بين الولايات المتحدة والعراق تحدد التعليم باعتباره حجر الزاوية في العلاقات الثنائية وكجزء من التعاون الثقافي الاوسع بين الطرفين، مضيفا ان الوقت قد حان الان من اجل ترجمة هذا الاتفاق الى عمل. 

واعتبر التقرير ان شراكة كهذه بين البلدين، قد يكون لها اصداء بعيدة المدى تتخطى التعليم، وتعزز التنمية الاقتصادية، والاستقرار السياسي، والتماسك الاجتماعي. 

وبينما لفت التقرير الى ان الولايات المتحدة استثمرت بشكل كبير في اعادة اعمار العراق، قال انه تم تخصيص هذه الاموال بشكل غير متناسب لقطاع الامن، بحيث انفقت نحو تريليوني دولار على العمليات العسكرية في العراق، مضيفا انه لو ان جزءا من هذه الاموال، بنسبة 1% فقط، كان سيكون له تاثير تحويلي اذا تم انفاقه على التعليم. 

ورأى أن الاستثمار في نظام التعليم في العراق يمثل فرصة فريدة للولايات المتحدة، ليس فقط لكي تقدم الدعم لحليف رئيسي، الا انه يساعد ايضا في معالجة الاسباب الجذرية لعدم الاستقرار في المنطقة، مضيفا انه بإمكان واشنطن المساعدة في بناء الأساس لعراق مستقر ومزدهر من خلال توجيه الموارد نحو اصلاح التعليم. 

واعتبر التقرير، أن استثمارا كهذا سيؤدي إلى تعزيز الدبلوماسية العامة الاميركية وقيم الديمقراطية وحقوق الانسان، التي تشكل جزءا لا يتجزا من السلام والامن على المدى الطويل، بما في ذلك من خلال اقامة شراكات بين المدارس والجامعات الامريكية ونظيراتها العراقية، وذلك من اجل تطبيق معايير الجودة كالتي وضعتها جمعية كوردستان لاعتماد التعليم ( KAAE)، مضيفا ان هذه الهيئة يمكن ان تكون بمثابة نموذج تجريبي للعراق ككل. 

وفي هذا الاطار، لفت التقرير الى ان دولا مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية تقدم دروسا مهمة في الكيفية التي يمكن بها للتعليم ان يدفع التنمية الوطنية، حيث نجح البلدان في تحويل اقتصادهما من خلال استثمارات كبيرة في التعليم، مع التركيز على تنمية المهارات والابتكار، اذ فيما ركزت تركيز كوريا الجنوبية على التكنولوجيا والتدريب المهني، فان سنغافورة ركزت على العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. 

 

التعليم والسلام

في هذا الصدد، رأى التقرير، أن تعزيز التعليم في العراق لا يقتصر فقط تحقيق النمو الاقتصادي، ويعتبر ايضا عنصرا حاسما في بناء السلام، حيث يساهم في تعزيز التفاهم والتسامح والتفكير النقدي، وهي امور ضرورية لتخفيف الصراع وتعزيز التماسك الاجتماعي، موضحاً ان السكان المتعلمين بشكل جيد مجهزون بشكل افضل للانخراط في العمليات الديمقراطية والمساهمة في تنمية البلد. 

وخلص التقرير إلى أن التعليم أكثر من مجرد أولوية سياسية بالنسبة إلى العراق، فهو طريق إلى السلام والازدهار، وبإمكان الولايات المتحدة أن تؤدي دوراً حاسماً في تحقيق ذلك.

وختم التقرير، بالإشارة إلى إمكانية الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، اغتنام هذه الفرصة لإظهار التزامهما بعراق مستقر ومزدهر، وتعزيز منطقة حيث يعمل التعليم على تمكين الشباب كعوامل من أجل التغيير الإيجابي.