شفق نيوز/ تتباين أرقام انتشار ظاهرة الابتزاز الإلكتروني في العراق، ومع التفاؤل الحكومي والبرلماني بقلة نسب هذا الابتزاز، "يشكك" مختصون بالنسب "المعلنة" مقابل "المخفية" التي تظهر على شكل حالات طلاق وانتحار وعنف أسري، في حين تبرز الى السطح مفاهيم أخرى لهذه الظاهرة منها "ابتزاز الأزواج" وظاهرة "الهكر الصالح".
ويعد الابتزاز الالكتروني أحد الجرائم الالكترونية التي ترتكب بوسائل إلكترونية، للحصول على مكسب مادي أو معنوي من الضحية عبر اتباع المبتز طرقاً وأساليب في الترهيب والتهديد بنشر معلومات خاصة تمس حياة الضحية ويكون في الأغلب عبر مواقع التواصل الاجتماعي".
وبحسب معنيين فإن انتشار ظاهرة الابتزاز الإلكتروني جاء "نتيجة الانتشار الواسع لاستخدام التكنولوجيا والفضاء الإلكتروني، وتوسع الإجرام الإلكتروني".
حالات ابتزاز
وتقع الكثير من الفتيات والشباب يومياً ضحية الابتزاز الالكتروني، إذ يكشف الشاب إبراهيم، (اسم مستعار لضرورات اجتماعية)، وهو خريج جامعي، في حديث لوكالة شفق نيوز عن تجربته مع الابتزاز الإلكتروني، إذ يبين انه "تعرض للابتزاز من قبل امرأة تونسية حاولت التواصل معه كطبيبة في احدى المستشفيات وكانت علاقتهما في البداية ودية، لكنه اكتشف بعد مدة من المحادثة انها سرقت صورا له وقامت (بتهكير) صور أسرته كما اكتشف أن هذه الشخصية لرجل فاجأه بطلب مبلغ (1000 دولار) من أجل مسح الصور والفيديوهات التي لديه".
ويين إبراهيم (26 سنة) أنه "عاش أوقاتاً صعبة بعد أن هدده المبتز بنشر هذه الصور إن لم يدفع المبلغ المطلوب منه لكنه اتخذ قراراً بالامتناع عن دفع ومواجهة الأمر بالرفض المطلق لرغبات المبتز".
كما تكشف الشابة رغد (اسم مستعار)، في حديث سابق لوكالة شفق نيوز، عن كيفية تعرضها للابتزاز الإلكتروني بعد وقوعها في علاقة غرامية عبر الواقع الافتراضي مع شاب تعرفت عليه على مواقع التواصل الاجتماعي وتعهده بالزواج منها، حيث تقول إن "الشاب بدأ يساومني بمبالغ مالية مقابل عدم نشر صور لي ارسلتها له سابقا".
وتضيف رغد (23 عاما) التي فضلت عدم الكشف عن هويتها الحقيقية لدوافع اجتماعية، لوكالة شفق نيوز، "بعد تهديد الشاب لي لجأت إلى عائلتي وتفهمت الموقف، وخاصة والدتي التي تحدثت بدورها مع المبتز وطالبته بمسح الصور وتهديده باللجوء إلى الشرطة بخلاف ذلك، ما اضطره إلى التراجع ومسح الصور".
وتنبه رغد، ان "ما ساعد على تقليص الضرر في حالتي هو أن الصور التي بعثتها لم تكن فاضحة، بل صور لي في الجامعة"، موجهة رسالة لاقرانها الفتيات بضرورة "الابتعاد عن التعارف الإلكتروني وعدم إرسال صورهن لأي أحد".
وتعد جريمة الابتزاز الإلكتروني من ضمن أبرز الجرائم الالكترونية التي باتت تؤرق العائلة العراقية في الوقت الراهن، وتستهدف تلك الجرائم النساء بالدرجة الأساس بنسبة 70%، والذكور بنسبة 30%، بحسب وزارة الداخلية العراقية.
وتتراوح أعمار الفئات الأكثر عرضة لهذه الجريمة ما بين 15 إلى 35 عاما، وبينما نبهت وزارة الداخلية على "الحصانة الأمثل" من عمليات الابتزاز، أكدت العمل على مسارين للقضاء على هذه الظاهرة.
بين 3 - 10%
ويكشف معنيون أن "الإحصائيات المعلنة بشأن حوادث الابتزاز الإلكتروني قد تكون أقل بكثير من خفايا الأرقام الحقيقية، إذ أن أغلب الضحايا يفضل السكوت وتلبية حاجة المبتز خشية الفضيحة، وهو ما يتبين عبر ارتفاع معدلات الطلاق، و نسب الانتحار، ومستويات العنف الأسري".
ويقول المتحدث باسم وزارة الداخلية مقداد مير الموسوي في تصريحات سابقة، في 5 آذار 2024، أن "نسب حالات جرائم الابتزاز الإلكتروني انخفضت لنحو 3% عما كانت عليه في السابق، بفضل تمكن الاجهزة الامنية من كشف هذه الحالات والتوصل الى الجناة بأقرب وقت".
ويضيف أن "هذا الانخفاض يعكس الجهود المبذولة من قبل الأجهزة الأمنية لمكافحة هذا النوع من الجرائم التي تستهدف المواطنين وتهدد خصوصيتهم وأمنهم الرقمي".
ويبدو أن الجانب البرلماني أكثر تفاؤلاً بشأن موضوع الابتزاز الالكتروني، إذ كشف عضو لجنة الامن النيابية النائب وعد القدو، في 25 أيلول 2023، أن "الابتزاز الإلكتروني تقلص بنسبة 10% في العراق قياساً بالأعوام السابقة"، مبينا أن "زيادة الوعي وبروز دور منظمات المجتمع المدني وتشكيلات وزارة الداخلية في بيان طرق حماية الحسابات وآليات التواصل مع الفرق الامنية في الابلاغ عن أي ابتزاز كانت عوامل مؤثرة في ردع المبتزين وايقاع الكثير منهم في قبضة العدالة".
وبلغة الأرقام أيضاً، فقد أعلن مدير دائرة العلاقات والإعلام في وزارة الداخلية اللواء خالد المحنا، في 20 كانون الثاني 2024، "تقديم مفارز الشرطة المجتمعية دعماً نفسياً ومعنوياً لـ (9384) ضحية من ضحايا الابتزاز الإلكتروني والعنف الأسري والهروب".
وتراوحت الإحصائية بين تقديم الرعاية والدعم المجتمعي لـ (1455) ضحية من ضحايا الابتزاز الإلكتروني و(7362) ضحية عنف أسري، و (567) هارباً وهاربة تم ارجاعهم لذويهم خلال عام 2023"، حسبما أشار المحنا.
وبحسب الشرطة المجتمعية، تتم عمليات الابتزاز عبر طريقتين، الأولى بناء ثقة مفرطة من قبل الضحية مع الشخص المبتز الذي يبدأ الابتزاز ما إن يحصل على صور خاصة أو معلومات شخصية معينة، فيما الطريقة الثانية، فهي الاختراق الإلكتروني بسبب جهل الكثير اشتراطات الأمان اللازمة وحماية هواتفهم وأجهزتهم الإلكترونية.
عقوبة جرائم الابتزاز الإلكتروني
وضعت عدة دول عربية في قوانينها عقوبات للتعامل مع الابتزاز الإلكتروني كالجزائر التي وضعت عقوبة قاسية للتهديد بالصور علاوة على عقوبة الابتزاز الإلكتروني بها، ودول أخرى مثل مصر وتونس والمغرب، وتتمثل عقوبة الابتزاز في قانون العقوبات العراقي في عدة مواد، وتنطبق على الابتزاز الإلكتروني مثل هذه العقوبات تماماً.
وبهذا الصدد يقول مدير دائرة العلاقات والإعلام في وزارة الداخلية اللواء خالد المحنا، في 8 أيلول 2023، أنه "لا وجود لقانون صريح يتعامل مع الجرائم الإلكترونية، وتحديدا الابتزاز الإلكتروني في العراق لكن رغم ذلك فإن أجهزة الشرطة تتعامل مع موضوع الابتزاز وفق مواد قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969".
ووفقًا للقانون العراقي، تنقسم الجرائم الإلكترونية إلى عدة أجزاء، بما في ذلك جرائم التهديد والابتزاز، في المواد ما بين 430 -432 من قانون العقوبات. والعقوبة على هذه الجرائم، حسب شدة الجريمة، هي السجن من سنة إلى سبع سنوات.
وتنص المادة رقم (430) من قانون العقوبات العراقي على "كل من هدد شخصاً بارتكاب جناية في حقه أو حق أحد من أفراد أسرته أو أذيته أو فضيحته بأمور مخلة بالشرف، وكان ذلك مقابل أن ينفذ المجني عليه شيئاً له، أو يجبره على الامتناع من فعل شيء، يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على 7 سنوات أو بالحبس".
ويعاقب أيضًا بالعقوبة نفسها من أرسل التهديد ولم يظهر عليه اسمه (هذا أكثر انتشارًا في الابتزاز الإلكتروني) أو كان منسوبًا إلى جماعة ما (يسجن 7 سنوات أو يحبس).
كما نصت المادة رقم (431) على "كل من هدد شخصًا بارتكاب جريمة في حقه (مثل القتل، السرقة، جريمة خطف، أو اغتصاب، أو تشهير، أو قذف) ضده أو ضد أحد من أفراد أسرته بغير الحالات المذكورة في المادة 430 يعاقب بالحبس".
والمادة (432) نصت على "كل من هدد شخصًا عن طريق القول أو الفعل أو الإشارة أو أرسل له من يهدده في حالات مختلفة عن الظروف المبينة في المادتين 430 و431 يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة، ويدفع غرامة قدرها لا يزيد على 100 دينار". ونص هذه المادة أقرب إلى جرائم الابتزاز الإلكتروني التي عادة ما تتم كتابة أو تسجيل صوتي بين الشخصين.
ابتزاز الأزواج
وانتشرت خلال السنوات الأخيرة في العراق حالات غير تقليدية للابتزاز والتشهير انتقاما من الزوجات إذا قررن الانفصال أو بهدف كسب مبالغ مالية كبيرة، ما رفع الأصوات المطالبة بتشريع قوانين أكثر صرامة تُفصّل الابتزاز وعقوبته بما يناسب حجم الجريمة، لوقف هذه الظاهرة.
إذ أفادت الشرطة المجتمعية، في دائرة العلاقات والإعلام بوزارة الداخلية، في وقت سابق، بإيقاف ثلاث حالات ابتزاز إلكتروني من بينها ابتزاز زوج زوجته، في محافظة بغداد، نتيجة مشاكل أسرية بينهما، مهددا بنشر أسرارهما الزوجية، وتمت إحالة قضيتهما إلى مديرية حماية الأسرة والطفل في الوزارة، كما تم منع الزوج من نشر أي محتوى يسيء لسمعة زوجته وحياتهما الأسرية وبخلافه سيعرض نفسه للمساءلة القانونية".
"هكر صالح"
وبرز مع انتشار ظاهرة الابتزاز الإلكتروني مفهوم "الهكر الصالح"، وهو، بحسب إبراهيم (أحد ضحايا الابتزاز الإلكتروني)، "شخصية إيجابية لديها تقنيات التهكير لكن تستخدمها في منفعة الناس وقد يكون صديقا أو أحد المعارف ويتم اللجوء إليه لتهكير صفحة المبتز وإلغاء ما تتضمنه من صور ومقاطع تخص الضحية".
وعن اسباب الاستعانة بالمخترق الصديق، يوضح إبراهيم أن "الابلاغ وتقديم دعوى، من بعض الفتيات وحتى الشباب، يُنظر اليها بانها جزء من (الفضيحة) خاصة للفتيات اللاتي يخشين أن يسبب لهن المبتز بفضائح، كما ان الأمور".
لكن إبراهيم وهو ضحية الابتزاز الالكتروني، لا يخفي في حديثه مع وكالة شفق نيوز "تخوفه من تكرار الأمر ذاته مع الهكر الصديق وتحول الأخير الى مبتز أيضاً.
وبهذا الصدد وثقت وكالة شفق نيوز صفحة على موقع غوغل تحت مسمى "استشارات قانونية مجاناً" تؤدي تقريبا الدور ذاته "للهكر الصديق" وتوضح الصفحة الالكترونية إن "هناك الكثير من الشباب العراقي، يتعرضون الى ابتزاز إلكتروني من المغرب، يمكن لنا المساعدة في حل تلك الأمور، وتقديم خدمات الدعم الفوري، الخدمات القانونية، بالتعاون مع أمهر التقنيين دوليا"، مبينة انه "يمكنكم التواصل معنا،كوننا الجهة الوحيدة المرخصة في أكثر من 22 دولة حول العالم"، ولم يتسن لوكالة شفق نيوز، التحقق من صحة المعلومات الواردة في الصفحة.