شفق نيوز/ تُعدّ كركوك نقطة التقاء التنوع القومي والطائفي في العراق، مما يجعل أي إجراء يتعلق بالمدينة محفوفًا بالتحديات، ومع بدء التعداد السكاني الذي يُعد الأول من نوعه منذ سنوات، تصاعدت المخاوف والجدل حول تأثير هذه الخطوة على التوازن الديموغرافي والسلم الأهلي في المدينة، وبينما يراه البعض فرصة حيوية لتوفير بيانات تخدم التنمية الاقتصادية، يعبر آخرون عن مخاوف من إمكانية استغلاله لتغيير الواقع السكاني وإثارة خلافات جديدة في مدينة لا تزال تتعافى من صراعاتها السابقة.

حظر حذر

وتشهد كركوك هدوءًا نسبيًا صباح اليوم، مع تطبيق إجراءات الحظر الذي فُرض بهدف تسهيل إجراء التعداد السكاني، بحسب المقدم عامر نوري، المتحدث باسم شرطة كركوك.

وقال لوكالة شفق نيوز، إن الحظر الشامل يستمر حتى منتصف ليلة الجمعة، ويتضمن قيودًا صارمة تمنع حركة السيارات وتغلق السيطرات الخارجية، وأن الهدف منه هو ضمان استقرار الأوضاع وتسهيل عمل فرق التعداد.

دعوات لإيقاف التعداد

ودعا التحالف العربي في كركوك رئيس مجلس الوزراء والجهات المشرفة على عملية التعداد العام للسكان الى ايقاف اجراءات التعداد السكاني في كركوك بـ"شكل فوري".

وقال التحالف العربي في بيان ورد لوكالة شفق نيوز، إن "مدينة كركوك شديدة الحساسية، وأن أي تلاعب بواقعها السكاني بطرق غير قانونية قد يؤدي إلى مشاكل كبيرة تهدد استقرار المدينة".

من جانبها قالت الجبهة التركمانية العراقية، إنها أشّرت "خروقات واضحة" بعملية التعداد السكاني في محافظة كركوك.

وذكر بيان للجبهة ورد لوكالة شفق نيوز، أنه "تم رصد دخول العديد من العوائل التي ليست من سكان المحافظة الأصليين، وبشكل علني وأمام أنظار الرأي العام والأجهزة الأمنية، في محاولة مكشوفة للتلاعب بالواقع السكاني وتغيير الطابع الديمغرافي للمحافظة".

الكورد: دعوة للمشاركة وسط خشية

ودعت كتلة الحزب الديمقراطي الكوردستاني في مجلس محافظة كركوك، جميع الكورد والقوميات الاخرى في المناطق المتنازع عليها للمشاركة في التعداد السكاني، فيما وصفت التعداد بأنه "خطوة مهمة" لتوفير قاعدة بيانات للأوضاع الاقتصادية.

وقال حسن مجيد رئيس الكتلة في تصريح لوكالة شفق نيوز، إن "رئيس الوزراء محمد شياع السوداني اعطى في زيارته الأخيرة إلى أربيل رسالة اطمئنان حول المناطق المتنازع عليها حيث ان هذه المناطق مشمولة بالمادة 140 من الدستور العراقي، ونحن كحزب الديمقراطي كانت لدينا جملة تحفظات على إجراء التعداد السكاني في المناطق المتنازع عليها".

وأكد أن "الحزب الديمقراطي مع مشاركة جميع القوميات في هذا التعداد لأنه تعداد تنموي اقتصادي واي بلد لا يتوفر فيه قاعدة معلومات تنموية أشبه ما يكون شخص فاقد لبصره ويسير في طريق مظلم".

وعن مشاركة الكورد في محافظات اقليم كوردستان العراق، أكد مجيد أن "الديمقراطي مع مشاركة الكورد وباقي القوميات الأصليين في هذا التعداد، ونحن مع رسالة الاطمئنان التي أعطاها السوداني في اربيل ولهذا التعداد سيكون مهما لتوفير قاعدة بيانات تنموية واقتصادية في عموم العراق".

تطمين حكومي وفني

ويقول مدير تخطيط وإحصاء كركوك، مصطفى أكرم، لوكالة شفق نيوز، إن "ما يقارب 5652 شخصاً يعملون بصفة عدّاد ومعاون، إضافة إلى نحو ألف مدير مشرف على هؤلاء العاملين، وقد أنجزنا مراحل متقدمة من عملية الحصر الميداني وتسجيل أسماء العوائل في جميع مناطق كركوك، مما جعل المحافظة ضمن الأكثر تقدماً في إنجاز وتوثيق العمل الميداني".

وعن آلية العمل المتعلقة بالتشكيل الثلاثي القومي للعدادين في كركوك، أشار أكرم إلى أن "الحاجة لتواجد الفرق الثلاثية من الكورد والعرب والتركمان في موقع واحد انتفت، وقد تم اعتماد بديل يقوم على تكليف العاملين من نفس القومية بالعمل في مناطقهم؛ بحيث يعمل الكورد في المناطق الكوردية، والعرب في المناطق العربية، والتركمان في المناطق التركمانية، هذا الإجراء أنهى الحاجة لتواجد الفرق الثلاثية في كركوك".

من جهته، قال عضو مجلس محافظة كركوك، رعد صالح، لوكالة شفق نيوز، إن "دائرة التخطيط والإحصاء في كركوك تعمل بشكل متميز، وبخصوص الإعلان عن الحاجة لموظفين بصفة معاون، فقد تم الاطلاع على أسماء المتقدمين اليوم، وكانت هناك نسبة متساوية بين المكونات الثلاثة، حيث تم تسجيل 200 موظف من الكورد، و200 من العرب، و200 من التركمان".

وأكد أن "ما يُشاع عن تفضيل مكون على آخر غير صحيح".واختتم صالح حديثه بالدعوة إلى تعاون جميع القوميات لإنجاح التعداد السكاني في كركوك، مؤكدًا أن هذه الخطوة ستساهم في توفير مشاريع وخدمات تعود بالنفع على جميع أبناء المحافظة في المستقبل القريب.

كان العراق قد أجرى آخر تعداد سكاني عام 1987، الذي اشتركت فيه جميع المحافظات، تبعه إحصاء عام 1997 الذي أجري دون مشاركة محافظات إقليم كوردستان.

وظلت البلاد طيلة السنوات الماضية مُعتمدة على الأرقام الإحصائية التقريبية الصادرة عن مؤسسات ومراكز أبحاث غير رسمية تُعنى بهذا الشأن، قبل أن تصدر تقديرات وزارة التخطيط في عام 2022 بأن عدد سكان العراق بلغ أكثر من 42 مليون نسمة.

وفي المقابل، فإن ملف المناطق المتنازع عليها في العراق يعد من أكثر القضايا تعقيداً وحساسية في المشهد السياسي والتي لم ترَ طريق الحل من بعد 2003، وهذه المناطق تشمل أراضي واسعة تمتد بين إقليم كوردستان والحكومة في بغداد، كما تتميز بتنوعها من الناحية القومية والإثنية.

وتأجل التعداد بسبب مخاوف من تسييسه، وعارضته جماعات عرقية في المناطق المتنازع عليها مثل مدينة كركوك التي يسكنها الكورد والعرب والتركمان وتضم حقولا نفطية كبرى، لأنه قد يكشف عن تركيبة سكانية من شأنها أن تقضي على طموحاتها السياسية.

وقد يقدم الإحصاء اجابات او يوجد مزيدا من المشاحنات في بلد متعدد الأعراق عاني من عنف طائفي بعد الغزو الأمريكي عام 2003 ويحاول الآن دعم المكاسب الامنية في وقت يعكف فيه على اتخاذ قرار بشأن كيفية توزيع ثروته النفطية الضخمة. ويملك العراق ثالث اكبر احتياطي نفطي في العالم.

وطالب اقليم كوردستان بعد 2003 بضم كركوك واجراء التعداد السكاني، وسيحدد الاحصاء ان كان الكورد أكبر تكتل عرقي في المدينة وهو ما قد يدعم تلك المطالبة.

كما سيكشف عن عدد السكان الذين يعيشون في إقليم كوردستان الامر الذي سيحدد حصته في إيرادات الحكومة العراقية التي تبلغ حاليا بنحو 12 في المئة.

وكان من المقرر أن يظهر الإحصاء التركيبة الدينية للعراق ذي الاغلبية المسلمة، أو القومية، لكن سيتعمد ألا يسأل السكان عن ذلك، وهو ما ولد رفضاً من سكان مناطق النزاع.