شفق نيوز/ دخلت علياء (25 عاماً) إلى مركز للتجميل بالعاصمة بغداد بآمال عريضة رغبة في تحسين مظهرها، ترى شخصاً يرتدي معطفاً أبيضاً، فتثق به، رغم أنها لم تختر المركز لسبب سوى أنه يناسب ميزانيتها، هذا ما يحدث يومياً، وعلى الرغم من التحذيرات المتعلقة بمخاطر اللجوء إلى عمليات التجميل، إلا أنها تحظى بشعبية متزايدة في العراق.
ففي عالم يغص بصور الجمال المثالي، أصبحت الجراحات التجميلية هاجساً يراود الكثير من النساء، دون الأخذ بنظر الاعتبار التحذيرات والمخاطر الصحية المصاحبة لها، خاصة عند اللجوء إلى مراكز التجميل غير الموثوقة لأسعارها المتدنية لكنها قد تؤدي بهن إلى عواقب وخيمة، حيث يعمد البعض منهن إلى المغامرة بصحتهن وجمالهن لتوفير المال.
وتغري أسعار العمليات الرخيصة في مراكز التجميل غير الرسمية الكثير من النساء الباحثات عن الجمال بكلفة مخفضة، لكن داخل أروقة تلك المراكز قصص مأساوية عن مضاعفات وتشوّهات، كما حصل مع علياء التي تحولت رحلتها من محافظة بابل إلى بغداد إلى كابوس حقيقي.
وجاءت علياء إلى بغداد في قصتها التي روتها لوكالة شفق نيوز، بعد أن أطلعتها صديقتها عن تجربتها بمركز تجميل في بغداد بتكلفة قليلة، لذلك قررت السفر لإجراء عملية حقن الفيلر، للحصول على وجه أكثر جمالاً.
في البداية، كانت الأمور تسير بشكل طبيعي، ولكن بعد عودتها إلى بابل سرعان ما بدأت تظهر عليها مضاعفات مؤلمة، من التهاب في الوجه وارتفاع درجة حرارة جسدها وغيرهما، عادت إلى بغداد للتواصل مع الطبيب الذي أجرى لها العملية، لكن تبين أن الطبيب غير مختص والمركز غير رسمي، وبعد الاستفسار والتواصل مع الجهات الصحية أكدوا أن حالتها لم تكن الأولى بل هناك العديد من النساء وقعن ضحايا لهذه المراكز.
ويوجد في العراق عدد كبير من مراكز التجميل غير المسجلة، وآخر إحصائية للمراكز المسجلة رسمياً في وزارة الصحة لا تتجاوز 100 مركز في عموم البلاد، لكن أعداد مراكز التجميل في بغداد لوحدها أكثر من 500 مركز ما عدا باقي المحافظات، وفق نقيب أطباء العراق الدكتور حسنين صفاء شبر.
ويضيف شبر لوكالة شفق نيوز "كما هناك أعداداً كبيرة من منتحلي صفة طبيب يمارسون الأعمال الطبية وخاصة المتعلقة بالتجميل التي تشهد إقبالاً كبيراً من المواطنين لإجراء الفيلر والبوتكس وغيرهما".
ويشير شبر إلى أن "في هذه المراكز يعمل نساء ورجال وتعود إلى مستثمرين ورجال أعمال وأحياناً تكون غطاءً لغسيل الأموال وغيرها، ورغم ذلك لا يزال الجهد المنصب على هذا الموضوع أقل من اللازم، وأن المسؤولية هي تتجاوز نقابة الأطباء وحتى وزارة الصحة، فهي مسؤولية أمنية في الدرجة الأولى ولها علاقة بالأمن الاقتصادي والجريمة المنظمة، وتحتاج إلى هيكل كامل من العمل الحكومي بسبب فداحته وسعة الموضوع".
ويؤكد، أن "كل من يتصدى لهذه المسألة يواجه تهديدات وضغوطات سياسية واجتماعية وعشائرية وغيرها، بسبب أن هذه المراكز مموّلة بشكل أو بآخر من أشخاص لهم علاقات وامتدادات مجتمعية".
وينوّه إلى أن "المشكلة الأساسية التي نتجت عن هذا الموضوع هو قانون المؤسسات الصحية رقم 25 لسنة 2015، فهو أتاح لأي مواطن بغض النظر عن كونه طبيباً أم لا، بتقديم طلب إلى وزارة الصحة لتأسيس مؤسسة صحية ويصبح بذلك مستثمراً، وعليه يمكن لأي شخص حتى وأن كان غير متعلم بفتح مستشفى، وبالتالي يجد المواطن نفسه يتعالج في مؤسسة يديرها شخص ليس له علاقة بالطب والعلم لا من قريب ولا من بعيد، نتيجة تمرير هذا القانون بطريقة غريبة عام 2015".
وحاولت وكالة شفق نيوز التواصل مع وزارة الصحة العراقية لمعرفة أعداد مراكز التجميل الوهمية التي تم غلقها وأعداد منتحلي صفة الأطباء في بغداد والمحافظات، وخطة الوزارة للحد من هذه الظاهرة التي تهدد صحة المواطنين، لكنها لم تحصل على رد عن هذه الاستفسارات حتى ساعة كتابة هذا التقرير.
لكن الخبير القانوني، علي التميمي، أوضح العقوبة القانونية لانتحال الصفات في القانون العراقي، بأن "الفقرة أولاً/1 من القانون 160 لسنة 1983 عاقبت بالسجن 10 سنوات على هذه الجريمة، واعتبرت الانتفاع المادي جراء ذلك ظرفاً مشدداً يجيز لمحكمة الجنايات تشديد العقوبة وفق المادة 136 من قانون العقوبات، وهذا القانون معدل المواد 260 و261 و262 من قانون العقوبات التي كانت تعاقب بالحبس لمدة لا تتجاوز الـ5 سنوات والغرامة على هذه الجريمة، أي كانت جنحة وأصبحت بموجب القانون 160 لسنة 1983 جناية".
ويضيف التميمي لوكالة شفق نيوز، أن "هذه الجريمة من الجرائم المركبة التي يطغى عليها الاحتيال والانتحال، فهي تكون مشددة في حالة انتحال صفات الأجهزة الأمنية، وتكون نصب واحتيال في حالة انتحال صفة طبيب أو محامي..الخ، لهذا تشدد المشرع في العقوبة، كما أنها تؤدي إلى فقدان الثقة في الجهات الحكومية والخوف في التعامل العام".
ويشير إلى أن "فتح مراكز للتجميل إذا كان من قبل أطباء دون موافقات رسمية، ففي هذه الحالة تتم إحالتهم إلى لجنة الانضباط في نقابة الأطباء وقد تصل العقوبة إلى منع ممارسة المهنة والشطب من جدول الأطباء، أما إذا كان من يفتح هذا المركز ليس طبيباً، ففي هذه الحالة نكون أمام انتحال صفة وفق القانون 160 لسنة 1983 حيث تصل العقوبة إلى السجن 10 سنوات".
ويؤكد التميمي في الختام، أن "هذه الجرائم ازدادت مع الابتزاز الإلكتروني وابتزاز الأموال، وهي تحتاج إلى جهود استخبارية وتعاون الناس مع الأجهزة الأمنية للوصول لهؤلاء المجرمين".