شفق نيوز/ قبل تسعة أعوام عندما أعلنت السلطات العراقية عن مشروع ترفيهي ضخم من شأنه تغيير وجه العاصمة بغداد، راود الكثير من سكانها حلم التنزه على جانبي قناة الجيش والاستمتاع بالمناظر الطبيعية الخلابة ووسائل الترفيه المتعددة للأطفال والكبار على حد سواء.
إلا أن السنوات مرت تباعا الواحدة تلو الآخر دون تحقيق الحلم، بل أنه تحول في المحصلة إلى كابوس لسكان العاصمة وبات المشروع علامة أخرى جديدة على انتشار النفايات وأكوام الأنقاض قرب المساكن الآهلة.
وقال مواطن يقطن في منطقة بغداد الجديدة المقابلة للمشروع، لوكالة شفق نيوز، إن "الانقاض ترمى يوميا في موقع المشروع، ويحدث ذلك باتفاق مع أمانة بغداد".
وأضاف ان "المشروع أصبح مكباً للنفايات والأنقاض ومأوى للكلاب السائبة"، مشيرا إلى أن "منطقة المشروع باتت تشكل خطرا على السيارات التي تعبر الشارع الرئيسي ليلاً بسبب النفايات والظلام الذي يلف المكان، وهو الأمر الذي تسبب بوقوع عدة حوادث بالفعل".
ورصدت عدسة وكالة شفق نيوز، أكوام النفايات والأنقاض على جانبي طريق "قناة الجيش".
وقناة الجيش هي ممر مائي صناعي في شمالي بغداد، تم تدشينها لأول مرة في عهد الرئيس الراحل عبد الكريم قاسم في 15 تموز/يوليو عام 1961، وتبدأ من شرق دجلة بين منطقة سبع أبكار ومحلة السيفية، وتُسمّى بدايتها صدر القناة، تُضخّ وتجري من هناك متجهةً نحو شرق بغداد ثم إلى جنوبها حيث تصبّ في نهر ديالى في منطقة الرستمية، في محلة 707، جنوب شرق بغداد.
وفي حزيران/يونيو عام 2011، أحالت أمانة بغداد تطوير قناة الجيش الى شركتي "المقاولون العرب" المصرية، و"الغري" العراقية بكلفة 146 مليون دولار ضمن خطة لتطوير العاصمة بغداد.
وباشرت الشركتان بالمشروع، الذي يمتد على طول يتجاوز 23 كيلومترا، بدءا من كري القناة، وغلق المياه الآسنة التي كانت تصب فيها، فضلا عن إكساء القنوات البالغ طولها 47 كلم ذهابا وايابا بالحجر وانشاء مساحات خضراء على جانبيها.
كما يتضمن عقد المشروع إقامة 21 موقفا للسيارات و12 نفقا و16 ملعبا للأطفال واللياقة البدنية و4 مسابح مع ملحقاتها كافة و4 مسارح صيفية، و11 مطعما صغيرا و40 كشكا، ونصب 4700 مصطبة للجلوس، وزراعة اعداد كبيرة من الاشجار التي تتحمل حرارة الجو، فضلا عن منظومات ري حديثة تعمل بالتنقيط وغيرها.
وكان من المقرر إنجاز المشروع في عام 2013، إلا أن تنفيذ المشروع ظل متواصلاً حتى عام 2015 حين غمرت مياه الأمطار بعض مناطق شرق القناة، فاضطرت أمانة بغداد إلى صرف مياه الأمطار إلى قناة الجيش، ما تسبب بتخريب الجزء المنفذ من المشروع، وتوقف إلى حين تخصيص أموال لاستئنافه من جديد.
ومع تحول الموقع إلى مكب للنفايات والأنقاض، لا يبدو مستقبله القريب مشرقاً.
وفي 11 حزيران/يونيو الماضي، قال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في مؤتمر صحفي ببغداد إن كلفة مشروع قناة الجيش تجاوزت مليار دولار.
وأضاف الكاظمي إن كشفه لهذا الحقيقة سيتسبب بانزعاج بعض السياسيين من بينهم أصدقاؤه.
ورأى عضو لجنة الخدمات والإعمار النيابية عدي شعلان أن "أبرز أسباب إهمال مشروع قناة الجيش وتحويله لمكب نفايات، يتمثل في الفساد وسوء الإدارة وعدم وجود رقابة على المشاريع الإستراتيجية، التي تصرف عليها ملايين الدولارات".
وأضاف شعلان لوكالة شفق نيوز، أن "هناك عوامل كبيرة خلف إهمال مشروع قناة الجيش وتحويله لمكب نفايات، لكن العامل الابرز هو الفساد والصفقات المشبوهة، وكذلك وجود الحماية السياسية للشخصيات والجهات المتورطة بهذا المشروع، الذي يشوبه الكثير من الشبهات".
وأضاف ان "مجلس النواب العراقي، في دورته الحالية يعتزم تشكيل لجنة خاصة للتحقيق في إهمال مشروع قناة الجيش وتحويله لمكب نفايات، رغم هدر الأموال الخيالية عليه، طيلة الفترة الماضية".
والعراق من بين أكثر دول العالم التي تشهد فسادا، وفق مؤشر منظمة الشفافية الدولية على مدى السنوات الماضية. ويقول مراقبون إن مئات المليارات اختفت في العراق منذ عام 2003.
ويعد الفساد، إلى جانب التوترات الأمنية، سببان رئيسيان في فشل الحكومات المتعاقبة في تحسين أوضاع البلاد، رغم الإيرادات المالية الكبيرة المتأتية من بيع النفط.
ويشكو السكان من سوء خدمات رئيسية من قبيل الكهرباء ومياه الشرب والخدمات الصحية والتعليمية وغيرها.